سقطرى ـ استطلاع وتصوير: محمد السياغي
كهوف ومغارات أرخبيل سقطرة أسرار وأعاجيب تقترب من الأساطير
ليس التنوع الحيوي والمناخي والطبيعي والبيئي وحده هو ما ينفرد به أرخبيل سقطرى عن غيره في إنحاء مختلفة من العالم، بل تمثل المغارات والكهوف الطبيعية بما يكتنفها من غموض وأسرار وأعاجيب وما يكتنف الحديث عنها من عناصر تشويق وإثارة أكثر ما تقترب من الأساطير والخرافة من أبرز العناصر في منظومة الجذب السياحية للجزيرة.
مع أن عدد الكهوف والمغارات المكتشفة حتى الآن في الجزيرة يتجاوز أكثر من (40) كهفا ومغارة منتشرة على امتداد الجبال الموجودة في الجزيرة البالغ مساحتها (2300)كيلو متر مربع إلا أن الكثير من المهتمين يعتقدون أن الكثير منها لم يتم الكشف عنه حتى الآن.
وكان فريق بلجيكي في مجال الكهوف قد توصل في إطار البحوث المتواصلة لأسرار سقطرى، إلى اكتشاف أطول واكبر مغارة في الجزيرة مطلع مايو من العام 2005م يصل طولها إلى 7 كم ونصف الكيلو وتعرف بمغارة “جنيبة شبهن” بمنطقة دكسم السياحية الشهيرة، حيث يتجمع فيها عدد كبير من أشجار شجرة دم الأخوين الشهيرة والغير موجودة في غير سقطرى.
وحسب الباحث البلجيكي “بيتر ديجست” رئيس البعثة في نزوله الثاني للجزيرة بغرض الدراسة والبحوث فقد تم العثور على(40) كهفاً ومغارة حتى الآن ويعتبر كهف (جنيبة) هو الأطول والأكثر إبهاراً من حيث التكوينات الكلسية والشكل الجمالي للإبداع الرباني ووفرة المياه فيه.
ويعد (جنيبة) ثاني الكهوف المكتشفة بعد الكشف عن كهف (حوق) بمنطقة حالة قبل ثلاث سنوات بطوله البالغ (3) كيلو مترات والذي من المقرر أن يتم تأهيله سياحياً نظراً لما فيه من نقوش تاريخية وقطع تحتاج لدراسة علمية وتاريخية متعمقة.
ووفق استنتاجات أولية توصلت إليها مراكز أبحاث أوروبية بعد سلسلة من الأبحاث والدراسات المتعمقة في الجزيرة، ينفرد الموقع بنشر أولها هنا تمهيدا لنشرها في مواد لاحقة، فأن أرخبيل سقطرى يصنف الأول من نوعه في العالم بعدد الكهوف والمغارات الموجودة فيه.
ويؤكد خبراء أن هناك الكثير من الكهوف والمغارات الجبلية لم تكتشف في مواقع عديدة من جزيرة سقطرى والجزر التابعة لها، مبينين أن تلك المغارات والكهوف تشكلت بفعل عوامل التعرية الطبيعية وفي بعض منها تفاعلت عوامل ” جيومائية ” حيث عملت المياه على إذابة الكلس وشكلت أعمدة كلسية معلقة من أعلى سطوح الكهوف.
وبالإضافة إلى وجود أعمدة كلسية صاعدة من قاع الكهوف إلى الأعلى، فأنه من واقع زيارتنا الأخيرة للجزيرة ضمن فريق وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الإعلامي وبالتعاون مع شركة التبغ والكبريت وجدنا أن معظم تلك الكهوف والمغارات مأهولة بالسكان، ومنها يمارسون حياتهم الطبيعية المعتادة ، وأهمها عموماً مغارة ” دي جب ” في سهل نوجد، حيث تعتبر أكبرها حجماً في فتحة قطرها، وتتسع لعدد من الأسر دفعة واحدة، كما يمكن للسيارة التي تقل الزوار الوصول إلى جوف المغارة والتحرك بداخلها دون عناء.
وتبعد مغارة دي جب عن مركز حديبو بمسافة ( 75 كيلو متراً ) . فيما تبدو للزائر واحدة من أجمل وأكبر المغارات تنوعاً في موجودات ترسباتها الكلسية، التي تتدلى من سقفها ويبرزها سطحها وتمتلئ بها جوانبها.
