الروائي حسين رحيم لـ (الزمان ): منطق السرد غير متوائم مع ماحدث للموصل القديمة
الموصل – سامر الياس سعيد
لم تمر مدينة بنكبات جسيمة في تاريخها مثلما مرت مدينة الموصل حتى استشهد كتابها ومؤلفيها بالمحطات المريرة التي مرت بها ليشيروا اليها في سياق سيرهم الذاتية او يوظفوها بما انتجوه من سرد ومن هذا الواقع ابرز الروائي الموصلي حسين رحيم في سيرة دونها عن ما حفلت به ذاكرته رغم طفولته من جثث معلقة باعمدة الكهرباء على خلفية ما شهدته الموصل ابان ثورة الشواف وفعلا قام الروائي المذكور بترجمة تلك الاحداث في روايات اضافة الى ما قدمه في المشهد الثقافي العراقي حيث قدم خلال مسيرته الادبية الى جانب عشرات القصص والمسرحيات عدد من المؤلفات منها المؤلفات رواية القران العاشر التي اصدرها عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2007 ورواية ابناء السيدة حياة التي اصدرها عن منشورات ليندا في سوريا عام 2013 ومجموعة قصص حملت عنوان لعنة الحكواتي اضافة لمجموعة مسرحيات عنونها بالاخوة ياسين وصدرتا عن دار صحارى في مدينة الموصل اضافة لديوان شعر بعنوان دمع العسل عن دار مومنت في لندن والتي اصدرت له ايضا رواية بعنوان حزن الخورنق كما تزخر سيرة الروائي حسين رحيم بالجوائز والشهادات التقديرية عن مسيرة ابداعية حافلة ..الروائي حسين رحيم حل ضيفا على جريدة الزمان ليتحدث من خلالها عن تاثيرات البيئة وما حفل به تاريخ نكيات الموصل على واقعها الادبي خصوصا من خلال الدمار والخراب الذي شوه مدينتها القديمة في عام 2017 واليكم تفاصيل ما حفل به حـــوارنا :
{ البيئة وتاثيراتها كما تطرقت اليها في حديثك عن طفولتك التي تارجحت بين محلتي الفيصلية ومحلة الشيخ محمد في باب جديد ، الى اي مدى اسهمت تلك التاثيرات بصقل القدرة السردية لديك وكم تدين لها في بلورة حكايات وروايات انتجها يراعك؟
-الطفولة هي اولى عتبات الذاكرة المترعة بالروائح وألأصوات …رائحة امي …رائحة زقاقنا الذي نصله صعودا …رائحة حازم الحلاق الذي كان يخيفني …رائحة الكرخان في حمّام المنقوشي …رائحة الصندلية التي كنت اختبيء فيها …رائحة آذان الفجر من جامع سلطان ويس …اسماء وشواهد ولدت عتيقة هكذا كطعم الفطر في صباح شتائي ..مابين الشيخ محمد والزقاق الضيق الذي يؤدي الى بيتنا نزولا وحضيرة السادة التي اتذكر صعودها فقط وصوت اخي الكبير وبيده ساعة مونديا يصلح فيها ويغني (في الليل لما خلي) ورائحة ابي الرجل الفارع الطول الوسيم الذي كان كثير السفر الى الشمال ويجلب منها الصوف والجوز والعسل …متى بدأت تلك ألأشياء بالظهور في ذاكرتي , لا ادري لكنني اعرف انها اشبه ببئر البنات في منطقة الفيصلية التي كانت اولى ايام طفولتي حين كنت مع اطفال المنطقة نرمي فيه اشياء تشعرني بالسعادة وانا انتظر سماع صوت ارتطامها بقاع البئر حيث ماؤه ألأسود …كنت اظن ان مياه آلآبار لونها اسود وكذلك طعمها ,,,ربما مازلت اعتقد ذلك …كنت احدث نفسي كثيرا وانا خاتل في الصندلية بين روائح الثياب الطيبة كأمي والتي كانت تخرجني مبتسمة كلما وجدتني متلبسا بالحكي مع نفسي احاور نفسي بنفسي في ديالوج داخلي ربما كانت اولى سردياتي الصوتية …كذلك كان ..البقال …القصاب …الحلاق…والجيخانة عناصر ومكونات الفة المكان واريحيته وبقائه تشكل جميعها ابدية ألأنسان حين يحركه الحب لمكانيته التي هي ميزة اولئك …الناس …في الحقيقة روايتي الثانية (ابناء السيدة حياة ) معينها كانت تلك الكائنات التي لايختلف طعمها عن الجص والحجر …مكون المدينة ألأزلي و(عوجة الماتطلع) كانت بؤرة حكايات اولائك الرجال الخرافية والتي حولها اولادهم واحفادهم الى اساطير بعد رحيلهم بتواتر جميل …هكذا كانت الموصل مجموعة حكايات واغاني حزينة وفرحة بخجل كأي مكان عراقي يصنع اساطيره بنفسه ويقرأها لنفسه . وفي بعض من قصصي كانت الموصل ايضا حاضرة وان بشكل مختلف .
