***من بيرَم وتسبين إلى روميو وجوليت ***
* أمجد سيجري
في بداية القرن الأول ميلادي كتب الشاعر الروماني أوفيد Ovid في عملة الضخم “التحولات” وهو قصيدة ملحمية سردية باللغة اللاتينية وهي عبارة عن 15 كتاب و 11955 سطراً تحكي اكثر من 250 أسطورة وتؤرخ قصّة تاريخ العالم منذ إنشائه إلى مرحلة تأليه يوليوس قيصر ضمن إطار أسطوري تاريخي
جميل و من جملة هذه الأساطير يحكي أوفيد قصة العاشقين البابليين بيرَم و تسبين “Pyramus and Thisbē “:
عاش الحبيبان في مدينة بابل في منزلين متلاصقين يفصل بينهما جدار مشترك لكن هذا الجوار لم يحمل معه ما يعزز حب العاشقين فقد كانت العداوة متأججة بين اهلهما فالبغض والتنازع والتنافس والعداوة هي العناوين الرئيسية لحياة اهل العاشقين.
ترعرع العاشقان جنباً إلى جنب وتأجج نار حبهما ارادا الزواج لكن الخلاف والنزاع بين عائلتيهما منعهما من ذلك ومنعهما من رؤية بعضهما البعض لكن العاشقين إكتشفا صدعاً في الحائط الفاصل بين منزليهما فكان التواصل بين العاشقيين يتم من خلال هذا الصدع فهمسوا لبعضهم البعض اروع كلمات الحب وتبادلا القبل عبر تقبيل الحائط البارد الفاصل بينهما.
وفي احدى الليالي وخلال سهرات عشقهما إتفق الحبيبان على ﺍﻟﺘﺴﻠﻞ ﻭﺍﻟﻬﺮﺏ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وتواعدا عند قبر الملك نينوس غابت الشمس وحل الظلام وارخى القمر ضيائه على طريق تسبين التي خرجت من منزلها لمكان اللقاء تحت ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻮﺕ بجانب قبر نينوس لكنها ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺑﻴﺮﻡ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭﻫﺎ ﻭﻓﺠﺄﺓ ﻟﻤﺤﺖ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻟﺒﻮﺓ برية ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺎﺑﺔ ﺗﻬﺮﻭﻝ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻨﺒﻊ ﻟﺘﺮﻭﻱ ﻇﻤﺄﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﻓﺘﺮﺳﺖ شيئاً ما ﻭ ﻣﻸ ﺍﻟﺪﻡ فمها هربت تسبين من روع المنظر لكن النسيم اسقط منديلها مرت اللبوة من فوق المنديل فمزقته بفمها المدمى شربت وعادت إلى الغابة.
جاء ﺑﻴﺮﻡ ﻭﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻤﻨﺪﻳﻞ ﺍﻟﻤﻠﻄﺦ ﺑﺎﻟﺪﻡ ﻭﺁﺛﺎﺭ ﺧﻄﻰ ﺍﻟﻠﺒﻮﺓ فنظر حوله فوجد اللبوة تدخل ﺍﻟﻐﺎﺑﺔ .
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ مروعاً فظن بيرم ان اللبوة التهمت حبيبته فندم على تأخره واعتبر نفسه مذنباً ومسؤلاً عن موتها وصاح “ ﺍﻧﺎ ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻚ “ تناول ﺍﻟﻤﻨﺪﻳﻞ ﻭﻗﺒﻠﻪ ، ﻭﻫﺮﻭﻝ ﻧﺤﻮ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻮﺕ ﻭﺧﺎﻃﺒﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼً “ ﺍﻧﻚ ﺍﻵﻥ ﺳﺘﺸﺮﺑﻴﻦ ﺩﻣﻲ “ . ﻭﺍﺳﺘﻞ ﺳﻴﻔﻪ وسقط عليه “بحسب طريقة الانتحار البابلية “ﻭﻏﺮﺯﻩ ﺑﻴﻦ ﺃﺿﻼﻋﻪ وفار ﺩﻣﻪ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻭﻟﻄﺦ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﻓﺎﺻﻄﺒﻐﺖ ﺑﺎﻻﺣﻤﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻲ .
عادت تسبين ﻭﺍﺗﺠﻬﺖ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ فوجدت حبيبها ﺑﻴﺮﻡ ﻓﻲ ﺑﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺩﻣﺎﺋﻪ ﻃﻮﻗﺘﻪ ﺑﺬﺭﺍﻋﻴﻬﺎ ﻗﺒﻠﺖ ﺷﻔﺘﻴﻪ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺗﻴﻦ وترجته ﺍﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺍﻟﻴﻬﺎ ، ﻗﺎﻟﺖ “ ﺍﻧﺎ ﺗﺴﺒﻴﻦ ﻛﻠﻤﻨﻲ ﺃﺗﻮﺳﻞ ﺍﻟﻴﻚ “ ﻭﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻭﺭﻣﻘﻬﺎ ﺑﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻮﺩﺍﻉ ﺍﻷﺧﻴﺮ واطفأ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﻮﺭ ﻋﻴﻨﻴﻪ .
ﻛﺎﻥ ﺳﻴﻔﻪ بيرم ﺳﺎﻗﻄﺎً ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﻭﻣﻨﺪﻳﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﺰﻕ ﻣﺎ ﻳﺰﺍﻝ ﻋﺎﻟﻘﺎً ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﻓﻔﻬﻤﺖ انه إعتقد انها ماتت فقتل نفسه لإعتقاده أنها ماتت فقالت “ ﺃﻧﺖ ﻗﺘﻠﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺒﻚ ﻟﻲ ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺷﻰﺀ ﻟﻴﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻵﻥ ﻓﺤﺘﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻟﻦ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻨﺎ “ فاغمدت سيفه ﻓﻲ ﺃﺣﺸﺎﺋﻬﺎ وماتت بجانبه
ﺭﺃﺕ ﺍﻵﻟﻬﺔ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ ﻭﺃﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﺠﻌﺔ فقررت الالهة ترك ﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﺘﻮﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ ﺗﺬﻛﺎﺭﺍً ﺃﺑﺪﻳﺎً ﻟﺤﺒﻬﻤﺎ الممنوع.
ملاحظات :
– نينوس وفقا للمؤرخين اليونانيين الذين كتبوا في الفترة الهلنستية وبعدها تم إعتباره ملك اشوري مؤسس لمدينة نينوى التي تسمى أيضا مدينة نينونس عاصمة آشور القديمة لكن الاسم الذي تم افتراضه أو تدوينه لم يتم العثور عليه في قائمة الملوك الأشورين ولا اي من الأدبيات المسمارية بالتالي تم اقتراح انه عبارة عن شخصية خيالية او خليط من شخصيات حقيقية حكمت اشور ويمكن ربطه مع سميراميس أذا صح افتراض ان شامورامات هي ذاتها سميراميس يكون المقابل الأشوري لنينوس هو شمشي اداد الخامس 811 ق. م .
-اعتبر اوفيد ان البطلان عاشا في بابل لكن في تدوينات المؤرخ اليوناني كتيسياس وضع قبر الملك الأشوري الاسطوري نينوس بالقرب
في كليكية الجزء السوري من الأمبراطورية الاشورية ويدعم نشؤ الأسطورة في تلك المنطقة الاسم اليوناني لبطل الحكاية بيراموس Pyramus فهذا الأسم هو الاسم اليوناني التاريخي لنهر جيحان المحلي .
– جائت مأساة في مسرحية روميو وجولييت الشهيرة للكاتب والشاعر الإنكليزي وليم شكسبير 1562 م تناصاً أدبياً مع حكاية أوفيد.
وتتلخص بحكاية خلاف كبير بين عائلتين وحب بين شباب وفتاة من العائلتين المتناحرتين يتزوج روميو من جوليت لكن والدها اراد لتزويجها من رجل آخر فتطلب جوليت مساعدة القس الذي زوجها فيعطيها سماً يجعلها تبدو كالميتة ليوم واحد ويرسل رسولاً لروميو الذي كان خارج البلدة ليخبره بالقصة لكن الرسول لا يصل يعلم روميو بموت جوليت فيذهب لمقبرة ال كابوليت فيجدها ممددة في تابوتها فيتناول سما وينتحر لانه لا يعلم بخطة القس وجوليت فتصحو جوليت لتراه ميتاً بجانبها فتحتسي ذات السم وينتهي هذا الحب بوفاة العاشقين .
– استلهم شكسبير مسرحيته من قصة درامية للكاتب الايطالي لوبجي دا بورتو Luigi da Porto في عام 1524 تحمل ذات العنوان روميو و جوليت والذي بدوره استقاها من الكاتب الإيطالي ماسوشيو ساليرنيتانو Masuccio Salernitano عام 1476 م الذي بدوره استقى الحكاية من أوفيد.