وتظهر المغارة بعد قطع مسافة خمس دقائق سيرا على الأقدام من سهل نوجد المنبسط في الأسفل، أشبة بتجويف كلسي رمادي الشكل في بطن الجبل تحيط به عند المدخل مجموعة كبيرة من الصخور الكلسية.. فيما تتشكل فتحتها من الترسبات الكلسية التي تكونت عبر الاف السنين في هيئة أميال طولية ومخروطية الشكل وبروزات متفاوتة الأطوال والأحجام والرؤوس الحادة المدببة، لدرجة يبدو الجلوس تحتها بالنسبة للزائر مخيفا وهي تبدو أشبه بحراب ورماح طويلة من شأنها أن ترديه قتيلا فيما لو سقط احدها على رأسه.
كان الهدوء يلف المكان داخل المغارة، مع مجموعة من الطيور الجارحة التي تسكن المكان، وأرضية ترابية ترتفع كلما تعمقت داخل المغارة حتى تلامس سقفها في النهاية، بينما قطرات الماء التي تفرزها جدران المغارة وبروزاتها الكلسية وتتساقط مثل قطرات الندى هي ما يعطي المكان بعدا جماليا أخاذ يضاف إلى نقاء الهواء و الأكسجين الذي تشعر من خلال استنشاقه رئتيك المليئة بالنكوتين له انك استعدت الكثير من حيويتك ونشاطك.
يطل الزائر من فتحة المغارة على سهل نوجد المنبسط والواسع باتساع المدى وبعد النظر، حيث لا يوجد ما يقطع النظر لتبقى القيمة إلى جانب مد الزائر بسعة الأفق تنقية الكثير من الحواس لديه خاصة ما يتصل منها بتذوق الجمال الطبيعي.
تزداد متعة الزائر بالمغارة إلى جانب متعة التصوير والاستمتاع بعذوبة الصدى الموسيقي للأصوات فيها على وقع قطرات الندى عندما يرتادها المرء بمفردة، حيث يمارس فيها وحدته وخلوته ويدرك معنى أن الوحدة عبادة وهو يحط على بوابتها أثقاله وحمولته الشاقة من الهموم الملقاة على عاتقة وراء ظهره ويرتحل في سفر طويل إلى عالمه الاستثنائي الخاص حيث يستحضر بخيالة الكثير من الذكريات الجميلة وإعادة ترتيب الكثير من حساباته.
وإلى جانب متعة الاختلاء والاستجمام بما يعزز من الصفاء الروحي في النفس فأن قيمة زيارة المغارة تتضاعف بالتأمل في أسرارها وتكويناتها ووصفها ومن أشهر من زاروها وعدد المخلوقات الذين استقبلتهم على مدى تاريخها الممتد حسب الاعتقاد إلى بداية تاريخ ظهور الجزيرة وهي التي تبدو بكل تكويناتها وكأنها طفت من قعر البحر.
والمغارة عبارة عن تجويف صخري ممتد لمسافة طويلة تصل إلى عدد من الكيلو مترات من بداية مدخلها إلى نهايتها تتباين اتساعات المغارة من مكان إلى آخر ليبلغ في اقل نقطة 50 متراً ويتضاعف في أماكن أخرى ليصل إلى حدود 100متر وأكثر، ويرتفع سقف المغارة عن أرضيتها بمقدار متباين أيضاً يتراوح مابين 50 متراً إلى 100متراً في أماكن معينة في الوسط والأطراف.
من بداية المغارة وحتى نهايتها تتدلى من سقفها ترسبات كلسية ناجمة عن تجمع وتجمد قطرات الماء التي يرشحها جدران الجبل عبر فتحات ومنافذ غير ظاهرة ومتصلة بالجزء الذي تقع فيه المغارة، لهذا يرجح الاعتقاد القائل بأن المغارة تضم في باطنها الكثير من الأسرار والمعادن الكبريتية والمياه الجوفية البخارية التي تنقي الجو والرئتان.
ومعظم تلك الترسبات تشكل تعليقات ذات أطراف مدببة كالرماح ذات الأحجام المختلفة والأشكال المتنوعة والتي يبلغ تعدادها الملايين وبعض تلك التدليات الترسبية تجتمع وتبدو في هيئة ثريات بلورية بديعة الصنع والإتقان والجمال. فيما يظهر الكثير من تلك التدليات التي تقع على جانب جدران المغارة وقد التصقت أجزاؤها ببعضها البعض لتعكس صورة بديعة ولوحة رائعة التشكيل تتخذ هيئة النباتات المتسلقة أو حدائق من الزهور والشعب المرجانية.
