في المستقبل، سنقوم بتصوير كل شيء لكننا لن نرى شيئًا
أوم باركاش مالك
كاتب هندي أمريكي متخصص في التكنولوجيا
لقد تغيرت علاقتنا بالتصوير، فمجموعة برامج سطح المكتب “نيك” لتحرير الصور سوف تنقرض مثل الكاميرا الفيلمية.
ترجمة حفصة جودة
“في هذه الأيام، أصبح كل شيء ينتهي بصورة” تقول سوزان سونتاغ في كتابها الشيق عام 1977 “عن التصوير الفوتوغرافي”، هذا ما جال بذهني عندما قرأت مؤخرًا أن جوجل قامت بطرح “مجموعة نيك” لتحرير الصور والبالغ ثمنها 149$ للتحميل مجانًا، هذا البرنامج هو المفضل بين المصورين، مثله مثل مطعم “كاتسز ديلي” بين هؤلاء الذين يحلمون بساندويتش البسطرمة.
قبل أن تقوم جوجل بشرائها عام 2012، كانت المجموعة يبلغ ثمنها 500$، وهي تتكون من 7 أجزاء من البرمجيات المتخصصة والتي عندما تستخدم مدمجة مع برامج تحرير الصور الأخرى مثل “أدوبي فوتوشوب” أو “أدوبي لايت رووم” تمنح المصورين مستوى من التحكم أقرب إلى ذلك الموجود في الغرف المظلمة، حيث يمكنهم محاكاة مخزون الأفلام القديمة، وإضافة تأثيرات صور تماثلية، أو تحويل لقطات الصور الملونة إلى صور بالأبيض والأسود، هذه المجموعة يمكنها تحويل صور متواضعة إلى صور خيالية.
إجمالاً، تطور مجموعة نيك التكنولوجية يماثل لاعب شطرنج محترف، ولا أمانع أنا وغيري من المصورين والمتحمسين أن ندفع ثمنه، لذا فنحن نتساءل، لماذا قامت جوجل بطرحه للتحميل مجانًا؟
في رأيي، تحاول جوجل إيقاف البرنامج، لكنها لا ترغب في مواجهة كابوس العلاقات العامة الذي سيتبع ذلك، تذكروا الاحتجاجات التي أتبعت قرارها بإغلاق مجموعة أدوات “آر إس إس فيدز” و”قارئ جوجل”، لكن مؤيدي “نيك” سيكون ردهم أكثر ضراوة.
وبتحويله لبرنامج مجانٍ، تستطيع الشركة تجاهل المنتج وتجنب ردود الفعل العنيفة، وللتأكيد، فالأمر مجرد وقت قبل أن تذهب مجموعة نيك إلى نفس مصير الكاميرا الفيلمية، في مزبلة التاريخ التكنولوجي.
“طرح البرنامج للتحميل مجانًا من الأخبار السيئة، لأنه يعني أن البرنامج الذي اشتريناه قد وصل تقريبًا إلى نهاية الخط من حيث التحديثات” تقول مجلة “بي سي ورلد”، وكما أوضحت جوجل في مدونتها قبل إعلان الخبر، فإن الشركة ستقوم بتركيز جهودها على الاستثمارات طويلة المدى في إنشاء أدوات تحرير صور مذهلة للهواتف المحمولة، “هذا الأمر يشمل “صور جوجل”، أداة الشركة للتخزين وتصنيف الصور، وتطبيق “سنابسييد” للهواتف المحمولة الخاص بمجموعة نيك”.
تعليقات جوجل – التي تبدو محبطة كما هو متوقع – تعكس حقيقة التغير التكنولوجي، بالتأكيد نحن نحب الاستماع إلى الموسيقى باستخدام إسطوانات الموسيقي، لكن هذا لا يعني أن البث الموسيقي على موقع “سبوتفاي” سيء، هذا البث هو ما يلائم العالم اليوم، فمثلاً أنا أحب استخدام الأوراق والحبر، لكنني أرى فوائد الآي باد وقلم آبل، والتصوير الرقمي يتخذ تحولاً مشابهًا، وجوجل لديها ما يكفي من الذكاء لإعادة التركيز على ذلك الأمر.
لفهم قرارات جوجل، يحتاج المرء لأن يفهم كيف تغيرت علاقتنا مع الصور، فمن الكاميرا الفيلمية إلى الكاميرا الرقمية إلى كاميرا الآيفون، أصبح الأمر أكثر سهولة في التقاط الصور وتخزينها، فنحن اليوم لا نفكر مرتين قبل التقاط صورة.
منذ عامين، أشار بيتر نيوبوير، أحد مؤسسي شركة قاعدة البيانات السويدية “نيو تكنولوجي” إلى أن التصوير يشهد تحولاً هامًا من “الجمال الفردي القائم بذاته للفنان إلى الجمال الاجتماعي والتعاوني لخدمات مثل فيسبوك وإنستجرام” وفي المستقبل، يقول بيتر إن “تحقيق القيمة الحقيقية سوف يأتي من دمج الصور معًا كنسيج واحد، واستخلاص المعلومات ثم تقديم تلك المعلومات التراكمية كمجموعة مختلفة تمامًا”.
