الفنّ مثل الحب طاقة مفتوحة إلى ما لانهاية، فلا فنّ بالمطلق، إنما هناك فنانون، فالفنان يخلق العالم المسمّى فنًا كما الحب ليس مطلقًا إنما هناك تجربة معينة بين عاشقين فالأساس هو الفنان وما الفن إلا ثمرة عشق.
إن المعرفة الفنية والخيارات الجمالية أصبحت مقترنة أكثر في تكوينات الأعمال الفنية بين الحاسة البصرية لمتذوقي الجمال اللوني ومتذوقي الثقافة، والبيان الفني متمثلًا في ابتعاد الكثير من الفنانين عن نظرية الفن من أجل الفن، واقتصار فهم اللوحة على منظومة الفنانين وقلة من المثقفين، جلهم من الموسيقيين والأدباء، ومقتني اللوحات من المرفهين والأثرياء.
شكل عامل التكنولوجيا الحديثة والاتصالات البصرية في مواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز وبرامج الكمبيوتر، التسارع في التقارب بين الفن والمجتمعات مع اختلاف تكويناتها، متخطيًا الحدود السياسية والجغرافية كما هو حال أخوّة نزار قباني ولؤي كيّالي وبدر شاكر السياب في معرضهم “هواجس لونيّة ” برعاية جمعية شآم للفنون التشكيلية، لتصل إلى عاصمة الجمال مدينة إسطنبول، بين زحام الوجوه من كلّ بلاد العالم وبين الأزقة المكتظة بمقاهيها، وألوانها الوضاءة وحسناواتها وموسيقاها وابتسامات أضوائها الراقصة، ليضيف الإخوة التشكيليون من سورية والعراق في دار الكُتاب التركي عنصرًا من أرقى أنواع الجمال الحضاري والمعرفي، ومن أرقى أنواع الفنون، وثمرة عشق في معرضهم “هواجس لونيّة” ليتحول الهاجس إلى حقيقة وقواعد لوحية من قواعد العشق الفني.
* ألواح *
1- لوح… انفعالات نخلة عراقية:
من المؤكد أن فن الكولاج ليس حديث الولادة، فقد استُخدم في القرون الماضية، واستخدامه كان يقدم اكتشاف الورق، وهو فن منفصل له إرهاصاته الخاصة بربط الفن التشكيلي بالحياة اليومية، ويعتمد في محاولاته على كسر التقاليد الرسمية للفن التشكيلي، وكسر المبادئ الفنية البصرية التقليدية، فهو ثورة فنية ذات ديمومة، لكي لا يكون الفن سلعة تجارية، وقد قدّم الفنان عماد الياسري في لوحته “انفعالات” رؤية، نقل المشاهد من خلالها إلى ما وراء الصورة البصرية التقليدية.
2- لوح… قلب دمشقي:
من خلال الترميز المبسط لجسد تركه قلبه وهاجر، وآثر القلب البقاء في الوطن فأحدث القلب فراغًا في لبّ اللوحة، فراغًا يخاطب الفنان قائلًا:
كأنما الشوق في قلبك أعاصير
وأرياح فوق اخضرار الحقول
ترجو الغمام أن يهمي مسلمًا
خلف الهضاب والسهول
ليفرح وطنٌ بأعياد أفراخ الطيور، في بوح لاشتياق الفنان عمر النمر في لوحته “هجرة بلا قلب”، لوحة من سلسلة أعمال للهجرة القسرية.
3- لوح… الهدهد الرسول:
من خلال اللون الملكي البنفسجي مازال الفنان سليم زامل يحتضن مدينته بحنان ولوعة أمّ دمشقية تُقلب الذكريات، وتفتح البيوتات لتلقي التحية على طيف مَن رحل في لوحة “وصية هدهد” وهي لوحة من سلسلة أعمال رائعة بتقنية وحرفية، يسلط الضوء من خلال هذه السلسلة على حبه الأبدي لمدينة دمشق.
4- لوح… خوافق ملتحمة:
جوهر الشيء قلبه، وقلب اللوحة طفل بين عاطفتين، حنان أمّ وحنو أب، في لوحة “جوهر العاطفة” للفنانة رزان السمان في إضاءة لونية للمرأة الأم التي تحظى بتسليط الضوء واللون على توهج عاطفتها مقابل الرجل الأب الذي جسدته بألوان قاتمة، وبإشارة لونية منها إلى أنه المعطاء الذي يبقى في الظل، من دون إضاءة على دوره الرئيس كعاطفة، مع تربيعات لونية في خلفية العمل كدلالة على استقرار أُسري ناضج.
5- لوح… دجلة الفياض:
تناول الفنان باسل العبيدي الواقع برؤية غير مألوفة مشككًا في عالم المسرح الذي ينتمي إليه، مهاجرًا ذهنيًا في جوف الحوت عبر انفجار فكري أكثر إقناعًا لذاته، مستخدمًا الفانتازيا بحرفية جميلة، وحركة لونية منسجمة في فراغات اللوحة، بين الانفجار وعين الناظر أسفل اللوحة، تشد المشاهد إلى تأمل جمالي فكري حالم.