ورغم وجود كثيرين يسكنون الكهوف إلا أنه لا بد من الإشارة لمن لا يعرف سقطرى وطبيعة حياة سكانها أن الكهوف لا تمثل مكان السكن للإنسان السقطري كما يقال، حيث أن كثير من الكهوف منها ما يمثل موئل للطيور الجارحة، ومنها ما يعد مأوى للأغنام والمواشي والأبقار التي من اللافت انتشارها وتحركها بحرية مطلقة في الجزيرة بمنأى عن تهديدات الحيوانات المفترسة، التي تخلوا منها الجزيرة نهائيا وتمثل هذه الميزة أحدة من أبرز سمات سقطرى.
وحسب السكان المحليين فأن هنالك بعض من الناس الذين يبحثون عن العشب لأنعامهم وخصوصا البقر والغنم في أوقات القحط مما يضطرهم لإيواء أغنامهم وأبقارهم فيها خاصة في فترات نزول الأمطار الغزيرة و يسكنون في هذه الكهوف لفترات مؤقتة لا غير على حسب فترة القحط ثم بعد ذلك يعودون إلى قراهم.
في سقطرى أكثر من مغارة وكهف، لكن لو سـألت عن أشهرها، وأطولها، وأجملها، لا غرابة أن يبدو لك معظمها يندرج ضمن هذا التوصيف حسب العامة من السكان، وفي ظل غياب الدراسات والأبحاث العلمية المختصة بدراسة الكهوف والمغارات في سقطرى حتى الآن.
لكن أشهرها – حسب رواية الغالبية من السكان- مغارة (حالة).. وهي تحتوي سر من أسرار الطبيعة وآية من آيات الله على الأرض، ومن واقع زيارتها وبشهادة الكثير من زوارها وتعليقاتهم عليها عرب وأجانب فأنها من المغارات التي ما تزال تثير الكثير من الجدل لدى المهتمين بعد الكشف عنها والإعلان عن وجودها قبل فترة ليست ببعيدة.
ومغارة (حالة) – حسب وصف الكثيرون من زوارها- تختلف كثيرا عن باقي المغارات، حيث يدرك من تردد كثيرا مثلنا في زيارتها بمدى مرارة الشعور بالندم فيما لو كان استجاب لتردده ولم يزرها، وهي لمن زار مغارة (جعيتا) في بيروت صورة أكثر جمالاً وحجماً وموقعاً، ينقصها الاهتمام وتأهيلها وفتحا أمام الزوار.
ووفقا لتأكيدات المسؤولون المحليون فأن مغارة (حالة) وهي تمثل معلماً طبيعياً من المعالم المهمة بين جملة المعالم الطبيعية التي تستأثر بها جزيرة سقطرى دون غيرها، فأنها قد تكون مستقبلا مقصدا مهما من المقاصد التي ينشدها محبي الطبيعة في العالم خاصة وهي تعد إلى جانب بقية الكهوف احد من أهم عناصر الجذب للجزيرة.
ويتطلب الوصول إلى موقع مغارة (حالة) قطع مسافة خمسين كيلومتراً نحو الشرق انطلاقاً من مدينة (حديبو) عاصمة الجزيرة يقطعها المجد بالسفر على السيارة في ساعتين يمر خلالها بعشرات القرى الصغيرة والطرق التي تتخللها أروع المناظر الطبيعية الخلابة والإشراف على أجزاء منقطعة من الشريط الساحلي قبل ان يقف به الحال امام ذلك الجبل الذي يطالعه بإجلال منظره المطل على جزء من البحر العربي الذي يمتد ليحيط ويضرب بأمواجه الجانب الغربي لجزيرة سقطرى.
ومن واقع زيارته الاستطلاعية للمغارة التي لم يتسنى لنا زيارتها نظرا لضيق الوقت ومحدودية المهمة، يقول الزميل ماجد المحني في وصفه لمكونات المغارة أن قلة من المغامرين قد يتجاوزن الصدمة وخيبة الأمل وينسون مشقة الطريق الوعرة للمغارة عبر ساعتين من المشي للوصول للمغارة ويعمدون للتوجه نحو ذلك الجرف الصخري القريب لإشباع فضولهم بالنظر في جوانبه ويفتتنون بالمتعة في ذلك المكان.
