وفي حوار معها، تقول باتاجليا “صوري بمثابة التنديد العلني” مضيفة أنها تعتبر نفسها “رسول المقاومة، مقاومة العنف والفساد والفقر والاختلال الأخلاقي والسياسي”.
جثة الأخ.. الرئيس
إحدى صور باتاجليا المؤثرة هي صورة بالأبيض والأسود تظهر رجلاً مرتبكاً يجذب جثة خارج سيارة، وهي صورة التقطتها في أثناء مرورها بالمنطقة عام 1980.
اتضح فيما بعد أن الرجل المقتول كان بييرسانتي ماتاريلا، رئيس إقليم صقلية آنذاك، أما الرجل الذي كان يخرج جثته من السيارة فهو شقيقه الأصغر سيرجيو الرئيس الإيطالي الحالي!.
زالتقطت باتاجليا مئات الصور على غرار هذه الصورة ، كلها بالأبيض والأسود ، في الوقت الذي عاصرت فيه أحداث إراقة الدماء التي ساعدت الراحل “توتو رينا” أن يصبح الزعيم الأعلى للمافيا في صقلية المعروفة أيضا باسم كوزا نوسترا.
وتضيف باتاجليا “حينما تشهد على واقعة قتل فإنك تواجه كل الآلام في العالم، لأنه عندما يُقتل أحدهم، عندما تُسلب حياة شخص ما بالإكراه، فإن ذلك أمراً مرفوضاً”.
ولقد كانت مهمة مخيفة خاصة بالنسبة لامرأة تتحرك في بيئة عدائية يسيطر عليها الرجال، فكما قالت “إنني تعرضت للتهديدات، والدفع، والبصق. تحطمت كاميراتي.. تلقيت رسائل مرعبة مجهولة المصدر”، وتواصل حديثها قائلة “غالباً ما انتابني الشعور بالخوف، ومع هذا واصلت عملي، تلك كانت شجاعتي”.
ويقف وراء باتاجليا، التي يعني اسمها “معركة ” باللغة الإيطالية، تاريخ طويل في النضال، فإلى جانب التصوير، هي ناشطة نسائية وناشرة وسياسية من التيار اليساري في صقلية.
وبسبب تاريخها النضالي، استحقت باتاجليا المشاركة في بطولة فيلم بعنوان “المافيا لم تعد كما كانت”، وهو فيلم وثائقي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان فينيسيا السينمائي 2019.
فنانة مستقلة
ويذكر أن باتاجليا رسامة تولت تعليم نفسها بنفسها، وقد دخلت مجال التصوير الصحفي لإعالة نفسها وبناتها بعد الطلاق، من زوجها الثري التي رفضت تلقي مستحقات النفقة منه.
وتقول باتاجليا إن صورها الفوتوغرافية تجمع ما بين “الألم والرعب والغضب” الذي تشعر به عندما إلتقاطهم باستخدام مهارات التكوين التي تعلمتها من خلال تأمل اللوحات الفنية لكبار الأساتذة.
كما ذكرت أنها “تحب الفن، وتحب القرن السادس عشر، وعصر النهضة، وأن تكوين صورها مستوحى مما رأته في أعمال مايكل أنجلو أو في المتاحف أو في أي عمل لفنان معاصر”.
جسد القاضي الممزق
وبعد عملها لسنوات لصالح صحيفة “لورا اليسارية” التي أغلقت عام 1992، توقفت باتاجليا عن التقاط الصور لضحايا المافيا والأقارب المفجوعين في التسعينيات.
وتوضح قائلة إن آخر سلسلة الأحداث المأساوية، تمثلت في جرائم القتل التي وقعت عام 1992 وطالت القاضيان جيوفاني فالكوني وباولو بورسيلينو، المعروفان بمعاداة المافيا، وكانت على معرفة شخصية بهما.
وقُتل الرجلان جراء تفجيرات كبيرة، وتتذكر باتاجليا كيف وقفت أمام جثمان بورسيلينو الممزق، وهناك “أجزاء مفقودة من جسده” وكيف شعرت للمرة الأولى أنها غير قادرة على تصوير هذه اللحظة بكاميرتها، تقول باتاجليا “ببساطة لم أشعر بالقوة الكافية، كنت منهكة، مصدومة بفعل سنوات من العنف، والإهانة، والعار، كنت مرتابة من فشل الحكومة الإيطالية (في محاربة المافيا)”.
اليوم، تعتقد باتاجليا أن الأمور تحسنت في موطنها الغالي بصقلية، حتى مع بقاء نفوذ الكوزا نوسترا، التي اخترقت الأجهزة الإدارية للقطاع الاقتصادي.
وتضيف “أنه بالطبع أصبحت (صقلية) أكثر حداثة ومجتمعها أكثر عدلاً، لكننا لم نتحرر بعد من قوة المافيا، فهي لاتزال هنا، فقط هي الآن ببذلة وربطة عنق، لم يعودوا الحمقى أنفسهم من كورليوني”.
وفي جزء آخر من إرثها هو المركز الدولي للتصوير الفوتوغرافي، وهو ساحة ثقافية وسط مدينة باليرمو افتتحته باتاجليا في عام 2017.
ورغم صعوبات التمويل الحادة التي تواجهه، إلا أن المركز يستضيف معارض كبيرة وورش عمل ومناقشات عامة بلا مقابل مادي، وترى باتاجليا في هذا صورة أخرى من “مقاومة المافيا”.
المؤرخة
وفي الواقع لا يحتفي العالم بباتاجليا لصورها المتعلقة بالمافيا فحسب، ولكن أيضاً لكونها مؤرخة على دراية واسعة بالمجتمع الصقلي، كونها التقطت صورا للحياة اليومية في صقلية وأحيائها ابتداء من العشوائيات في باليرمو صعودا إلى قصور الطبقة الارستقراطية.
ومازالت باتجليا نشطة رغم تقدم عمرها، تتمتع بالحيوية وتدخن بشراهة وتصفف شعرها القصير بقصة صبيانية وتصبغه بالألوان المختلفة.
ويتمحور تركيزها حاليا في التقاط الصور للنساء والأطفال، في رحلة بحث عن النقاء والبراءة، أما فيما يتعلق بالتقاط الصور للرجال، فتمزح قائلة: “لقد التقطت فقط صور القتلى منهم”.