بقلم السيد نجم
قليلة هي الروايات العربية التي جعلت من البيئة الخاصة جدًا لليابان، هىي مجمل أحداث النص، وهو ما يثير السؤال بداية حول هذا التوجه لعدد من الروايات بقلم الأقلام الشابه، بحيث تدور أحداثها بالكامل خارج مصر بل والوطن العربي بأكمله.. وﺇن تلاحظ أن رواية “داروما” تدور الأحداث فيها لشخصيات عربية فى الأغلب الأعم والشخصيات الأجنبية (اليابانية هنا) قليلة نسبيًا.
تقع الرواية فى تسعة عشر فصلا، تتفاوت فى الطول والقصر، حتى كان الفصل الأخير أطولها. لعل الراجح وراء هذه الملاحظة أن حرصت الروائية على جعلة المعبر عن كون النص ضمن نصوص الخيال العلمى، حيث طرحت فكرتها العلمية التى تعد من التنبؤات الطبية، والتى بالفعل يتم دراسات حولها ضمن نشاط علوم الذكاء اﻹصطناعي.
مفتتح النص فى فصل كامل يعبر عن ملكة الكاتبة فى الوصف والتحليل، بأسلوب شيق أقرب ﺇلى الشاعرية والغور فى الأعماق البشرية:
“هاجت شفتاي وماجت واستبدّ بي الشوقّ، كحبّات كرز توهّج فؤادها بحمّى الحبّ، وارتعاشة الخوف من عذابات الهجر ولوعة الإشتياق، رحت أهذي بعدما سدّدت لي طعنات حبّك”.. ص3
بتلك الجملة الطويلة وان بدت رومانسية شعرية وصفية، ﺇلا أنها أوجزت النص كله، هاهي “سوسن” تصل اليابان برفقة الأب الذي يعمل في مجال السياحة، تبلغ من العمر أربعة عشر سنة.. وتبدأ رحلة الوصف السياحي الجذاب لكل من لم ير اليابان أو بلاد الشمس في أقصى الشرق فى الكرة الارضية.
وتكبر سوسن، ومع رحلة الأيام يبدو اللون الأحمر رفيقا لها بدلالات متعددة ومختلفة، يبدأ ويتابع رحلته معها. فهي تعشق اللون الأحمر بداية، وكم تصف جمال الخدود بوهج الحمرة على بياض البشرة والشعر الناعم الأسود.. ما حدث أن تحول الأحمر رمزا للبهجة والحيوية والحياة بمعناها الرحب البهيج، تحول ﺇلى أحداث مفاجئة بدت مجهولة مثل نزيف دم العذراء وقلق الأم على ابنتها حتى تأكدت أنه من الطبيعي فى أن يحدث فى سنوات المراهقة وأبواب الأنوثة الناضجة.
ويجيء الأحمر الرامز، وتلك هي حكاية العروس “داروما”، تلك التميمة التى يحتفظ بها الصغير والكبير، من باب التقاؤل، وهو ما فعله بائع العرائس “توشيرو” عندما زارت سوسن المحل مع أبيها، فسألها عن أمنيتها لما تكبر، فأجابت تريد أن تصبح طبيبة، فكانت العروس المرتدية ملابسها الحمراء “داروما”، وان كانت صغيرة الحجم هذه المرة، فقد تحصلت بالشراء أو الإهداء ما هي أكبر حجما، فى كل مناسبة مفرحة وسعيدة، مثل
نجاحها والتحاقها بكلية الطب، كما نالتها مع تعرفها على صديقها فى الكلية.
اللافت هنا ويجب الاشارة ﺇليه أن الدمية “داروما” (الخشبية برداء ورقى أحمر)، لا تحمل أيدي ولا أرجلا، وهو ما يتقاطع مع الفتاة التى تتعرض لحادث سيارة يجعلها تصاب بشلل رباعي.. من أين التفاؤل والأمل من تلك الدمية التى بلا أياد وبلا أرجل؟ وهي الثيمة التى لعبت عليها الكاتبة بحيث تقاطعت مع الحادثة كما أشرت سلفا.
كما وأن اللون الأحمر هو لون ملابس الرهبان في تلك الفترة، والرهبان على تماس بالتمائم أو الدمى التى تكثر فى اليابان، وهنا فى دكان بائع الدمي المختلفة.
ثم ماذا واللون الأحمر ولد مع سوسن، فقد قالت لها جدتها أنها ولدت بغلالة حمراء على وجهها، وبدا وجهها محتقنا، وظلت هكذا محتقنة الوجة أثناء اللعب أو الخجل.
