اللون … هذا العنصر العجيب الذي نراه منذ ان فتحنا أعيننا على هذا العالم، أحسسناه و أدركناه قبل أن ندرك معاني الأشياء شكلا و مضمونا.
اللون كدلالة على المشاعر من أهم عناصر الأعمال الفنية اذ ارتبط اللون مع المجتمعات و تطور معها مُطوراً تعريفه للحالة و الشعور راسخا في العقل الباطن كرسائل مشفرة ترسل تنبيهاتها حالما يقع النظر عليه فهل يكون له هذا التأثير أيضا في الفوتوغراف؟
لاشك في أن التكوين و توازن الكتل و الخطوط من العناصر الهامة في العمل الفوتوغرافي لكن هذه التكوينات و الخطوط و الكتل تتحول إلى مجرد كتل صماء ان لم يكن اللون صحيحا في تسجيله أو في انتقائه و هذا ينطبق على الصور بالتدرج الرمادي فبعكس الدارج ظنا أن الصورة التي تحمل خللا في لونها يمكن اصلاحها بالتحويل إلى التدرج الرمادي أو كما يعرف ( الأبيض و الأسود ) فما التدرج الرمادي إلا انعكاس مقابل لكل لون بتدرجاته وصحة اللون تعني صحة مقابله في التدرج الرمادي و خير شاهد على ذلك أعمال الفنان آنسل آدمز الذي استطاع أن ينقل لنا مشاهد طبيعية آسرة للقلب و العين معا بالتدرج الرمادي رغم اعتماد المشاهد الطبيعية على الألوان بشكل كبير جدا و ذلك لوعيه وفهمه لطبيعة اللون و تأثيره و كيفية تسجيله بالطريقة المثلى ليخلق المقابل الرمادي المثالي له.
من هنا نأتي لجوابنا على السؤال المطروح: هل يملك اللون تأثيرا على الفوتوغراف؟
الجواب ببساطة : نعم يملك من التأثير ما لا يمكن نكرانه أو تجاهله فعدا عن ارتباط اللون بالتشكيل الكتلي و الخطي و الفراغي للعمل الفوتوغرافي لإنتاج عمل يطابق معايير الجمال العامة والخاصة بحسب كل مجتمع و زمن فإنه يملك القدرة على التأثير بالمشاعر و بالتالي خلق ارتباط عاطفي بين المتلقي و العمل الفوتوغرافي شكلا و رسالة بحيث يصل الخطاب البصري في العمل إلى المتلقي عقلا بتكوينه و ارتباط عناصره ببعضها، و قلبا بتحريك المشاعر و التأثير عليها لإيصال الحالة التي يريد المصور ان يوصلها من عمله و ما على المصور إلا أن ينظر حوله و يرى اللون في كل مكان و ارتباطه به و تأثيره على محيطه نفسيا و شعوريا فاللون مرتبط بالشعوب مذ خلقت و جزء لا يتجزأ من حضاراتها في أطعمتها و لباسها و سكنها و حلها و ترحالها و من ينظر جيدا يستطيع استقراء فلسفة اللون تبعا لمكانه و زمانه و تقليده و ثقافته ليكون رسولا للون ناقلا لثقافته و شعوريته أو يكون خلاقا منتجا لفكر و شعور جديدين تماما يُحمِلهما لرسائله اللونية في كل عمل ينتجه.
ولننتقل إلى الألوان بذاتها و لنتحدث قليلا عن طبيعتها و رمزيتها بإيجاب و سلب، و أول ما نستهل به هو تقسيمها حسب الطبيعة إلى تدرج حار و تدرج بارد، أما الحار فهو يحوي الأحمر و البرتقالي و الأصفر و ما ينتج عنها، بينما البارد يحتوي الأخضر و الأزرق و الأرجواني و ما ينتج عنها، ولدينا طرفا اللون الأبيض و الأسود.
كل لون يحمل معانٍ متعددة و أحيانا متضادة حسب موقعه و استخدامه و إليكم بعض الأمثلة:
الأسود:
يرمز ايجابا إلى : القوة – السطوة – الثبات – الرقي – الالتزام – الجدية.