ومن الواضح يتابع المحني ان الجرف في الأصل لم يكن سوى تجويف جبلي ومغارة ساهم الوقت والعوامل الطبيعية في تهاوي أركانها الخارجية وانهيار معظم أجزاء سقفها ليتخذ بعد ذلك شكله الحالي كجرف جبلي هائل الحجم بأبعاده ومقاييسه التي تصل إلى نحو أكثر من (250)متراً من جهة العمق والامتداد وتفوق (120)متراً من جهة العرض والاتساع.
ويكتسب الجرف أهميته ومكانته ليصبح مصدراً من مصادر الجذب السياحي لما سيضفيه من قدرة على فتح المجال أمام البصر والسماح للزائر من الرؤية والاستمتاع بالطبيعة الخلابة والمناظر الساحرة التي تعكسها تلك الغابات واللوحات الخضراء التي تشكلها أنواع عديدة من الأشجار والنباتات والأعشاب التي استوطنت المكان وضربت بجذورها على ساحات شاسعة في سطح جبل (حالة) وقاعدته بالإضافة إلى ما يبديه موقع الجرف من إطلالة واسعة على البحر وما يكشفه من أجزاء الساحل وشواطئه الجميلة والبديعة.
وتكمن روعة النظر وسعة أفق الرؤيا من أعلى الارتفاع الشاهق للجرف الصخري، حيث يضفي جواً اخاذاً في متعة المشاهدة والاستمتاع بالغابة النباتية الشاسعة والبعد البحري اللا متناهي الحدود وهو أمر يبعث على السعادة ويبث شعوراً بالنجاح في الحصول على نتيجة مرضية لحجم العناء والتعب والمشقة التي مُني بها المرء خلال لحظات تسلقه الجبل وخوضه الطريق الصعب نحو غايته.
ومثل هذه السعادة هي بلاشك يملكها ذلك الإحساس والشعور الذي سيراود كل من وطئت قدمه الجرف وجال ببصره في أنحائه وعمد إلى ان يرتقي بجسده إلى أعلى صخرة في مجموعة تلك الصخور التي تكومت في الجانب الأيمن منه والتي يوحي منظرها على انها الركام الباقي لما نجم من تصدع وانهيار لجوانب سقف ذلك الجانب من الجبل الذي يتكون منه الجرف الصخري.
حين تطالعه تلك الفتحة الظاهرة أعلى ذلك الردم الصخري والتي سرعان ما سيأتي له ويتضح حقيقة ان هذه الفتحة ليست سوى الجزء المتبقي من فتحة اكبر داخل مسدود المغارة مجهولة حجبها عن الأنظار كل هذه الأحجار والأتربة التي يتكون فيه هذا الركام.
ومن خلال هذه الحقيقة ومما هو ظاهر من معالم الفتحة سيصبح من السهل عليه البحث والتحقيق والتخمين للحجم الكامل للفتحة التي يبلغ ارتفاعها (100) متر ويصل عرضها إلى(100) متر ايضاً.
ولكن ما وراء هذه الفتحة وما هو الكامن خلفها فيبقى هو السر والجانب الذي يتطلب الكشف عنه وسبر اغواره، مغامرة أخرى فكل ما قد كشفه الضوء النافذ من تلك الفتحة نحو الداخل ويسمح بالنظر من خلاله سوى لمسافة لا تتعدى عدة أمتار لكنها تكفي لأن يضع الإنسان تصوراً منطقياً لموقعه والتأكد من وقوفه على عتبة مغارة كبيرة الحجم وبالغة الأهمية.
وبقدر ما أن الاستماع لوصف عن شكل وحجم ومضمون مغارة “حالة” يصيب الإنسان بالذهول والتعجب، بما قد يبلغه من الوصف لها، بقدر ما أن المشاهدة والمعاينة لها شخصياً من شأنه إصابة الزائر بالانبهار والإعجاب بكل ما قد تقع العين عليه من جماليات تلك المناظر البديعة والمتباينة الأحجام والألوان والتصوير والتشكيلات التي كونتها الترسبات الكلسية على مر مئات الآلاف من السنين، كما ان الاستماع عن مقدار حجمها الطبيعي ومدى طولها القياسي من الغير قد يقود للتشكيك وعدم التصديق والاتهام بالمبالغة إلا أن الزيارة لها والتجول في أرجائها كفيلة بتثبيت الأرقام بل والإضافة عليها ان كان الزائر ذو إطلاع بلغة ومعرفة الأرقام وملماً بعمليات القياس للأحجام والمسافات.