تعليقاته المنطقية تقول إننا وصلنا في المجتمع إلى أننا جميعًا نلتقط الكثير من الصور، ونقضي القليل جدًا من الوقت في مشاهدتها.
“لقد تغير تعريف التصوير كثيرًا، وأصبح أكثر من مجرد لغة” يقول المصور والفنان المحترف المقيم في بروكلين، جشوا آلان هاريس، ويتابع “نحن نقوم بإرفاق الصور في كل تغريدة أو رسالة نصية كما نكتب النقطة في نهاية الجملة، وهذا من شأنه أن يعزز التواصل بطريقة جديدة تمامًا”.
بعبارة أخرى، لقد تغير مصطلح “المصور” كما يقول هاريس، ونتيجة لذلك، أصبحت الصور كرمز للذكريات أقل من كونها مثل العناوين المفضلة بمتصفح الويب، بالنسبة لحياتنا، وكما هو الأمر بالنسبة للعناوين المفضلة، فبعد عدة أشهر يصبح من الصعب العثور على تلك الصور، أو حتى العودة إلى النقطة التي تستحق التذكر، لقد جعل جوجل تكدس العناوين المفضلة غير مجدٍ، عندما نفكر اليوم في شيء ما نبحث عنه في جوجل، والصور تتطور أيضًا في نفس الاتجاه.
يمتلك البشر حوالي 2 مليار هاتفًا ذكيًا، وبافتراض أننا محافظون جدًا ونقوم برفع صورتين فقط يوميًا على منصات الإنترنت المختلفة، فهذا يعني أننا نلتقط 4 مليارات صورة يوميًا، من المصعب أن تخيل كم الصور الموجودة على أجهزتنا.
وبفضل هوسنا بالتصوير، وبالأخص ازدياد ثقافة “السيلفي” فالمشكلة أصبحت في كيفية فرز كل هذه الصور التي تتجاوز القدرات البشرية، وبدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى تعزيز البشر باللآلات، والتي لديها قدرات أفضل في غربلة آلاف الصور وتحليلها وإيجاد القواسم المشتركة، ورسم استنتاجات حول اللحظات الهامة، من الأفضل أن تبدأ الآلات في تعلم أسلوبنا في التصوير.
“جوجل فوتوز” الخدمة التي تلتزم بها الشركة التزامًا تامًا قد تم إنشاؤها لتقوم بذلك، تنظيم وتحسين مكتبات كبيرة للصور، فقط قم برفع صورك على “جوجل كلاودز” وسوف يقوم البرنامج بفرزهم وإزالة الصور المكررة، واختيار أفضلهم، والإشارة إليهم وإنشاء ألبومات لإجازاتك، وإنشاء صور رسوم متحركة لتشاركها مع الآخرين، حتى الخاصيات المساعدة يمكنها تحرير صورك، ما عليك سوى رفع تلك الصور في ملف، وسوف تهتم الآلة بالبقية.
كلما رفعت المزيد من الصور لجوجل، كلما كان من الأسهل على برنامجه للحلول الحاسبية أن يتعلم ويصبح أكثر دقة وفعالية في مهمة التحرير الإبداعية.
لكنني قلقة بشأن أخلاقيات بيانات جوجل، وفكرة تسليمها جزءًا من حياتي، لكنني لا أنكر أنها مميزة في منحي شعور رائع بنمو مكتبة صوري.
فيسبوك أيضًا ماهر في ترتيب الصور حول محور العلاقات والوقت، هذه لحظة مذهلة، حيث يلتقي حساب متوازي واسع النطاق وسهل، مع توافر المزيد من مجموعات البيانات الكبيرة وخوارزميات تعلم عميقة ومتقدمة.
الأمر ليس مجرد تحسين القدرات التكنولوجية لإحداث هذا التحول، فجوجل وفيسبوك وإنستجرام يحاولون التفاعل مع هذا التحول الكبير للانتقال من حوسبة سطح المكتب إلى الحوسبة عبر “كروم بوكس” والهواتف والأجهزة اللوحية وغيرهم من الأجهزة، هذه الأجهزة تحتاج بالأساس إلى برامج يمكنها العمل مع نظام “كلاود”، وليس مع آلة واحدة على مكتبك، وظائف “مجموعة نيك” المركزية على سطح المكتب ومشتقاتها يجب أن تتحول إلى تطبيقات هاتف مثل “سنابسييد” و”فسكو”، فقط تطبيقات مثل إنستجرام وأجهزة مثل آي فون قادرة على التقاط صور لائقة، لذا يجب أن تكون البرامج الذكية الجديدة قادرة على منحنا لقطات أفضل بمجهود أقل، وأسهل في العثور عليها ومشاركتها.
الجزء الهاوي بداخلي متشوق لإمكانية الحياة داخل “كلاود” وتحرير الصور مباشرة، أما الجزء الأصولي بداخلي فيتساءل إذا ما كان تحرير الصور ببرامج سطح المكتب، في المستقبل، سيكون مثل تجديد فيلم فوتوغرافي اليوم، رفاهية إشباع الحنين إلى الماضي، هو جهد حزين لممارسة سيطرة الإنسان على المهام التي تقوم بها الآلة نيابة عنه، إنني أتساءل، ما الذي كانت سونتاغ لتفعله في هذا الشأن؟
المصدر :نون بوست نقلا عن نيويوركر