سيرة الخطاط «بدوي الديراني»، الذي ولد سنة 1311هـ، وتوفي سنة 1386هـ.
المزيد عن سيرة هذا الخطاط ضمن برنامج «أعلام الخط العربي المعاصر».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطاط الحافظ محمد بدوي الديراني خطاط بلاد الشام الأول بلا منازع
الخطاط الحافظ محمد بدوي الديراني خطاط بلاد الشام
ففي بلاد الشام كان للخطاط يوسف رسا الذي أرسلته الحكومة التركية إلى دمشق لكتابة خطوط الجامع الأموي بعد ترميمه من الحريق الذي شب فيه الأثر الكبير في انتشار الخط العربي على نطاق ضيق ومن ثم تلميذه الخطاط ممدوح الشريف إلى أن جاء الخطاط الكبير محمد بدوي الديراني. الذي وصل بهذا الفن إلى مستوى رفيع جعلته خطاط بلاد الشام الأول بلا منازع.
ولد الخطاط بدوي الديراني في دمشق عام (1896) م ودخل الكُتاّب فحفظ القرآن الكريم فيها. وبدأ يتعلم الخط عندما كان في الثانية عشرة من عمره حيث أخذ أصول الخط الفارسي عن المرحوم الخطاط مصطفى السباعي المتوفي عام 1320هـ .
ثم تابع عند استاذه يوسف آكاي المعروف بيوسف رسا فتعلم منه قواعد الرقعة والفارسي والديواني إلى أن توفي رسا عام 1333هـ ومن ثم اتصل بالخطاط المرحوم ممدوح الشريف عام 1353هـ ولازمه ملازمة تامة مدة (17) عاماً أخذ عنه كل الخطوط فكان الأب الروحي له حيث فتح بصيرته على مكنونات الخط
.
.
وهكذا أصبح بدوي الديراني الصائغ الماهر والصيرفي الحاذق تأتي كلماته كالدنانير المصقولة من حسن سبك ومتانة تركيب وقوة حرف صرف الفنان الراحل في تعلم الخط مدة من الزمن تجاوزت ربع قرن وكان على اتصال مع كبار خطاطي العالم العربي والإسلامي كأمثال حامد الآمدي التركي وعبد العزيز الرفاعي وحسين البابا وسيد ابراهيم المصريين ، و هاشم محمد البغدادي .
وقد برع في الخطوط جميعها, وخاصة التعليق الذي وصل في الكتابة فيه إلى منزلة كبار الخطاطين الفرس.
أما في الخط الثلث فقد تربع وبقوة مع مرتبة الرفاعي وحسني وممدوح وكان الخط الديواني طوع بنانه تنشر قصبته الدر اليتيم فتأتي معه الكلمات المرسلة منسقة حتى غدا بهذا الخط مدرسة.
استقل بنفسه وزاول فنه في محله المعروف قرب الجامع الأموي (يرفد مطابع بلاد الشام بأجمل الكليشات) وكان السواح يقفون على آثاره بالإعجاب والتقدير وقد وهب فنه لمن يرغب في تعلمه دون أجر ودون مقابل وممن زامله في تعلم الخط الخطاط حلمي حباب و موسى الجلبي .
زار البدوي تركيا عام 1954 واجازه بالتقدير التام قبلة الخطاط المعاصرين الاستاذ المعروف حامد الآمدي المتوفي عام 1982 وفي عام 1961 زار مصر وحل ضيفاً على كبير خطاطي مصر (محمد ابراهيم) واجتمع مع الخطاط سيد ابراهيم وحسني البابا.
وانتشرت آثاره في كل مكان , ففي مساجد دمشق تطل عليك اللوحات المحفورة على الرخام كمسجد الروضة والمرابط والدقاق والمنصور والزهراء وجامع العثمان الذي كتب عدة أمتار من الفسيفساء وفي قاعات مجلس الشعب ولجنة مياه عين الفيجة وقصر العدل ووزارة الأوقاف ومتاحف دمشق, بالاضافة إلى مئات من لوحات المحال التجارية على البلور التي بدأت بالاندثار يوماً بعد يوم ليحل محلها النيون وغيرها.
