قراءة فى التشكيل المصرى المعاصر
تاريخ الاضافة:السبت 04 آذار / مارس 2017 م
المصور العالمى / خالد أبو الدهب … و … ( إيقاعات الصورة )
بقلم الناقد ياسر جاد – مصر
تأتى قراءتى فى تجربة الفنان الجاد و المميز / خالد أبو الدهب واحدة من القراءات التى أتوقف عندها توقفا تتداخل فيه سيرته الذاتية المحملة بذلك الزخم من الممارسات الفنية والمحطات النوعية بشكل عام ، وبتلك الإيقاعات التى ما زال صداها يصل إلى مسامعه من آلة إيقاعه البسيطة التى كان
يشتريها بقروش زهيدة ويلعب عليها فى طفولته ، والتى إستبدلها مع سنوات صباه وشبابه بتلك الطبول الأكثر إحترافية والتى حرص على إقتنائها وإجادة عزفها لسنوات طويلة وأجاد فى اللعب على رقها بشكل محترف فى شبابه ، تلك الإيقاعات التى صار مفهومها يمثل له وحدة قياس ومعايرة لا يستطيع العيش بدونها ، فتحولت مفردات الحياة فى عينه إلى آلات إيقاع ، يتعامل معها بنفس تلك الجرأة والحرية التى كان يمارس بها عزفه على طبوله ، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك مدفوعا بشغف مفهوم الأرتام والإيقاعات فصار يتطلع إلى توزيعا موسيقيا يضم آلات حياتية يطمح فى تناغمها لتكسب لحنه الحياتى والإنسانى والفنى مذاقا مغايرا ، متمثلا فى تخصصية شمولية التناول . فتجربة / خالد أبو الدهب ليست مجرد تجربة إبداعية متألقة لفنان يتخذ من التصوير الضوئى ( الفوتوغرافى ) وسيطا تصاغ من خلاله مفاهيمه ووجهات النظر فى المعالجات الفنية لمنجز اللوحة ( الفوتوغرافية ) الفنية ، كما أنها ليست مجرد تجربة حملها صاحبها على كاهله عابرا بها حدود أرض النشأة والموطن والإقليم إلى معتركات المنافسة الصارمة المعايير ، وليست مجرد تجربة يحرص صاحبها على الأخذ بتقنيات العصر وتكنولوجياته طامحا فى التجويد لمنجزه الذى تلعب فيه التقنية دورا كبيرا عند أقرانه من ممارسى هذا الفن ، ولكنها فى مختصر التعبير حالة من حالات الأبداع الظاهرة فى صيغة ( صورة مسطحة ) تخفى وراءها توليفة من السمات المزدوجة الماهية . فبعضها سمات شخصية غريزية أودعتها الطبيعة والصفات الجينية فيه ، والبعض الأخر سمات حياتية مكتسبة وتراكمية أوجدتها سمة العصر و التراكمية الناجمة عن التجربة الحياتية والمجتمعية والفنية بكل ما فيها من تشعبات ومؤثرات .
وبالنظر عن كثب على تلك التجربة المميزة وصاحبها . فإننى أجزم بأننى أمام تلك الحالة من النشوة الممتدة من الطفولة وحتى الرجولة . نفس المذاق و نفس الشغف القديم بممارسة المعايشة للحياة . نفس الحرص على عدم توقف هذا الإيقاع المصاحب لكل فعل ، نفس الجدية فى الإنكباب على قرار المحاولة لإصدار الأفعال من داخل تلك المنطقة النقية فى النفس والذات ، دون السماح لهذا النوع من القلق والذى غالبا ما يصاحب محاولات إدراك النجاح ، فشخصية / خالد أبو الدهب هى تلك الشخصية المميزة والتى تتشح بوشاح التحدى وتتخطى ذلك الخجل الشرقى السالب الشحنة والمعوق للمواكبة ، وتذهب إلى أهدافها من خلال تخطيط متعقل يستند على الوعى بالفعل وملابساته ، ويحدث منجزه فى إطار أجواء وإيقاعات تتأرجح بين البهجة والصرامة . ويرفض مجرد التفكير فى مفهوم الإخفاق وإن كان لا يستبعده . ويعتمد على كل معطيات النجاح الممكنة التى يستطيع أن يطوعها لخدمة منتجه . وأجدنى لا أستطيع الفصل بين تركيبته الشخصية وسيرته الذاتية وبين منجزه المتصاعد مستواه والمتطور دائما ، ونستطيع إختزال وصفه وتصنيفه بأنه من صنف هؤلاء العازفين على أوتار منجزهم مشترطين حدوث المتعة لأنفسهم قبل أن يحدثوها لغيرهم . ويهتمون برضاهم عن منتجهم ومنجزهم قبل أن يرضى متلقيه . حيث أن معياره فى الرضا عن المنجز تفوق صرامته معياره عند غيره .
