نورة البدوي ــ مسقط
“يوم الدين” للمخرج المصري شوقي أبو بكر: الهامش الإنساني و سؤال الانتماء
إلى أي مدى يمكن القول؛ أن ثقافة قبول الآخر موجودة في مجتمعاتنا ؟ أم أن هذه الثقافة هي مجرد عنوان كبير يراد منه إخفاء واقعا آخر لهذه المسألة؟
سؤال أحاطنا به المخرج المصري أبو بكر شوقي في فيلمه ” يوم الدين” حيث تدور أحداثه حول شخصية بشاي، وهو رجل شُفي من مرض الجذام ولكنه مازال يحمل آثاره على جسده، ويعيش في مستعمرة للأيتام لم يغادرها يوماً.
بعد وفاة زوجته، يقرر بشاي المسيحي أن ينطلق في رحلة في قلب مصر بحثاً عن جذوره، فيغادر على حماره ” حربي” بصحبة أوباما، الصبي اليتيم الذي يفرض مرافقة بشاي أينما توجه.
أول لقطة يبدأ بها الفيلم هي لقطة بشاي يبحث في أكوام القمامة ثم في لقطة ثانية ينتقل صحبة حماره إلى المستشفى ليعود في لقطة ثالثة إلى بيته، ما يربط بين هذه الأمكنة هو وجود القمامة أينما توجهت حركة الكاميرا، أما العمران ” البناء” فهو متهالك .
لم يستثن أبو بكر في تنقلات شخصيته الأمكنة سواء كان حضورها من خلال مشهد خارجي أو داخلي و في كلييهما هي مهدمة أو آيلة للسقوط، رافقتها حركة الكاميرا مرة من بعيد و أخرى من قريب و كأنها تقنية اعتمدها مخرجنا لبناء نسيج دلالي بين المكان و الشخصية؛ و المتمحور حول عنصر الإهمال العمراني “البناء” و الإنساني ” الوحدة” و هذا ما أعطى لكل لقطة لشخصيتنا في الفضاء بعدا دراميا سينمائيا.
تنطلق الشخصيتان خارج المستعمرة لأول مرة ليكتشفا الحياة بكل ما فيها ويبحثا عن معنى الانتماء.
تبدأ الرحلة مع بشاي و أوباما للبحث عن عائلتهما، صحبة الحمار “حربي” الذي كان وسيلة للتنقل و اكتشاف مناطق مصر خارج المستعمرة، و كأن مخرجنا يضعنا أمام سخرية ضمنية إلى ما يمكن أن يقدمه الحيوان من مساعدة لنا كأن يصبح وسيلة عبور لاكتشاف الوطن الذي نعيش فيه و لا نعرف مناطقه.
بهذه الثلاثية بشاي و الطفل أوباما و الحمار تنطلق الرحلة من المستعمرة إلى قلب مصر بأحداثها .
ومن خلال هذا النسق للأحداث الذي انطلق منه السيناريو؛ نجد أنفسنا أمام قصة متوازنة في عناصرها الأساسية، متناسقة في محطاتها السردية و الحبكة القصصية؛ ما أثار في الفيلم انتقالا تصاعديا منسقاً لتسلسل الأحداث و التجوال بين الأمكنة و التقاء الشخصيات فيما بينها، كل هذا دعمته حركة الكاميرا بمشاهد و لقطات لا تخلو من الرمزية
ففي انتقال بشاي و أوباما بين الامكنة من الاهرامات الى النيل، ارتسمت الاحتفالات الليلية في حركة الكاميرا بلقطة ضيقة على وجه الشخصيتين لتبرز دهشتهما مما يشاهدان، فكل الملامح تشي بالاستغراب و الغربة و المنفى في كيان المستعمرة.
يواصل بشايا و اوباما رحلتهما ليلتقيا بنماذج من المجتمع، و كل نموذج يرى في نفسه الأنا الملغومة بالكمال ورفض الآخر، يدعم مخرجنا هذه اللقاءات بحوارات مختصرة على ألسنة الشخصيات تواكبها أحداث متسارعة و كأنه يرسم خريطة بين الأنا و الآخر بمختلف تمثلاته و تراكماته في تعامله و نظرته للتعايش، ما نقل عدة قضايا على مستويات مختلفة منها ما هو نفسي و أخلاقي و اجتماعي و اقتصادي و سلوكي و سياسي.
يقطع مخرجنا كل هذه الحوارات المختصرة بين الشخصيات بصرخة من “بشايا” عندما يقول “احنا موش بني آدمين”، صرخة جمع فيها شتات كل ما لقيه في قلب مصر من معاملة سيئة بدءا بالمستشفى الى رجال الشرطة إلى السلافيين إلى ركاب القطار… لينجح بذلك في توصيل مشاعر الألم و الوحدة وسط المجموعة .
يضعنا أبو بكر شوقي مرة اخرى في تناقض بين كل ما لقاه بشايا من الاخر و حزنه الشديد على موت الحمار فالوحيد الذي لم يطالبه بشيء لا بتذكرة عبور أو رفضا له.
مخرجنا لم يترك السيناريو و لا الكاميرا يغفلان عن السخرية بشكل غير مباشر من سياسة الاعتقالات العشوائية والبيروقراطية المصرية هذه الكلمة الذي ابدع في نطقها بطلنا بشايا.