في حقبة ما قبل الدولة السعودية الحديثة اهتم بعض الرحالة الغربيين بالمنطقة الوسطى في شبه الجزيرة العربية، وسافروا لاكتشاف الحياة في مدنها والتعرف على سكانها وطرقها وأسواقها، إلا أن المستشرقين الرحالة ممن وصلوا إلى منطقة نجْد كانوا قلّةً؛ وذلك لصعوبة السفر إليها والخطر الذي يتربص بكل من يحاول قطع صحاريها الواسعة، فاستعاض معظمهم بالرسم والكتابة لرصد مشاهداتهم وتوثيقها، إلى أن تمكنت مدينة الرياض من جذب المصوّرين إليها على الرغم من تلك المخاطر.
وذلك أثناء استعادة الملك عبدالعزيز رحمه الله لمدينة الرياض وشروعه بتأسيس الدولة السعودية، فكانت الرياض مقصدًا محفّزًا للمصورين الذين سعوا للتعرّف على الملك عبدالعزيز وتوثيق زيارتهم ولقائهم بهذه الشخصية الشجاعة. ومع هذا الدخول التاريخي للصورة، بدأت حركة التصوير الفوتوغرافي في العاصمة السعودية الرياض كأحد عناصر تدعيم المعلومة المقدمة من خلال العمل الإعلامي والثقافي الذي يتزامن مع الأحداث والوقائع، والأخبار، والتحقيقات الصحفية، والكتب والمجلات، والموضوعات العلميّة.
ومن ثم عرفت الرياض التصوير الفوتوغرافي بمفهومه الفنّي كوسيلة لالتقاط اللحظات المهمة والجميلة والاحتفاظ بها، فتأثر التصوير في منطقة الرياض بالبيئة الاجتماعية، وحمل موضوعات ذات مضامين تتمحور حول تراث نجْد، فتمكنت الصورة الفوتوغرافية من تجسيد ملامح الأصالة والعروبة والعادات والتقاليد النجديّة العريقة، وكانت انعكاسًا فنيًا لحياة الشارع ونمط معيشة الآباء والأجداد بأبعادها المختلفة في نجْد وتحديدًا مدينة الرياض، لتوفِّر بذلك أدلة مصوَّرة لمفاهيم التراث الشعبي والموروث الحضاري الذي عرفه هذا المجتمع في السابق.
يتأثر فن التصوير الفوتوغرافي بالطبيعة الصحراوية لمَنطقة الرياض، بتكوِيناتها ومعالمها الرائعة ذات المدى اللا محدود من مكامن الجمال الأخّاذة التي تجعل هواة التصوير توّاقين لاكتشاف أعماقها وأسرار سحرها. فأُضيف للصور الفوتوغرافية في المدينة طابع بيئي، يلتقط روح الصحراء الجذابة وملامحها العميقة الآسِرة، مما جعل تلك الصور الأكثر حضورًا وتواجدًا في المعارض الفنيّة والفوتوغرافية التي تقام في المملكة وخارجها.
وشهدت مدينة الرياض نموًا سريعًا وملحوظًا في مسيرة هذا الفن الذي واكب دخول المملكة مرحلة الازدهار، فتعددت موضوعاته وتطوّرت أدواته، كما توسع نطاقه ليَدخل عالم الإعلانات والتسويق في المدينة، حيث أصبحت الصورة الجزء الأساسي للمادة الإعلانية المعروضة على وسائل الإعلام المرئي التقليدي والرقمي. وتمكنت الصورة من أن تتكلم وتعبر عن الحدث الذي تمثله دون الحاجة إلى تدعيمها بالشروحات والنصوص.
إضافة إلى ذلك، فقد تأثر فن التصوير الفوتوغرافي بالتطور التكنولوجي وظهور الانتَرنت وانتشاره بشكل كبير، الأمر الذي غيّر في ماهيّة الصور الفوتوغرافية وأساليب التقاطها. كما شجعت النهضة العمرانية في مدينة الرياض المصوّرين والهواة على التقاط الزوايا الرائعة لمباني المدينة ذات التصاميم المعمارية المميزة، والمشاركة بهذه الصور في المعارض والمناسبات الثقافية التي تقام على المستوى المحلي والدولي، فأصبحت الصورة الفوتوغرافية الوسيلة الأكثر نفاذًا لإظهار ما تتمتع به هذه المدينة كمركز للفن والحضارة والثقافة السعودية.
وحظي التصوير السينمائي بجزء كبير من الاهتمام في المنطقة، إذ بدأ إنتاج الأفلام السينمائية والتلفزيونية السعودية مع مطلع الخمسينات، لتشمل أفلامًا قصيرة وطويلة تنوعت ما بين الروائية والوثائقية. وشهد الإنتاج السينمائي تطورًا ملحوظًا على مرّ السنوات، حيث بدأ المخرجون من مدينة الرياض بالمشاركة بأفلامهم في المهرجانات السينمائية وتمكنوا من حصد جوائز إقليمية وعالمية، وبدأ المهتمون بصناعة الأفلام بتشكيل منظومات متكاملة في الرياض وغيرها من المدن مجهزة بالمعدات اللازمة والبرامج والورش التدريبية لتنمية وصقل المواهب السعودية واستثمارها في إنتاج أفلام سينمائية عالية المستوى لتعزيز الحراك الثقافي والدفع بعجلة الحركة الفنية في المملكة. وشارك الفيلم السعودي عام ٢٠١٦ في أحد أهم المبادرات التي فتحت للانتاج السينمائي السعودي أبواب الوصول إلى العالمية، وهو مهرجان “أيام الفيلم السعودي” الذي أقيم في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية وجاء ضمن مبادرة مركز الملك عبدالعزيز السعودي العالمي التابع لشركة أرامكو، حيث شارك بالمهرجان سبعة أفلام سعودية قصيرة، ستة منها روائية وفيلم وثائقي، جسدت جميعها ثقافة المجتمع السعودي وقدمت انعكاسًا لواقع حياته.
تجمع الرياض اليوم عدد كبير من هواة التصوير الفوتوغرافي و السينمائي وعشاقهم المبدعين من الذين احتضنتهم المدينة ووفرت لهم المعاهد لدراسة أنواع التصوير وتنمية مهاراتهم وصقلها، إضافة إلى إنشاء مؤسسات وصالات عرض متخصصة بعرض هذه الفنون في العاصمة والتي ساهمَت بدورها في تأهيلهم للمشاركة في المسابقات والمعارض التي تجذب الزوّار والمهتمّين، إلى أن تخطت الأعمال السعودية جميع الحدود لتصل إلى المحافل الدولية، وتجعل من الرياض جميلةً بعيون مصوّريها عالميًّا.
مصادر ومراجع
كتاب الرياض تاريخ، تراث، ورؤية “المدينة الجميلة”.