وتبدو المغارة أشبه بتجويف صخري ممتد لمسافة طويلة تصل إلى ثلاثة كيلو مترات من بداية مدخلها إلى نهايتها تتباين اتساعات المغارة من مكان إلى آخر ليبلغ في اقل نقطة 50 متراً ويتضاعف في أماكن أخرى ليصل إلى حدود 100متر أو أكثر يرتفع سقف المغارة عن أرضيتها بمقدار متباين أيضاً يتراوح مابين 50 متراً والـ80 متراً في أماكن معينة في الوسط والأطراف.
وتتدلى من بداية المغارة وحتى نهايتها وداخلها ومن سقفها ترسبات كلسية ناجمة عن تجمع وتجمد قطرات الماء التي يرشحها جدران الجبل وسقفه عبر فتحات ومنافذ غير ظاهرة ومتصلة بالجزء الذي تقع فيه المغارة.
وكما هو الحال بالنسبة لمغارة دي جب فأن معظم الترسبات في مغارة حالة تأخذ شكل تعليقات ذات أطراف مدببة كالرماح ذات الأحجام المختلفة والأشكال المتنوعة والتي يبلغ تعدادها الملايين وبعض تلك التدليات الترسبية تجتمع وتبدو في هيئة ثريات بلورية بديعة الصنع والإتقان والجمال.
ومن على امتداد مساحة المغارة تبرز في أرضيتها نتواءت صخرية متفاوتة الأحجام ومختلفة الأشكال والألوان بعضها يأتي على شكل صوامع بديعة ذات قباب وبعضها يتخذ شكل أعمدة تضرب بجذورها الأرض ومع ان معظم هذه النتوءات تبدو وكأنها كانت على اتصال بما هو نافذ من سقف المغارة وبأنها قد انفصلت لسبب ما، إلا ان بعضها يوحي على أنها قد تكونت بمفردها نتيجة تساقط الماء على منطقة واحدة فيها.
كما تحتوي أرض المغارة على أحواض تختزن بداخلها مياه عذبة وحسنة الترشيح والتنقية وهذه الأحواض التي هي غاية في الإتقان والصنع لم يتدخل في تكوينها وتعميرها أي بشر بل انها تكونت وتم حفرها بواسطة تساقط كميات المياه من الأعلى.
أجمل تلك الأحواض تلك الواقعة في نصف المغارة تقريباً والتي يتوسطها شكل أنبوبي ضخم يبلغ قطره الثلاثة أمتار يخاله الإنسان مرشحاً مائياً صمم نظراً لشكله العجيب الذي يتخذ شكل جهاز تنقية هواء بأخاديده الطويلة المفرغة والمتناسقة التي تقع بين الأعمدة التي يتكون منها هذا العمود.
ولهذا الشكل وقع موسيقي مذهل بحيث يسمع من على جوانبه نغمات ممتعة ومتجانسة مع طريقة الطرق عليها.
في بعض الأماكن من المغارة تبدو الأرض وكأنها مقسمة الحدود وعلى هيئة حقول زراعية منفصلة ذات تربة حمراء اللون ويبرز من وسطها نتوءات وليدة كأنها تكوينات حديثة لحدائق مرجانية أو مساحات خصصت لاستنبات واحات من الشُعب المرجانية.
وقبل النهاية يوقفك حائط وكأنك قد وصلت الى نهاية المغارة لكن النفاذ من الفتحة الظاهرة بأعلاه تعلمك أن الحائط قد تكون نتيجة لانهيار السقف على الموقع وبالتوغل نحو الداخل عبر تلك الفتحة تتضح معالم مساحة إضافية للمغارة تصل الى 005متر تقريباً بها نفس التشكيلات من النتوءات والتدليات الكلسية العلوية والأرضية والجانبية ذات الجمال الأخاذ وتعلمك النهاية الضيقة للممر عن انتهاء الطريق وانسدادها في هذا المكان بالذات.
