كان الراحل (عزيز اسماعيل) بجسمه الرقيق وصوته الهادئ الدافئ يمنح الإحساس ذاته لجميع من تعلم عنده، فقد كان يملك حضوراً شخصياً مترفاً في أناقته ورقيه، يمتزج مع تواضع الموهبة، والقدرة الاستثنائية على استحواذ مشاعر المحبة والتقدير والاحترام لشخصه وبراعته. كان يجول على طلاب المركز جميعاً مانحاً ملاحظاته وتوجيهه برصانة وحزم لطيف، فإذا ما احتاج الحال أن يشرح بقلمه ما ينبغي أن يكون عليه الشكل، أضيف إلى ما سبق: الانبهار – الذي لم يقصده – ببراعته في الرسم. ومع كل هذه البراعة التي صاغت موهبة رفيعة في إدراك اللون والضوء والشكل، وقدرة استثنائية في التعبير عنها، وقد صقلتهما معاً الخبرة التي اكتسبها من دراسته التخصصية في أكاديمية الفنون الجميلة في استانبول، وخاصة من الفنان (فيهمان دورانن) أحد أهم فناني الوجهيات (البورترية). ومع كل ما سبق فحين سألته عن سبب عدم إقامته معرضاً للوحاته أجابني أن الوقت ما زال باكراً، و إقامة معرض فردي مسؤولية فنية كبيرة!!
– الصورة: الفنان عبد الناصر شعال بين أستاذه الراحل عزيز اسماعيل ولوحة مهداة من المعلم للفنان الشاب
* من العمود الصحفي الأسبوعي في صحيفة (الثورة) – الثلاثاء26-11-2019
– الصورة: الفنان عبد الناصر شعال بين أستاذه الراحل عزيز اسماعيل ولوحة مهداة من المعلم للفنان الشاب
* من العمود الصحفي الأسبوعي في صحيفة (الثورة) – الثلاثاء26-11-2019
رابع الرباعي المبدع
سعد القاسم
26 تشرين2/نوفمبر 2019
هو الفنان التشكيلي القدير عزيز إسماعيل الذي غادر دنيانا الأسبوع الماضي، رابع الأشقاء المبدعين الأربعة الذين أثروا حياتنا الثقافية والأدبية والفنية بحضورهم الثري، وإبداعاتهم الفنية والأدبية التي تستحق الوصف بأنها معالم مضيئة في تاريخنا الثقافي.
في واقع الحال فإن الراحل الكبير هو الرابع في مفارقة الحياة، وليس في القدوم إليها ففي الولادة كان الثالث بعد أخويه أدهم (1922- 1963) وصدقي (1924- 1972)، وتلاه شقيقهم نعيم (1930- 1979)، وقد ترك رحيلهم المبكر أثراً عميقاً في نفسه، فقد غيّب الموت شقيقه الأكبر أدهم في مطلع أربعينات عمره، وصدقي ونعيم قبل أن يبلغا الخمسين، وكانوا جميعاً في عنفوان العطاء. وقد لمست هذا الأثر بجلاء منذ بداية تعرفي عليه في منتصف السبعينات حين حظيت بفرصة الدراسة على يديه في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية وأنا أتهيأ لامتحان القبول في كلية الفنون الجميلة.
كان الراحل بجسمه الرقيق وصوته الهادئ الدافئ يمنح الإحساس ذاته لجميع من تعلم عنده، فقد كان يملك حضوراً شخصياً مترفاً في أناقته ورقيه، يمتزج مع تواضع الموهبة، والقدرة الاستثنائية على استحواذ مشاعر المحبة والتقدير والاحترام لشخصه وبراعته. كان يجول على طلاب المركز جميعاً مانحاً ملاحظاته وتوجيهه برصانة وحزم لطيف، فإذا ما احتاج الحال أن يشرح بقلمه ما ينبغي أن يكون عليه الشكل، أضيف إلى ما سبق الانبهار – الذي لم يقصده – ببراعته في الرسم. ومع كل هذه البراعة التي صاغت موهبة رفيعة في إدراك اللون والضوء والشكل، وقدرة استثنائية في التعبير عنها، وقد صقلتهما معاً الخبرة التي اكتسبها من دراسته التخصصية في أكاديمية الفنون الجميلة في استانبول، وخاصة من الفنان (فيهمان دورانن) أحد أهم فناني الوجهيات (البورترية). ومع كل ما سبق فحين سألته عن سبب عدم إقامته معرضاً للوحاته أجابني أن الوقت ما زال باكراً، وإقامة معرض فردي مسؤولية فنية كبيرة!!
الغريب في هذا الجواب أن الراحل كان يمتلكه إحساسٌ راسخ بقرب دنو أجلّه، فقد بلغ يومذاك العمر الذي توفي قبله أخواه، وكان كل ما في المركز يذكره بهما، فالمركز كان يحمل اسم شقيقه الأكبر أدهم، وكان لشقيقه الأصغر نعيم مكتب فيه بصفته مدير الفنون الجميلة حينذاك. لم يكن إحساس خوف، وإنما إحساس فقدان تعمّق أكثر حين رحل شقيقه الأخير نعيم وكان الأستاذ عزيز يعتبر نفسه مسؤولاً عنه وقد أشرف على دراسته الفنية العليا في استانبول، واعتاد لسنوات عديدة أن يلقاه دوماً في المركز. وقد التقط هذا الإحساس بعمق ابن شقيقته الفنان حيدر يازجي، فكان يحرص على زيارته دون تمهل. والمفارقة المأساوية أن المرة الأخيرة التي شاهدت فيها الأستاذ عزيز كانت في عزاء المرحوم حيدر.