تمضي أحداث الرواية حتى تبلغ سوسن حوالى الخامسة والعشرين سنة، حيث تدور أحداث الأسرة خلال تلك الفترة، بعد التحاق سوسن بكلية الطب أن تتزوج أختها “ميرهان” الذى انقلب به أحوال الأسرة، نتيجة أفعال زوج الأخت، خصوصا بعد وفاة الأب.
لم تكن مأساة وفاة الأب هى الوحيدة فى حياتها، بل الفرقة بينها وبين أختها بسبب زوج الاخت، ﺇلى جانب أن تخلى “حاتم” الحبيب عنها وفض وعده بالزواج منها، أو حتى الاقتراب لمساعدتها في أزمتها بسبب رفض أمه لها.
تبقى الإشارة ﺇلى تلك النقلة التى تعد ضمن نبؤات الخيال العلمى فى الفصل التاسع عشرة، حيث يمكن رصده مع التصرف من النص كالتالى:
(فوجئت بالدكتور أمجد يحمل عروسًا، لم تكن غريبة عني.. سألته: نعم أعشق داروما، لكن لماذا تهدينني إياها، فلدي منها الكثير..؟
انتفض د. أمجد وصاح بجدية: – داروما لا تعبر عن العجز، أعلم أنها لا تستطيع السير.. يسكت قليلا ويداه تحملان داروما وراح يقول: هذه النسخة المعدلة من داروما، ستكون أقرب إليك.. اطلبي منها ما تشائين. ثم تركني ومضى. شعرت بالضيق، كنت فظة في حديثي، نظرت لداروما نقلت بصري بينها وبين الكوب الذي بجواري على الكمود، أشتاقت نفسي أن أفعل أي حركة بساعدي أو بقدمي لأول مرة منذ وقع الحادث لي، أشعر بتلك النبضات تسري في ذراعي قليلا، ترى هل هذه حقيقة هل استجبت للعلاج أم أنها تهيؤات؟ ناديت على “أمل” سألتها عن “أمجد” وجدته في الحال في غرفتي. رحت أقص عليه ما شعرت به، ومخاوفي ابتسم وقال: لا تخشي شيئا إذا شعرت بأي إحساس استجيبي له.
لكن ما يحدث لي الليلة لم أشعر به من قبل، فقد تمنيت أن أحرك قدمي وأسحب ساقي إلى أسفل السرير نظرت إليها وياللعجب شعرت بحركة طفيفة في يدي وقدمي صرخت: “إنني أستطيع أن أحرك يدي وساقي”
فقال د.”أمجد الطحاوي”: “السر في داروما المعدلة”.. الحركة يا عزيزتي عكس السكون، والحركة بالطبع تحتاج إلى طاقة فكان علي أن أتوصل إلى إمداد الجزء المصاب بطاقة حركة تكون بديلا عن العضلات. لقد ظللت سنوات طويلة أجري تجاربي على هذا الجهاز الصغير، لقد تم تركيب جزء مماثل له داخل جسدك ليحل محل العضلات التالفة سواء داخل الساقين أو الساعدين، إنها تشبه العضلات ويمكن أن تتحكمي فيها بسهولة.. كم أنا سعيدة اليوم يا دكتور “أمجد” هذا الجهاز منحني عمرا جديدا وطاقة مضاعفة).
هكذا عبرت أحداث الرواية عن بعض الأبعاد المختلفة، منها:
*البعد المعرفي وهو الخاص بالبيئة والجغرافية وبعض التقاليد والحياة اليومية باليابان، وهى من البلدان البعيدة، والتى نبهتنا تلك الرواية للبحث عن أسباب عدم حضور اليابان فى النصوص الأدبية العربية بالقدر المناسب.
*البعد اﻹجتماعي وهو ما حاولت الكاتبة تقديمه من خلال علاقة سوسن وحاتم حيث الخيانة فى الحب أو بمعنى آخر التخلي من طرف عن الآخر لسبب ما..
كما عالجت الكاتبة العلاقة بين الشقيقتين بلون ﺇجتماعى نتفق أو نختلف فيه، فهو دال ومتواجد الحياة الاجتماعية المصرية.
*ملامح السرد تغلب على أسلوبه الشعرية فى الفصل الأول بالكامل وبعض من الفصول التالية.. كما لا يبدو الأسلوب مملا نظرا للأحداث المتلاحقة والراصدة.. كذلك يغلب توظيف ضمير المتكلم ﺇلا من فصلين، وهو ما تبدو معه أكثر تشويقا لقربها من السرد السيري القريب ﺇلى وجدان القارىء.
أخيرًا تعتبر الرواية من النصوص الجديرة بالقراءة والرصد النقدي لحيوتها وتناولها اﻹجتماعي وملامح تناول الخيال العلمى فى الرواية.
***