وقد عقد النية على أن ينسخ المصحف الشريف بخط التعليق متفوقاً على خطاطي ايران الذين وقفوا أمام ذلك العمل برهبة حيث وقفت في طريقهم عقبة التشكيل الذي تجاوزها ” البدوي ” وانجز من هذا العمل حوالي خمسين صفحة ادركه الموت قبل الاتمام.
وفي عام 1359هـ أدى فريضة الحج واهدى الحرم النبوي الشريف اللوحة الرائعة المكتوبة بماء الدهب بخط الثلث الآية الكريم : “يا أيها النبي إنا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً” , وقد كتب في أسفلها بالفارسي ” تذكار الحج ” وهدية مسجد الرسول ( ص ) من كاتبها العبد المذنب ( بدوي الديراني ) في عام 1958 وكذلك يقدم كبار خطاطي العالم الإسلامي عدة لوحات إلى المسجد النبوي الشريف وهي محفوظة في متحف الحرم النبوي الشريف .
وبعد أن لمع نجمه تتلمذ على يديه خطاطين من دمشق وحلب وبيروت وعمان يقفون أمامه بخشوع يسمعون صرير قلم القصب الذي يغذي أرواحهم.
ومن تلاميذه الخطاط محمود الهواري الدمشقي الذي وصل خطه إلى أكثر دول العالم من خلال الورق الطابع وعبد القادر قصيباتي _خطاط التلفزيون العربي السوري والخطاط عبده الصلاحي والخطاط عثمان طه الذي تشرف بكتابة عدة مصاحف ، منها مصحف مجمع الملك فهد لطباعة المصحف في المدينة المنورة متفوقاً على كل خطاطي العالم الإسلامي. و الذي خط منه ثلاث عشرة نسخة كما حدثني منه في زيارتي له عام 2016 يوزع منها الملايين كل عام على حجاج و معتمري الحرمين الشريفين . و انتشر في أرجاء العالم ..
وفي الخامس والعشرين من تموز عام 1967 غابت شمس البدوي بعد أن ترك كنزاً ثميناً لا يزال الكثير منه في داره بمحله الميدان عند زوجته وأولاده (رحمه الله واسكنه فسيح جناته) وقد كتب لوحة قبره الخطاط هاشم محمد البغدادي.
حاز على وسام الاستحقاق السمري من الدرجة الأولى وسميت قاعة تعلم الخط في مركز الفنون التطبيقية بدمشق _ قاعة بدوي الديراني _واقيم في عامي 1968 و1979 معرضاً للوحاته في المتحف الوطني بدمشق بإشراف وزارة الثقافة. كما أقيم معرض كبير للوحاته في المكتبة الكبرى بدمشق عام 2007 في مناسبة دمشق عاصمة الثقافة العربية ، ضم الكثير من لوحاته التي تعرض على محبي هذا الفنان لأول مرة ,
والآن وبعد مرور نصف قرن على وفاة هذا الفنان العظيم هل تظل لوحاته القيمة النادرة معلقة في بيوت ورثته , كنز كبير , تحف لآيات قرآنية وأحاديث نبوية وحكم وأشعار كتبها المرحوم بعدة أنواع من الخط من بينها لوحة صغيرة مدون فيها حوالي (50) نوعاً من أنواع الخط العربي أقول حبذا لو تخصص قاعة في متحف الخط العربي أو المتحف الوطني لنقل هذا التراث ليتمكن عشاق هذا الفن من مشاهدته والتمتع به, فرحم الله الاستاذ البدوي الذي غدا شمساً في سماء خطاطي بلاد الشام.
وهكذا دمشق لا تزال تقدم أوابد وشوامخ يتركون بصمات واضحة في تاريخ الحضارة العربية والانسانية والإسلامية.