{ الموصل وما مرت به من محن ..هل اسهمت ببلورة نتاج روائي يمكن له ان يتغلغل في اتجاهات السردية العراقية بشكل خاص والرواية العربية عموما وهل ادركت شعبية الرواية الموصلية فرصتها للانطلاق نحو فضاء وافق اوسع ؟
-…في الحقيقة الكل يتكلم عن ما حدث في ايمن الموصل احيانا بغضب واخرى بحزن وأسى محاولين التعبير عن المأساة أو الفاجعة او الكارثة او لاادري …ربما لم نجد التعبير المناسب لما جرى …لا اظن ان هناك من استطاع احتواء ماحصل للمدينة بشكل سردي او غيره …مع ذلك هناك من كتب واخرون في طور الكتابة لكن اقولها بأسى …ان ما حدث لأيمن المدينة خارج منطق السرد والحكي …ربما هي ملحمة اندثار ألأنسانية بألأنسان نفسه …المشكلة الكبرى ان هذه المدينة الوادعة لاتترك لحالها ابدا كي تقود نفسها بنفسها من ابنائها فكل حقبة او عهد او زمن ما تتعرض لهكذا هجمة بربرية تخلف فيها جرحا عميقا في ضمير انسانيتها وتعود لبناء ماتهدم منها ببطء وتروي …لكن كيف تبنى الضمائر والمشاعر خارج جروحها …عموما لست متفائلا بخروج كتابة تحول مأساة هذه المدينة بشكل جديد للكتابة عربيا او عراقيا فلوحة جورنيكا لبابلو بيكاسو عن قصف الطائرات ألألمانية وألأيطالية لمدينة جورنيكا في اقليم الباسك ألأسباني تلك الجدارية التي قالت ان مايدمره ألأنسان بألأنسان هو ابشع بكثير ممايكتب لذلك كانت اللوحة وصرخة ذلك الحصان النافق بألأسود وألأبيض اقوى ادانة للعنف البشري .