والمفارقة المؤلمة أيضاً أن معظم أعمال عزيز إسماعيل لم يشاهدها الجمهور إلا بعد رحيله، حين نشرها مهتمون وطلاب له على صفحات التواصل الاجتماعي، فأدهشت وأثارت الاستغراب للجهل بهذه التجربة البالغة الأهمية.
لكن هذا الجهل كان ضحية تواضع الفنان عزيز إسماعيل، وحرصه على العمل بعيداً عن البهرجة. وإحساسه المفرط بالمسؤولية الفنية. ومسؤوليتنا اليوم تسليط الضوء على الفنان المبدع وتجربته الثرية.
– الصورة: أدهم إسماعيل بريشة عزيز إسماعيل
http://thawra.sy/ index.php/saad_elkasem/
سعد القاسم
26 تشرين2/نوفمبر 2019
هو الفنان التشكيلي القدير عزيز إسماعيل الذي غادر دنيانا الأسبوع الماضي، رابع الأشقاء المبدعين الأربعة الذين أثروا حياتنا الثقافية والأدبية والفنية بحضورهم الثري، وإبداعاتهم الفنية والأدبية التي تستحق الوصف بأنها معالم مضيئة في تاريخنا الثقافي.
في واقع الحال فإن الراحل الكبير هو الرابع في مفارقة الحياة، وليس في القدوم إليها ففي الولادة كان الثالث بعد أخويه أدهم (1922- 1963) وصدقي (1924- 1972)، وتلاه شقيقهم نعيم (1930- 1979)، وقد ترك رحيلهم المبكر أثراً عميقاً في نفسه، فقد غيّب الموت شقيقه الأكبر أدهم في مطلع أربعينات عمره، وصدقي ونعيم قبل أن يبلغا الخمسين، وكانوا جميعاً في عنفوان العطاء. وقد لمست هذا الأثر بجلاء منذ بداية تعرفي عليه في منتصف السبعينات حين حظيت بفرصة الدراسة على يديه في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية وأنا أتهيأ لامتحان القبول في كلية الفنون الجميلة.
كان الراحل بجسمه الرقيق وصوته الهادئ الدافئ يمنح الإحساس ذاته لجميع من تعلم عنده، فقد كان يملك حضوراً شخصياً مترفاً في أناقته ورقيه، يمتزج مع تواضع الموهبة، والقدرة الاستثنائية على استحواذ مشاعر المحبة والتقدير والاحترام لشخصه وبراعته. كان يجول على طلاب المركز جميعاً مانحاً ملاحظاته وتوجيهه برصانة وحزم لطيف، فإذا ما احتاج الحال أن يشرح بقلمه ما ينبغي أن يكون عليه الشكل، أضيف إلى ما سبق الانبهار – الذي لم يقصده – ببراعته في الرسم. ومع كل هذه البراعة التي صاغت موهبة رفيعة في إدراك اللون والضوء والشكل، وقدرة استثنائية في التعبير عنها، وقد صقلتهما معاً الخبرة التي اكتسبها من دراسته التخصصية في أكاديمية الفنون الجميلة في استانبول، وخاصة من الفنان (فيهمان دورانن) أحد أهم فناني الوجهيات (البورترية). ومع كل ما سبق فحين سألته عن سبب عدم إقامته معرضاً للوحاته أجابني أن الوقت ما زال باكراً، وإقامة معرض فردي مسؤولية فنية كبيرة!!
الغريب في هذا الجواب أن الراحل كان يمتلكه إحساسٌ راسخ بقرب دنو أجلّه، فقد بلغ يومذاك العمر الذي توفي قبله أخواه، وكان كل ما في المركز يذكره بهما، فالمركز كان يحمل اسم شقيقه الأكبر أدهم، وكان لشقيقه الأصغر نعيم مكتب فيه بصفته مدير الفنون الجميلة حينذاك. لم يكن إحساس خوف، وإنما إحساس فقدان تعمّق أكثر حين رحل شقيقه الأخير نعيم وكان الأستاذ عزيز يعتبر نفسه مسؤولاً عنه وقد أشرف على دراسته الفنية العليا في استانبول، واعتاد لسنوات عديدة أن يلقاه دوماً في المركز. وقد التقط هذا الإحساس بعمق ابن شقيقته الفنان حيدر يازجي، فكان يحرص على زيارته دون تمهل. والمفارقة المأساوية أن المرة الأخيرة التي شاهدت فيها الأستاذ عزيز كانت في عزاء المرحوم حيدر.
والمفارقة المؤلمة أيضاً أن معظم أعمال عزيز إسماعيل لم يشاهدها الجمهور إلا بعد رحيله، حين نشرها مهتمون وطلاب له على صفحات التواصل الاجتماعي، فأدهشت وأثارت الاستغراب للجهل بهذه التجربة البالغة الأهمية.
لكن هذا الجهل كان ضحية تواضع الفنان عزيز إسماعيل، وحرصه على العمل بعيداً عن البهرجة. وإحساسه المفرط بالمسؤولية الفنية. ومسؤوليتنا اليوم تسليط الضوء على الفنان المبدع وتجربته الثرية.
– الصورة: أدهم إسماعيل بريشة عزيز إسماعيل
http://thawra.sy/