تجربة / خالد أبو الدهب التى إرتكزت على منتج اللوحة / الصورة الفوتوغرافية المباشرة بما لها من هذا الحضور الطاغى أتت على خلفية إقتسمت عناصرها بين ما هو ذو علاقة بعلم التصوير وأصوله وآلياته وتقنيات أدواته ومستحدثات مفاهيمه وتوظيفه ، وبين ما هو فنى وحسى ذو علاقة بإنسجام المفردات من ضوء وسينوغرافيا وأبطال وخلفيات طبيعية أو مصنوعة مسبقا ومجموعات لونية …إلخ من مقومات الصورة الفوتوغرافية ، فالشغف بفعل التصوير قد بدأ مبكرا لدى / خالد أبو الدهب وكان من صنف هذا الشغف الهاوى ، وما تحمله الهاوية من إستمتاع ينتج عن جرأة الهاوى وحريته فى الممارسة ، ورغم دراسته الجامعية التى تخصصت فى مجال الهندسة الميكانيكية وما بها من جدية وإلتزام علمى ، إلا أن هواية التصوير الضوئى لازمته كنوع من إيقاعات الحياة التى لا يستطيع التنازل عنه . ويأتى العمل المهنى عقب دراسة الهندسة ليأخذه فى إتجاه أخر مغاير وهو مجال التسويق والدعاية والإعلان ، ذلك المجال الذى جعله أكثر قربا من الصورة وإحترافيتها ، ثم عمله كموديل فى بعض الإعلانات الذى مكنه من أن يكون عنصرا من عناصر الصورة المكونة ، وإحتكاكه فى تلك الفترة بالعديد من المصورين الفوتوغرافين المحترفين ، هذا الإحتكاك الذى جذب إنتباهه نحو آفاق جديدة فى عالم الصورة وتصنيفاتها سواء تلك التى تصاحبها المفاهيمية الفلسفية والفنية ، أو تلك التى تكون مدفوعة بالغرضية التجارية والتسويقية وأشكالها ، ثم ذلك القرار الذى إتخذه بالولوج إلى عالم صناعة الصورة بما فيه من براحات تعدت مخطاطاته المهنية . ويعود الإيقاع ومفهومه فى شخصية خالد أبو الدهب ليطفو على السطح من جديد ، فهو بصدد دخول عالم له معايير وأصول وعلوم آخذة فى التطور والتنامى والتحديث ، وعليه أن يتفهم ( موازير ) العزف فى هذا العالم ويدرك ثقافاته حتى يتمكن من الدلو فى بئره العميق بصورة تتحدث تلك اللغة العالمية والتى لا يستعصى فهمها وإدراك حضورها على أفراد هذا العالم . فكان القرار بالغوص فى علوم الصورة من أبواب المنهج العلمى وأطروحاته ومراكزه المتخصصة والمحترفة ،
وقد أتى دخوله إلى الساحة العالمية من بوابات كبيرة فى عالم الفوتوغرافية ومن خلال تنافسية يحكمها الإحترافية ومعاييرها . وإن كانت الفترة ما بين عامى 2002 و 2009 قد منحت / خالد أبو الدهب الفرصة المكتملة ليعمل بذاتية على تحصيل وإستقاء التصوير من الجانب الأكاديمى والعلمى بصورة مجردة ، فقد أتت الفترة ما بعد 2009 ليحصد من خلالها ثمرة كده وإنكبابه على التسلح والتزود بمقومات ومعايير صناعة الصورة وإجادة أبجديتها العالمية ، فشرع على إعداد متونه البصرية وبث إيقاعه بين سطوره ، ولا شك بأن حصوله على عدد من الجوائز العالمية للمحترفين من خلال منافسات النخبة سواء فى الولايات المتحدة والتى نال منها جائزة ( بروفوتو ) الهامة فى العام ( 2010 ) . أو فى إيطاليا والتى نال فيها جائزتين هامتين ، الأولى فى العام ( 2011 ) وهى جائزة ( الكيانتشانو للفنون الرقمية ) والممنوحة من متحف فلورنس / أيطاليا . والثانية هى جائزة بينالى ( كيانتشانو الدولى ) فى العام ( 2013 ) ، ثم الجائزة الأهم