{ يدور نتاجك الادبي في فلك متنوع من الفنون الادبية فمن من تلك الفنون يعبر عن شخصية حسين رحيم او بصورة ادق يلتزم بها الكاتب للتعبير عن رايه باتجاه القضايا التي يعيشها مجتمعه ؟
-الرواية طبعا فهي من وجدتني وشكلت شخصيتي …ففي حضرة السرد الروائي يكون حسين المفكر الذي يفلسف احيانا صراع ابطاله ومن ثم يحولهم الى اساطير …انا لااقصد هذا طبعا …ربما هي حُمّى الكتابة لوحدها او شكل من عصاب ينتابني على رأي بارت لكنني اشتغل بأقصى حدود الوعي بشكل السرد الذي ادون نزولا حتى المفردة وربما هو امر يحصل في الشعر ولأن داخلي يسكنه شاعر مجنون ومؤلف مسرحي عاقل وقاص متمرد على ألأشكال التقليدية للقص فأينما امد كف الكلام سأغرف شيئا من هؤلاء مابين اعلى تجليات التصوف الروحي وادنى درجات الواقعية الموضوعية بتفاصيلها المملة احيانا …ربما يتشكل منها تاريخ محايث للواقع لكنه يكتب بعقل فيلسوف على رأي بنديتو كروتشة ..فاتني ان اقول انني في معظم رواياتي احاول قدر مامكنتني الكتابة ان ادون حكاية لكنني افشل دائما ربما لأنني شأن اسلافي لا اعرف كيف اصيغ حكاية ثم ارسم احداثها واستعير من الواقع المعاش ابطالها واحركهم ثم اقتلهم جميعا او اتركهم لمصائرهم …لا.. ليس ألأمر هكذا …ربما يبدأ ألأمر بومضة لصورة او شكل لشخصية لوابة …قلقة …او لاادري …شاب جالس على الرصيف يرى نفسه يحاول عبور الشارع فتأتي سيرة تدهسه امامه …هكذا ولدت روايتي ألأولى (القران العاشر) وبحث بطلها الدؤوب(حاطوم) …القلق عن الكثير من ألأجوبة كذلك (صباح ) بطل روايتي الثانية (ابناء السيدة حياة) وبحثه عن امه بعد عودته من الغربة وكذلك عن الفتاة صباح التي كانها قبل ان يحوله طبيب الملك الى ذكر … وهكذا روايتي الثالثة (ايام النيكوتين) وبطلها ابراهيم المصاب بعطب في رجولته ثم ينتحر في النهاية على طريقة الساموراي لكن بصيغة مختلفة هذه المرة …
{ تزخر سيرتك بعشرات الجوائز فهل هي المعيار المناسب لوصول قضية الكاتب لمداها من الانتشار والابراز خصوصا في الاوساط الادبية .
-هناك روائيون شهرتهم جوائز لكنها لم تضف لهم اي شيء لابل بقيت لعنة الجائزة تلاحقهم بوصفها معيار للمفاضلة بين الجائزة وما بعدها واغلبهم كرروا ماكتبوه في رواية الجائزة اما انا فالجوائز التي حصلت عليها كانت لأسباب لاعلاقة لها بالشهرة لأنها كانت محصورة في زمن ما لذلك انا لاتعنيني الشهرة كثيرا لأسباب عديدة يقف في مقدمتها حريتي الشخصية وخلوتي مع الكتابة والقراءة وطقوسهما فأنا من جيل عاشق للقراءة الشخصية ونحن في طريقنا للأنقراض ربما اجيال بعدنا يفهمون لعبة الشهرة افضل وطرق الوصول اليها لكنهم حتما لن يكونوا مثلنا ….
{ تناقش اروقة الجامعات العراقية كل عام العشرات من النتاجات الادبية لكتاب وروائيين فهل اسهمت مثل تلك الرسائل الجامعية باشاعة نوع من الزخم المعنوي للكتاب والروائيين في تمتين بنائهم السردي في ضوء
-لاشك بالكتابة عن اعمال الروائي بوصفها زخما معنويا له ولكن الى حين لأن الكاتب لاتعنيه الجماهيرية فهو ليس مطرب او لاعب كرة يعتاش على زخم معجبيه والرسائل وألأطروحات الجامعية لاتحقق الجماهيرية لكنها تمتلك فضيلة واحدة هي انها تناقش بشكل علمي من قبل مجموعة ذكية نتاجه الروائي الذي عاش مكابدات كثيرة وارهاصات وقلق مزمن لزمن ليس بالقصير كي يخرج نتاجه ويرى النور وهو امر جميل يبعد عنه هاجس التردد واليأس احيانا …نعم اقول ان الروائي يبحث عن من يفهم ما كتبه بهذه البساطة لكن المشكلة تكمن ان اغلب الروائيين الكبار هم مسوقين سيئين لأعمالهم لأنهم يرون ألأمر كأنه نتاج مخاض عسير يركنون الى الراحة والنسيان بعده وفيما يتعلق بي هناك من كتب عن اعمالي المسرحية برسالتي ماجستير في جامعتي بابل وتكريت وهناك ايضا اكثر من دراسة علمية عن رواياتي وقصصي في جامعة الموصل وكذلك بحوث تخرج لطلبة عن مســـرحياتي .