هذا الارتباط بالخط العربي “منطلقه ديني، فالأتراك من الشعوب التي عضت بالنواجذ على الدين الإسلامي منذ دخل ديارها”، كما يقول شيخ الخطاطين في العالم الإسلامي حسن جلبي لمجلة الجزيرة.
جلبي، شيخ ثمانيني من مواليد مدينة أرضروم التركية عام 1938، لم تكن رحلته باتجاه امتلاك ناصية الخط العربي يسيرة، ففي خضم الحرب العالمية الثانية لم تكن قرى الأناضول قد عرفت المدارس الرسمية بعد، ويستدرك جلبي “إلا أن رجلا متعلما من أفراد هذه القرية كان يحضر الصحف إليها، ويضعها بمتناول أيدي الجميع فيقرؤون، وكنت منهم”.
يمارس حسن جلبي الخط العربي ويعلمه للشباب بشغف منذ عشرات السنين (الجزيرة) |
لاحقا أحدث في قريته كتّابا لتحفيظ القرآن الكريم، دخله جلبي على يد خاله “يوسف طاش” وهو من أتم على يديه حفظ القرآن كاملا.
وفي عام 1945 انتقل جلبي إلى إسطنبول لتلقي المزيد من علوم القرآن الكريم، واستقر به المقام في مدرسة “أوج باش” لدراسة اللغة العربية والعلوم الدينية، قبل أن ينتقل إلى مدرسة “جينلي” في حي إسكودار. وبين عمله مؤذنا ثم إماما، وتوجهه للخدمة العسكرية الإجبارية، كان شغفه بالخط العربي الذي يراه على جدران المساجد، يكبر يوما بعد آخر.
وكان لتعرّفه على إمام عنده ملكة الخط، أثره في تعلمه جملة من الخطوط التي استحدثها أو طورها العثمانيون هي خط الثلث والنسخ والتعليق والرقعة والديواني والديواني، لكن لقاءه بالخطاط التركي الشهير حامد الآمدي، كان له الأثر الفيصل في توجهه لدراسة الخط العربي.
قد يستغرق الحصول على إجازة الخط من الشيخ حسن جلبي سبع سنوات كاملة (الجزيرة) |
أولا أشار الآمدي على حسن جلبي بدراسة الخط لدى الخطاط مصطفى حليم، لكن هذ الأخير أصيب في حادثة سير بعد بدء الدراسة لديه بثلاثة أشهر فقط، مما جعل الآمدي يقبل جلبي في صفوف طلابه بالرغم من اكتمال عدد صفه.
ولسنتين تدرب جلبي عند الآمدي فقط على خط جملة “ربّ يسر ولا تعسّر، رب تَممّ بالخير”، وهو يحافظ إلى اليوم على بدء تدريب طلبته على هذه الجملة، بعد مرور عقود على حصوله على إجازة الخط من الشيخ الآمدي، وتوسيع مداركه بأعمال جعلته اليوم في قمة هرم الخطاطين في العالم الإسلامي.
يقول جلبي لمجلة الجزيرة إن هذه الجملة “هي التدريب الأولي في الخط العربي، لكنها أيضا تدريب على الصبر”، يقصد بذلك أنه يختبر طلبته ويعدهم لسبع سنوات قادمات سيكون عليهم انتظارها للحصول على إجازته في الخط العربي.
يقبل الشباب الأتراك على تعلم الخط العربي على يد شيخ الخطاطين حسن جلبي (الجزيرة) |
سبع سنوات مدة طويلة لكنها تستحق الانتظار بحسب موسى، طالب “الشيخ جلبي” كما ينادى في قاعة بأحد الأوقاف العثمانية في منطقة إسكودار بمدينة إسطنبول، حيث يخصص الشيخ ساعات من وقته كل يوم سبت بعد الظهر، لتقديم خبرته لطلبته، دون أي مقابل مادي، “فقط لإيماني بالرسالة التي حملتها عن أساتذتي والتي تعكس الارتباط العقدي للأتراك بالخط العربي”، كما يقول.
المقولة الشهيرة “نزل القرآن في مكة، وقرئ في مصر، وكتب في إسطنبول” تعكس هذا الارتباط العقدي، كما يعكسها تطوير العثمانيين للخط العربي واستحداثهم لخط الجلي الديواني وخط الطغراء فيه، على سبيل المثال، لكن الشيخ جلبي انتقل بكتابة القرآن إلى خارج إسطنبول، فهو من خط بيده سورة الملك وسورة الجمعة على جدران المسجد النبوي في المدينة المنورة، وله تعود كل الكتابات على جدران مسجد قباء، أول مسجد بني في الإسلام.
واليوم يحظى الشيخ جلبي بسمعة طيبة وكبيرة بين الخطاطين في العالم الإسلامي، وقد بلغ الثمانين من عمره، مع إيمان يقول إنه سيستمر بالعمل به، هو “تزايد أعداد الخطاطين الأتراك، ودعم كل الشغوفين بالخط العربي من كل العالم الإسلامي، محبة للإسلام”.