والتى نالها فى بينالى لندن الشهير فى العام (2015 ) . وعلى هامش تلك المشاركات القوية كان يدرس محاضراته عن التصوير المحترف والتى كان يحضرها ممارسين من كل أنحاء العالم . حيث كانت توجه له الدعوة من قبل منظمة تلك الفعاليات الهامة لتدريس منهجه عن التصوير الفوتوغرافى للمحترفين . وأتى العام ( 2016 ) ليشهد رئاسته لبينالى ( بروجا / إيطاليا ) فى تتويج لتلك المرحلة الهامة من رحلته ، وقد صاحبت رئاسته لهذا البينالى تدريسه لدوراته عن التصوير المحترف . أما عن التدريس فى الإطار التعليمى داخل كيانات أكاديمية . فقد قام بالتدريس فى إثنان من الجامعات . الأولى هى الجامعة الأمريكية / الشارقة ، والثانية هى جامعة الأهرام الكندية بالقاهرة / كلية الإعلام . ولكن تبقى ( كورسات / خالد أبو الدهب للتصوير الفوتوغرافى المحترف / دبى / الهند / تركيا / إيطاليا / لندن ) هى الأشهر فى مسيرة التدريس والمحاضرة لدى خالد أبو الدهب والتى تقام بشكل دائم و بصورة موسمية . والتى ينتظم من خلالها عدد كبير من الدارسين القاصدين لمعايير أسلوبه بقصد الوقوف على أبواب اللغة البصرية العالمية .
وبالإقتراب إلى منجز / خالد أبو الدهب البصرى نجده قد ينحاز إلى إيجاد تلك الصورة المكتملة الأركان قدر ما إستطاع . وهو من صنف المصورين المهتمين بإعداد المشهد بصورة ذهنية مسبقة ، وإن كان لا يفلت تلك الصورة الناتجة عن المصادفة ولكنه أيضا يخضعها قد إمكانه لمعاييره ومصوغات القبول لديه . وهو يرتكز بشكل كامل على الصورة المباشرة ويأتى إخضاعها لديه للمؤثرات من خلال برامج الإضافة والحذف والتعديل والتجويد شبه معدوم ، إلا فى حالات القصدية ذات الأغراض التسويقية ، وهو يتعامل مع المشهد الخاضع للتوثيق أو المصاغ لإبراز جملة مفهوم هذا التعامل الخاضع لسيطرته الكاملة . فهو المؤلف لماهيته والمعد لمسرحه والمخرج لصورته النهائية . فخالد أبو الدهب يخضع المشهد وفقا لرؤيته ولا يسمح للمشهد بأن يأسره ويفرض عليه قوانينه إلا ما ندر من مشاهد وحالات كاسرة لرغبات البشر وخاطفة للوجود فى حيز الزمن ، وهو ممن يدفعون المشاهد ويسوقونها إلى الأطر التى حددوها مسبقا . و لا يمر المشهد إلى داخل ذاكرة ألة تصويره دون أن يتم شحنه بجملة حوار بعينها أو بحركة إيقاع نابضة أو بتوليفة لونية ذات إنسجام . أو بكل تلك الجمل والإيقاعات والحركات والتوليفات السابقة مجتمعة ، ولا أدل على ذلك من عمله الفائز بجائزة بينالى ( لندن -2015 ) ، ذلك العمل الذى إستعرض فيه حالة مفاهيمية عن مفهوم الباب من جوانب عدة فى الثقافات والبيئات والمجتمعات المختلفة …. وإستعراض التشعبات فى تجربة خالد أبو الدهب وتتبعها من الناحية الفنية قد يقصر عنه مثل ذلك المقال نظرا لتعدد وتنوع أساليب وطرق صناعة الصورة لديه . ولكن أكثر ما جذبنى فى تلك التجربة هى تناولاته ومعالجاته لمجموعاته النوعية فى موضوعات التناول . وأذكر هنا منها ثلاثة نماذج وجدت فيها تميز الصورة وقوة التعبير و تمكن الحضور ، وهى التعامل مع، الوجه الإنسانى ( الشخوص بشكل عام ) ، والمشهد المفاهيمى المصدر لدراما الموضوع ، المتتاليات الدرامية الموثقة للحركة .
