التشكيلي بنيونس عميروش يَعرضُ “فُسحة” بالربط
تاريخ النشر : 2019-12-
متابعة خاصة
يَعرفُ رواق مؤسسة محمد السادس بالعاصمة المغربية الرابط، إقامة معرض الفنان بنيونس عميروش التشكيلي والذي اختار له “فُسحة” عنوانا بارزا، وذلك في الفترة الممتدة من الخميس 12 دجنبر 2019 إلى غاية 2 يناير 2020. وعن اختيار عنوان المعرض يقول الفنان عميروش، “في هذا المعرض، وقع اختياري على كلمة “فُسْحَة” لتكون عنوانا داخل سياقها المعماري، انطلاقا من عبارة هيجل: “الفُسَح المعمارية”، في كتابه “فن النحت” بترجمة جورج طرابشي (1980)، والقصد هو الميادين والساحات المَدينِيَّة التي تتيح التجمع والمرور، أي الفضاءات العمومية الخارجية التي تُمَكِّنُنا من مشْهَدِيَّة المعمار التي لا تُتاح لنا إلا بتموقع أجسادنا داخلها، أي داخل الفراغ”. ويُضيف قائلا، “والحال أن أعمال هذا المعرض تتخذ صبغتها التكوينية الموصولة بالفضاءات المدينِيَّة من منطلق التموقع الفيزيقي والرمزي في الفُسَح المعمارية التي تنسج فِعل التنقل والتبادل والتأمل الوجودي، فيما تُجَسِّد الدهنيات والمثاقفات والأنساق القيمِيَّة، وكل ما يعكس الثقافة الحضرية بمفهومها الإثنولوجي الشامل”.
هذا ويُعد بنيونس عميروش من بين الفنانين التشكيليين المغاربة الذين يُوحدون في اشتغالهم التشكيلي بين العمل النظري والممارسة الصباغية، إذ إلى جانب اشتغاله الجمالي فهو يُكرس اشتغالا نقديا وجماليا هاما لمتابعة وتحليل ودراسة منجزات وتجارب تشكيلية مغربية. وقد صدر له في هذا الصدد، عن منشورات اتحاد كتاب المغرب كتاب “قراءات في التصوير المغربي المعاصر”.
وعودة لمعرضه الحالي “فُسحة”، يقول الكاتب والناقد أحمد لطف الله، عن تجربة بنيونس عميروش الأخيرة، “يشرع الفنان بنيونس عميروش في التعامل مع خامته، بحضور فكرة سيادة الخط. فيرسم فسحات فاتحة مضية ومشرقة أحيانا، وأخرى قاتمة معتمة حينا آخر. كما تنحصر ملونة معظم هذه الأعمال الفنية الموغلة في التعبيرية، بين الأزرق والبني الترابي. لهذا تتجه رؤيتنا منذ البدء نحو التقاط ذلك الإحساس المهيب بالفضاء. كون معلق بين زرقة السماء وأديم الأرض. ومن أعلى السماء، تغزو الفضاء في بعض الأعمال، كتل لونية فصيحة، ترمز لهوية بعض الأمكنة المقدسة. الأرض هنا دعامة الأشياء، وقاعدتها الأفقية. لا يمكن للعين أن ترتاح، إلا إذا نظرت لمنجزات الفن موضوعة على تلك القاعدة”. ويضيف قائلا، ” في هذه الأعمال الفنية، يخضع الخط حسب طبيعته المكانية، لمسلّمات الهندسة الإقليدية، ولمقتضيات المساحة. ويبدو للوهلة الأولى رديفا للحقيقة، التي هي المعمار. لكننا ونحن نتلمس كيف تقترح علينا اللوحات فكرة العمق، والتي تطورت بتطور المنظور، فإننا نلاحظ أن لخط أصبح قادرا على نقل الحقيقة من مساحة الواقع نحو فسحات المجاز. ولأن غاية الفن هي الجمال، تلتبس الحقيقة بالمجاز في هذه الأعمال، التي اشتغلت على ذاكرة فضاءات مدينية مشبعة بعبق التراث وغلالة التاريخ”.
إننا بالتالي أمام منجز بصري ينحو في اتجاه التجاوب والتحاور والتفاعل البصري داخل حلقة الوَصْل بين التعبير والفضاء المَديني، تروم الأعمال السَّيْر نحو تجسيد نظرة ذاتية في استنبات رمزية العَتاقة كسلطة بصرية تعكس قيمة المدينة وحياتها، كما يقول صاحب المعرض، دون إلغاء وجهها المعماري الحديث، لكن بعيدا عن محاكاة نُظُم التشييد ومظهرية الحواضر في حد ذاتها. إنها الحواضر التي أتاحت لي توليف طوبوغرافيا وجدانية تجاهها، كالجديدة والرباط والدار البيضاء وغيرها، وعلى رأسها العاصمة الإسماعيلية، مكناس التي ما زالت تغَلِّفُني، وقد صدقت أحلام مستغانمي (في ذاكرة الجسد): هناك مدن نسكنها ومدن تسكننا.