أجيال عراقية أحبت الرسم من خلال برنامجه.. خالد جبر رحلة حافلة بالإنجاز ومتوجة بالمعاناة
معالم العبيدي-بغداد
منذ ثلاثة عقود، نقش الفنان التشكيلي خالد جبر في ذاكرة الأطفال العراقيين حب الرسم من خلال برنامجه الشهير “المرسم الصغير”.
ويقول جبر للجزيرة نت “كنت صحفيا أكتب في الصحف العراقية، وفي سنة 1985، اقترحت على مدير تلفزيون بغداد أن أقدم برنامجا للأطفال، يعلمهم الرسم، الفكرة كانت غريبة، لكنه وافق، ولاقى البرنامج صدى واسعا لدى الأطفال، بل وحتى الكبار”.
بدأ الفنان جبر الرسم وهو في عمر ست سنوات، ومارس هوايته على الرصيف والإسفلت والجدران والسبورة، هو فنان تشكيلي وإعلامي عراقي ولد سنة 1954 في مدينة الحبانية في محافظة الأنبار في العراق، وتخرج في معهد الفنون الجميلة في بغداد، ودرس فيه لمدة 10 سنوات في الدراسة المسائية.
ويلفت الفنان جبر عن أسلوبه في البرنامج، إذ يقول “قدمت تعليم الرسم بطريقة محببة وسهلة ولطيفة للأطفال، من خلال استخدام الأشكال الهندسية مثل الدائرة والمثلث، لتكون سهلة التطبيق في رسم شكل الإنسان”.
أحرق لوحاتي
يستذكر الفنان خالد جبر المعارض والمزادات التي كانت تقام في شارع أبي نواس في بغداد، حيث كان هناك ما يقارب 17 قاعة فنية ومزادا، كانت متاحة لكل الفنانين والرسامين، لكنها غير موجودة اليوم، ويعزو ذلك إلى ضعف دور وزارة الثقافة، لأنها لا تهتم بالشباب والرواد والفنانين، ويجب عليها الاهتمام بإقامة المعارض الفنية، لأن المعرض وثيقة مهمة للفنان.
وتحدث جبر عن هجرة أغلب المبدعين إلى خارج العراق بسبب عدم احتضان نشاطاتهم وأعمالهم الجميلة التي هي إرث ثمين وحضارة تفتخر بها الأجيال في المستقبل.
ويردف بالقول “لدي أكثر من 600 لوحة، أفكر في حرقها، لأني لا أستطيع مخاطبة الناس من خلال أعماله ولا سبيل لديه لبيعها أو عرضها، وذلك لعدم قدرته على إقامة معرض خاص بي، بسبب الظروف المادية الصعبة التي يعيشها”.
وكان للفنان خالد جبر أكثر من عشرة مؤلفات في مجال تعليم الرسم، منها تعليم رسم الحصان والوجه والمناظر الطبيعية، كما انتهى مؤخرا من كتابة مؤلفه “المرسم وسنوات الحنظل” الذي جمع فيه كل تجاربه خلال ثلاثة عقود من تقديمه لبرنامج المرسم الصغير، واصفا تجربته للبرنامج بسنوات الحنظل، إلا أنه أوصى عائلته أن يطبع الكتاب وينشر بعد وفاته، وذلك بسبب أحداث مثيرة للجدل وقعت في الماضي، قد تسبب له إحراجات كثيرة في الوقت الحالي.
رسم الفنان جبر أكثر من ثمانين لوحة عن المتظاهرين، يعبر من خلالها تضامنه معهم، ويرى أن الرسم لغة عالمية، ولغة يفهمها الجميع، وأن الرسم قد يعالج مشاكل اجتماعية.
ويشير إلى أن كثيرا من اللوحات في العالم كان لها دور في ثورات الشعوب، ويضرب مثلا عن اللوحة الجدارية غرنيكا للفنان بابلو بيكاسو، التي أحدثت ثورة ضد القائد العسكري الإسباني الجنرال فرانكو، واعتبرت آنذاك رمزا مضادا للحرب وتجسيدا للسلام، كما أن هناك لوحات تفجر ثورة كنصب الحرية في بغداد، للفنان جواد سليم، الذي وصفه بأم الثورات، على حد تعبيره.
الصمت والوحدة
ظل الفنان خالد جبر ينتج برنامجه للأطفال “المرسم الصغير” إلى يومنا هذا، رغم كل المضايقات الذي تعرض لها، وإيقاف البرنامج مرات عدة، فإنه حرص على تقديمه رغم كبر سنه، وسوء حالته الصحية، لا يزال يمارس هوايته التي أحبها في ورشته الصغيرة.
ويقول للجزيرة نت “الواقع الذي ألجأ إليه هو الصمت، والرسم بعيدا عن الناس، كنت أتمنى أن يصنعوا لي تمثالا من الذهب، وأن أحاط بالاهتمام في بلدي، لا أن أبقى وحيدا بين لوحاتي، وقد كتبت على ورشتي مغلقة”.
المصدر : الجزيرة