وبداية نستعرض الوجه الإنسانى و تصوير الشخوص فى تجربة / خالد أبو الدهب . والذى رغم إخضاعه لمعايير الصورة المحددة لمفهومه . إلا أننا نجد أنه يذهب نحو تلك الحالات التى تعكس دراما الحياة ، وعنه يقول أبو الدهب ( أننى أرى فى وجوه البشر تلك المرادفة مع قطاعات جذوع الأشجار و ما بها من دوائر تحمل وصفا لها و محددة لأعمارها وسنوات الرخاء والشدة التى مرت عليها ) ، وقد قام بتسجيل مجموعة من الصور للوجوه بالعديد من بلاد العالم . ، كالهند وبلاد التبت ومصر وغيرها من البلدان والقوميات والعرقيات المختلفة . ولكن وقع إختيارى على تلك السيدة المصرية المسنة والتى يستعرض فيها أيضا جانبا من روح مصر التى نشأ فيها ويحرص على إيجاد تلك العلاقة بين الصورة والمتلقى . ونستعرض نموذجين منها . أولهما هى تلك الصورة التى تمثل تلك المرأة العجوز والمطلة من نافذة منزلها العاكس لطبقتها الإجتماعية البسيطة وهى تنظر تلك النظرة المريحة و تبتسم تلك الإبتسامة المطمئنة . وقد جذبتنى تلك الصورة لهذا التناقض الحاصل بين ما تسجله من بساطة حال وبين ما تعكسه من ثراء مشهد . فهى تشعرنى بأننى أمام قصدية من مصور زيتى حريص على إيجاد كل تفصيلة فى مكانها بداية من خلفية العمل الخادمة ومرورا بتفاصيل النافذة العتيقة ونهاية ببطلة العمل الخاطفة للعين بحضورها وتاجها الملون الذى يلف رأسها ….أما العمل الثانى فهو ذلك المشهد النصفى لرجل يرتدى ملابس شرقية قديمة وهو يرتحل فى أحد الوديان ويرمق العدسة بسهام عينيه الراشقة فى نفس المتلقي . وقد أسما الصورة ( رأس الشيطان ) ، وهى من مجموعة متتالية لنفس الموديل إلتقطها بمنطقة / رأس شيطان بسيناء والذى أتى إختياره فى غاية التوفيق ، والصورة فى غاية التعبير ودراما النظرة الفاتحه للجدل حول قصدية بطلها ، وهى من الصور التى رغم كونها تصدر للمتلقى وجهة نظر أبو الدهب الموحية بنموذجية الرجل كمثال متجسد لفكرة ما ، إلا أنها تمنح المتلقى ذلك الإختيار فى إجترار ما يرادفها من ذاكرته . كما نجح أبو الدهب فى إشعارنا بتلك الإيقاعات المسموعة فرضيا و التى تجنح نحو الحذر والمخافة ، وقد مارس بذلك غرامه وحرصه على وجود الإيقاعات والموسيقى المصاحبة لصوره وأعماله ، وهى من ميزات أعمال المصور العالمى / خالد أبو الدهب .
أما عن النموذج المفاهيمى فى أعمال أبو الدهب . فلا أجد أفضل من ذلك العمل الذى يصور فيه هذا السوار المزدوج من خرزات ( الفيروز ) والخرزات البنية الخشبية . والملقى فى الرمال وكأنه نموذج ( الحلقة فى الفلاة ) وأجمل ما ذلك العمل معناه المطموس وما يصدره من مفهوم فى وجود ذلك السوار بذلك الوضوح ، ولا يوجد وقع لقدم فاقد السوار وصاحبه ، والعمل فى جملته اللونية نموذج للتناغم والتجانس بين ألوانه الأربعة ( السماء الرمادية والرمال الذهبية المحمرة ولونى السوار ) وهى رغم بساطتها إلا أنها تحمل لخيال المتلقى روايات عدة تركنا / خالد أبو الدهب معها نسبح كيف نشاء فى تخيل تلك اللحظة التى سبقت وصول ذلك الصوار على سطح تلك الرمال …. و نصل إلى تلك الصور التى عبرت عن المتتاليات لمشهد واحد محدد العناصر . وهى تلك المتتاليات التى أتت عليها مجموعة التنورة والتى فاز عن واحدة منها بجائزة ( بينالى كيانشاتو / إيطاليا 2013 ) والتى ترصد تلك الحالة البينية بين الصوفية والإحتفالية ، وهى من الحالات الأيقونية فى التراث المصرى ، ونموذج المولاوية المصرى ، والمجموعة فى كاملها توضح تلك الحركة الصادرة من الصورة والتى نجح / خالد أبو الدهب فى إشعارنا