والغريب في الأمر – حسب المحني- أنه ومن خلال رحلة التجوال داخل المغارة التي استمرت على مدى ساعتين أثناء رحلة الذهاب نظراً لما تخللها من محطات توقف وتأمل وتقلصها إلى فترة الساعات الأربع خلال العودة نتيجة المشي السريع لم نكتشف في داخل المغارة اي اثر لحياة محتملة ولم نلحظ وجود حركة تنم عن وجود أي كائن حي فيها اللهم الطائران اللذان شاهدناهما في البداية وعند المدخل كما ان الهواء النقي لم ينقطع عنا أو تنحبس أنفاسنا نتيجة تناقصه كلما توغلنا بل كان تنفسنا طبيعياً ولم يظهر على أحد اية مظاهر للتعب والعناء رغم الإحساس بالرطوبة في أماكن تواجد أحواض المياه والشعور بنوع من الضغط الهوائي في الأماكن المنخفضة من المغارة.. اما بقية الأجزاء فلم تكن بها أية علامات فارقة تدل على تغير الأجواء والهواء.
وحسب المهتمين فأن أحدا لم يكن على إطلاع بوجود هذه المغارة الساحرة قبل عام من اليوم وقد سجلت رحلة الوصول اليها التي قامت بها احد الخبيرات العاملات في الهيئة العامة لحماية البيئة في جزيرة سقطرى وقيامها بالتوغل نحو داخل المغارة وكشفها فيما بعد لما تحتويه من أسرار طبيعية على انها الاكتشاف الأول لهذا الموقع والذي على ضوئه تعاقبت الزيارات لعدة بعثات وأشخاص ممن قادهم الاهتمام نحو التعرف على المكان والاستمتاع بما يحتويه من الروائع والأشكال البديعة والصور الخيالية الجمالية التي كونتها الترسبات الكلسية على مدى آلاف السنين لكن زيارة المكان والإطلاع على ما يوفر موقعه من الملاذ الآمن وكذا وجود الماء الذي هو عنصر الحياة الأساسي بداخله من شأنه ان يقود للتساؤل والتشكيك حول هذه النظرية أو بالأصح إنكارها.
فليس من الواقع التصديق ان الإنسان الأول قد غفل عن اكتشاف هذه المغارة التي توفر له أفضل وسيلة للعيش والبقاء وتتمثل في الملاذ الحصين والماء العذب.
ومن يدخل المغارة سيجد من الدلائل التي ستؤكد بلا شك صدق تلك الظنون وتعمل على برهنة حقيقة ان المغارة قد شهدت يوماً ما نوعاً من الحياة والنشاط البشري. حين يرى تلك الآثار الواضحة للحيوانات الداجنة التي تعيش في الجزيرة (الماعز) مما يدل على ورودها للمكان للشرب والاستراحة.
بالإضافة إلى مشاهدته لحوض المياه الذي بني في آخر نقطة لوصول الضوء الخارجي إلى داخل المغارة والذي أعده الإنسان لاحتواء قطرات الماء التي يرشحها السقف وتجميعها للاستفادة منها في عملية الشرب أو الغسيل لملابسه هذا بالإضافة إلى المشاهدة لبعض الأحجار المحترقة التي تتناثر على مسافة قريبة من المدخل والتي ربما كانت بقايا حجارة لمواقد استعملت للطبخ والإنارة كما ان المساحة القريبة من المدخل تظهر بعض المواقع المستوية وبما يسمح للإنسان من الرقود والجلوس واخذ القيلولة براحة تامة عليها مما يعني ان الإنسان السقطري قد عرف المغارة في السابق وربما انه قد عاش في جزءها الأمامي لكن الخوف من المجهول قد منعه من التوغل بداخلها نتيجة لذلك والظلام الدامس الذي يلف المكان ويصيب الإنسان بالرهبة والخوف.
وحسب السكان المحليين فأن معرفتهم بالمغارة وإطلاعهم على موقعها ومعلوماتهم بوجودها قد وردتهم عبر ما تناقل من روايات الأجداد، وأن عدم الوصول إليها خلال دهور يعود إلى أساطير أسلافهم التي تتحدث عن قبيلة من الجن تسكن المغارة والتي ربما تخيلوها من جراء صدى صوت تساقط قطرات الماء من السقف داخل فضاء المغارة.