6- لوح… جموح:
في لوحة “انطلاقة” للفنان أحمد كيبار كان حصانًا جامحًا يمثل الفنان ذاته، مثيرًا عاصفة لونية عبر بوابة حجرية لمدينة مسالمة بطيفيها الهلال والصليب، فكان على الرغم من جموحه هادئًا جميلًا في أسفل وأعلى اللوحة.
7- لوح… سيلفي:
في آخر صورة تذكارية لخيال الفنان علي علو، طفل وأمه، لاتفارق مخيلته، حيث يمد بصره نحو غيم عابر ظامئ لوطن الزيتون، لسُلّم بيته، لجيرانه، لحبه القديم، في لوحته “ذاكرة وطن”.
8- لوح… عينان زرقاوان:
عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير
أرنو فينساب الخيال وينصبّ القلب الكسير
وأغيب في نغم يذوب.. وفي غمائم من عبير
بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير
ناء.. يموت وقد تثاءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهل وأسمع همستين.. وأستدير
وكأنّ الفنّان نور الخفاجي سيابًا آخر، في لوحته فتاة جالسة على كرسي، أظهر الفتاة الحالمة بعينين زرقاوين، ووجه وضاء بتقنية ريشة فناني القصور.
9 – لوح… حب وعيون ذئاب:
فطوقتني وهي تهمس .. لن تسير
أنا من تريد فأين تمضي في أحداق الذئاب
تتلمس الدرب البعيد …..
لو أنها طوقتك بذراعيها، وقيدتك بالجديل وخبأتك في الأحداق، وفي جوف النخيل وسمرتك لوحة بريشة الفنانة أصيل، ستكون لوحة جميلة، وتعبيرًا عن موروث شعبي للحب، هي لوحة الفنانة أصيل داوود سلوم.
10 – لوح… تناص 1:
يقول الفنان بيكاسو: إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها وجدت الخط الإسلامي سبقني إليها، فكان للفنان عبد الستار العاني، والفنان محمد مفلح العقلة في عمليهما تكوينات حروفية ورمزية تجريدية لحضارة وبيئة إسلامية وطابع شرقي، سفراء للخط وللثقافة العربية كما كان للفنانين محمود العاود وحسين العبد الله وخير الله محمد إضافات تناظرية وصور تعبيرية بالإضافة إلى الخط العربي.
11- لوح… تناص 2:
استطاع الفن التجريدي في عالمنا التشكيلي إثارة سؤال المشاهد، وتحفيزه على التفكير والتمعن والتدقيق وخلق تأثير عاطفي فكري بدلًا من التأثير النفعي أو الوظيفي وقد حقق الفنان إياس جعفر في لوحته “حزن أزرق”، والفنان ماجد العبيدي في لوحته “حرية الروح” والفنان رحيم السيد هذا التأثير.
12- لوح… تناص3:
شقائق النعمان رمزية الحب ببتلاتها الرقيقة، تعبير عن رقة العشق بألوان نظرة ساطعة للفنان رجب سيد يوسف.
وفي لوحة “تألق الطبيعة” للفنانة سلام معاذ تكوينات جمالية مع ألوان راقصة كمنديل عروس مزركش. وفي لوحة “توهج” للفنانة زهراء رافد تجانس لوني رقيق وأنثوي. وفي لوحة “هواجس” للفنان عماد فتاح أبرز عنقود عنب أحمر، كرمة معطاءة للخير وسط خلفية رمادية. ولوحة “خير جليس” للفنانة رشا سليمان رجل يقرأ بكتاب عمل استشراقي. ولوحة “صراع” للفنانة وردة مهدي إبراهيم تبرز رجلًا في وجهه علامة الهزيمة واليأس والضياع في صراع فكري، كأن الطيور أفكار أو هموم ستأكل رأسه.
13- لوح… تطويع:
قدم الفنان النحات مصطفى تيت عمل القوقعة، وسلط من خلاله الضوء على البيئة البحرية، كإشارة منه للحفاظ على البيئة، وجمال الخلق وإظهار الجانب الإنساني ووظيفة الإنسان تجاه الكائنات الحية الأخرى مستخدمًا مواد خليطة من المعادن والبوليستر واللون، فكانت طيعة بيد فنان نحات.
وقدم الفنان شريف السفري عملًا لرأس رجل من الحجر الصلب كان لينًا طريًا بيد فنان مبدع وأكاديمي متمرس.
وشارك الفنان النحات بلال الراوي في عمل تطبيقي، حُفر على الزجاج من حروف مزخرفة
14- لوح… فرح:
لوحة تمت صناعتها من قبل جميع الفنانين المشاركين والضيوف والمتطوعين لتحقيق الفرح والابتسامة من خلال الموسيقا، للعازف المبدع يوسف اليوسف الذي أتحف الحضور بمقطوعاته الجميلة على البزق، فضلًا عن توقيع المجموعة الشعرية للشاعر العراقي شاكر السامر. والعمل على الإعداد التكنولوجي والإضاءة والموسيقا المرافقة للفنان رشيد حيدر
أخيرًا، إن ما تقدم ليس إلا ترجمة شخصية لشعور وإحساس ووجدان فنان، بعيدًا عن التقييم والتحكيم.