بها بشكل كامل ، بل وزاد عليها إشعارنا بإيقاعات الطبول والدفوف المتعالية والتى تصاحب لحظات التوحد بين الراقص الرئيسى وتنورته أثناء الحركة . وأفضل ما جاء فى العمل هو شعورنا بذلك الفضاء الذى يسبح فيه الراقص والمؤدى وهو مغمض العينين من شدة شعوره بالإنفصال عن محيطه وواقعه فى حلبة الرقص ووجوده فى عالم أخر يراه حين يغمض عينه ، وقد مارس خالد أبو الدهب فى ذلك العمل إضفاء التأثيرات والتركبية الخادمة على تلك المجموعة والتى حولت النص البصرى المصور إلى تلك الحالة الروحية البحتة ، ولا أستطيع أن أغفل متتالية أخرى أرى فيها ذلك الحس التجريدى . وهى تلك المتتالية التى تمثل عناصر ثلاث ( خيال لكفين وسماء بلون أزرق بدرجة ( الكوبلت ) ورمال بلون نارى ملتهب . وهى من متتالياته التى تشعرنا أننا أما مشهد مسرحى من فصول ثلاثة ولكن بصورة تحمل رقى اللفظ المصور وحكمته المختصرة التفاصيل والتى تحبس فائض الكلمات لعدم ضروريتها ….. و أخيرا لا أستطيع أن أغادر أعماله دون الحديث عن تلك الصور التى تمثل مشاهد لمنظور وزوايا الإلتقاط ، والتى تحمل نوعا من التميز لأعمال / خالد أبو الدهب . فهو يعرف كيف يتمركز فى نقطة سحرية من منظور المشهد . وأشعر معه بأنه نقطة الإنطلاق لأشعة المنظور فى الرسم الهندسى . أو كما تسمى نقطة الهروب ، وهو ما يجعل المتلقى متعلق النظرة بصورته لفترة طويلة مجتهدا فى إكتشاف ومعرفة كيفية إلتقاطها من تلك الزاوية وبعذا العمق ، فمنظور خالد أبو الدهب فى التصوير الفوتوغرافى منظورا مميزا ومستثنى المقارنة لما يستند عليه من حسابات دقيقة يتقن تحديدها بمجرد قراره بالإلتقاط لمشهد بعينه يرى مناسبته لتلك اللقطة . ولا يجب إغفال محاولته الجادة فى إيجاد حراك للتصوير الضوئى / الفوتوغرافى فى مصر عقب فترة ما بعد يناير 2011 ، حيث نظم عرض ( مصر بعيون المصريين ) وكان قوميسيرا لهذا العرض بالتعاون مع المؤسسة الرسمية متمثلة فى قطاع الفنون التشكيلية والذى أتى بنتائج كبيرة ، حيث أراد / خالد أبو الدهب أن يشارك مشروعه مع كل محبى التصوير فى مصر ، من مختلف الفئات ( محترفين وهواة وحتى مواطنين عاديين ، وبالفعل قام قطاع الفنون بالتواصل مع معظم المصورين ورؤساء جروبات التصوير و روابط أندية التصوير وأجتمع بهم وعرض وجهة نظره فى العرض على الجميع واستطاع أن يخرج بعرض لعدد153 مصور كان من أفضل العروض الفوتوغرافية والتى أقيمت بقاعات عرض ( قصر الفنون بأرض الأوبرا بالقاهرة ) ، كما قام على هامشه بإقامة عدد من ورش العمل التى حاضر فيها ، وقد ترك هذا العرض تأثيرا كبيرا فى مجال الفوتوغرافيا وأوجد نوعا من الحراك بين المصورين المصريين فيما بعد .
قد يغفل المقال فى مجمله جوانب عديدة من تلك التجربة الهامة والمميزة لهذا الفنان والمصور العالمى / خالد أبو الدهب ، والذى إنتزع هذا اللقب عن جدارة وإستحقاق متوجا مشواره الصعب والناجح والذى يعد نموذجا للإحتذاء به ، فهو قد تعامل مع تجربته وفق القواعد والمعايير المسببة للنجاح والتفوق ، من أصول علمية وثقافة فنية ودراسة لكل متطلبات النجاح المتداخلة فى منجزه ، وأستطاع أن يصعد بتجربته سلم النجاح وأن يصل من نقطة الهواية إلى نقطة الإحتراف بل ويتخطاها إلى مرحلة التدريس الأكاديمى لهذا التخصص فى كيانات أكاديمية ومحافل عالمية ، وتدريس منهج خاص به يحمل أسلوبه ومعالجاته ووجهات نظره التى ما زالت مصحوبة بذلك الإيقاع القديم الذى ينتقل من داخله ليصاحب أعماله والتى تعد مرادفا لجملة ( إيقاع الصورة ) .
صور مرفقة