لا يعد عبدالرحمن الغابري مصورًا ومخرجًا فقط، بل هو بمثابة أرشيف لليمن بمئات آلاف الصور التي التقطها ووثق فيها جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، منذ الستينات وحتى الآن.
shareلا يعد عبدالرحمن الغابري مصورًا فقط بل هو بمثابة أرشيف لليمن بمئات آلاف الصور التي وثق فيها جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية
حمل أرشيف الغابري، بين طياته مليوني صورة متنوعة، هي حصيلة نصف قرن، تحكي قصصًا يمنية متعددة الأوجه، رصدها الغابري بعين فنية، فغدت في معظمها لوحات تحمل وجهة نظر وفلسفة حياة.
اقرأ/ي أيضًا: كريم بوشطاطة.. أن تثلج في الصحراء
وترصد الصور التي التقطها الغابري، تطوّر المجتمع اليمني بإنجازاته وانتكاساته، وتحولاته الطارئة، فضلًا عن الصور الخاصة بالمواقع الأثرية والمدن القديمة. كما جمعته سنوات العمل بكل رؤساء اليمن تقريبًا، من عبدالله السلال إلى علي عبدالله صالح.
من قرية القشعي
في قرية القشعي بمديرية عتمة التابعة لمحافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء، ولد الغابري وترعرع، ورسم أحلامه الأولى البسيطة، بالتقاط مشاهد قريته، وتصوير والدته أثناء عملها في الحقول، لا بالكاميرا وإنما في ذهنه.
لم يكن الغابري يعرف ماهو التصوير الفوتوغرافي ولا الكاميرات. لكن صورة شخصية بعثها له أخوه الذي كان يدرس في العراق قبل الثورة في منتصف القرن الماضي، جعلته يحلم باقتناء واحدة من تلك التي صورت أخاه.
ظل حلم اقتناء الكامير يراود الغابري طوار سنوات الطفولة الأولى، قبل أن ينتقل إلى العاصمة صنعاء لاستكمال الدراسة. وهناك التحق بالإعلام العسكري، وحقق الحلم باقتناء أول كاميرا، وتدرب على آليات تحميض الصورة وطبعها.
ثم كلل سنوات الدراسة الفردية في اليمن بالقراءة والتجريب، بأن سافر إلى بيروت لدراسة الإخراج عام 1975، وشارك للمرة الأولى في تصوير أفلام تسجيلية.
قرن من التصوير الفوتوغرافي في اليمن
يعود تاريخ التصوير الفوتوغرافي في اليمن إلى عشرينات القرن الماضي، حين برز المصور اليمني أحمد عمر العبسي كأول فوتوغرافي في اليمن والجزيرة العربية، وافتتح الاستوديو الأول في مدينة عدن عام 1930. ثم في 1949 انتقل إلى مدينة تعز، حيث افتتح أول استوديو في شمال اليمن.
وإلى جانب بروز العبسي في الجانب السياسي والتاريخي، فإنه يعتبر الملهم الأول لجيل من المصورين اليمنيين الذين لحقوا به، أبرزهم الفنان عبدالرحمن الغابري.
وقبل خوض الغابري لهذا المضمار، لم يكن التصوير الفوتوغرافي في اليمن واسع الانتشار، وكان المصورون بعدد أصابع اليد. غير أن البيئة اليمنية متعددة التضاريس، الغنية ثقافيًا وحضاريًا، كانت ملهمة للعديد من الفنانين والمصورين والرسامين من اليمن وخارجه.
“دفعتني هذه البيئة الغنية تاريخيًا وطبيعيًا إلى الاندماج معها وتجسيدها في الصور، وتوثيق أحداثها”، يقول الغابري لـ”ألترا صوت”
“تقدير ضعيف”
تفاعل السكان مع فن التصوير هو ما يطمح إليه عبدالرحمن الغابري، فخلال 69 معرضًا أقامها الغابري داخل اليمن وخارجه، لم يلتمس التفاعل المأمول من السكان.
كما يقول إنه لم يحظَ بالتقدير الكافي من قبل الدولة، رغم أنه مثّل اليمن في العديد من المحافل والمهرجانات الدولية. معتبرًا أن الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن، “تقف ضد الفن والفنانيين، وتجاهد لوأد المواهب اليمنية”، لافتًا إلى أن “النظرة المجتمعية للتصوير في اليمن مازالت قاصرة وتعتبر الفوتوغرافيا مهنة ناقصة وسهلة”، على حد تعبيره.
أضرار الحرب والحصار
شارك عبدالرحمن الغابري في أكثر من 70 معرضًا خاصًا داخل اليمن وخارجه. لكن الحرب المتواصلة في البلاد منذ أربع سنوات، والحصار المقترن بها من التحالف السعودي الإماراتي، حالت دون المزيد من المشاركات. وحدّت حتى من حرية عمله.
يدير الغابري مؤسسة “الهوية” في العاصمة اليمنية صنعاء. ولقد طالتها الأضرار التي ألحقتها غارات طيران التحالف في سنوات الحرب المستمرة. ضاع جزء من الأرشيف، وقد اضطر على إثر ذلك إلى حفظ ما تبقى في صناديق خاصة، ووزعها على أكثر من موقع، تحسبًا لأي ضرر محتمل للأرشيف الذي يصور اليمن على مدار نصف قرن.
shareتضرر العمل الفني لعبدالرحمن الغابري من غارات التحالف السعودي الإماراتي، وكذا من الحصار الذي يفرضه على البلاد منذ أربع سنوات
تعتبر أعمال الغابري الفنية، جزءًا بالغ الأهمية من الهوية اليمنية الثقافية في تاريخها الحديث، فقد وثق ورصد أغلب التفاعلات البارزة في البلاد منذ الستينات وحتى الآن، وحفظ لجيل قادم آثارًا وحضارة قد تكون في مرمى نيران الحرب في أي وقت.