يرمز سلبا إلى : العزاء – الحزن – الدراما – البرودة – الوحدة – الشر – الظلمة.
و نرى اللون الأسود متربعا على عرش الملابس مثلا المدراء يرتدون الأسود في استعراض للقوة و كذا رجال القوات الخاصة في استعراض القوة و السطوة و نراه أيضا في لباس الحزن و العزاء كرمز للحزن و الوحدة و الانكسار و نراه في الظلال رمزا للفقد و في لباس التخرج رمزا لثبات الخطوة.
الأبيض:
يرمز إيجابا إلى : البراءة – النقاء – النظافة – الانتعاش – الهالة البريئة الملائكية.
يرمز سلبا إلى : العمى – المرارة – البرودة – المسافات و البعد.
و نرى اللون الأبيض رمزا للبراءة و الأمان و الطهارة كما في فستان العرس و سياج المنزل الريفي و ملابس الأطباء و نراه أيضا قاسيا في لون الكفن و الضماد و مساحات الثلج و العواصف.
الأحمر:
يرمز إيجابا إلى : الحب – الرغبة – الإيروتيكية – السرعة – الشغف – القوة.
يرمز سلبا إلى : الغضب – عدم الصبر – العنف – الإكراه – الانتقام – الحرب.
يتميز اللون الأحمر بقدرته على إعطاء العناصر أو الرموز التي يرتبط بها عددا كبيرا من التنوعات الشعورية النفسية، فهو على وردة رمز للحب و على سيارة سباق رمز للسرعة و الجموح و القوة و على اليد رمز للخطيئة و الرموز و التعابير كثيرة و نستطيع ايجادها في محيطنا و في تراث الشعوب و ثقافاتها لذا يعتبر من أقوى الألوان و أقلها وجودا في الطبيعة و يتميز بسيطرته على المشهد حينما يوجد فيه و لا مجال لتجاهله في العمل إن وجد عدا عن أنه يملك تأثيرا قويا على الدماغ يحفزه على إفراز الإندروفينات الداخلية مما يعزز حالة النشوة عند الفرد.
الأصفر:
يرمز إيجابا إلى : الحذر – الإشراق – الذكاء – الفرح – التفاؤل.
يرمز سلبا إلى : الغيرة – الانتقاد – السخرية – الكسل.
لارتباطه بالشمس فإن اللون الأصفر يعتبر محفزا دماغيا و منشطا للأعصاب و دالا على المستقبل الواعد و التأثير الإيجابي و لذا نراه كثير الاستخدام في المجالات الإعلانية و نراه على المقابل مرتبطا بالمرض و الموت و الحسد فعلى عكس اللون الأحمر الذي يظهر على البشرة نتيجة محفز عاطفي نرى اللون الأصفر يقفز إلى الوجوه عند وجود حالة الخوف أو السلبية أو الغيرة و الحقد.
الأزرق:
يرمز إيجابا إلى : الهدوء – السلام – الحب – الراحة – الوئام.
يرمز سلبا إلى : الخوف – البرودة – الوحدة – الاكتئاب.
يعتبر اللون الأزرق أكثر لون موجود في الطبيعة ( السماء و الماء ) و يؤثر هذا اللون على الدماغ بتحفيز المرخيات الكيميائية و ذلك لارتباطه عاطفيا بالسماء الزرقاء التي ترمز لليوم المشمس الهادئ مما يعطي الشعور بهذا الصفاء و الراحة عند عرض اللون و على النقيض من ذلك لكونه باردا كلونٍ يمكن أن نراه رمزا للإكتئاب و الوحدة فالسعادة و الحب و التواجد مع الأقران ينتج عنه تفاعل شعوري يتمثل في الحركة و الطاقة التي ترمز لها الألوان الحارة بينما الجلوس وحيدا يعطي الحس بالبرودة و الازرقاق و الكآبة.
الأخضر:
يرمز إيجابا إلى : الحياة – الطبيعة – التكاثر – الاستمرار- الصحة – التناغم.
يرمز سلبا إلى : الحسد – الطمع – الجشع.
يعتبر اللون الأخضر ثاني أكثر لون منتشر في الطبيعة بسبب الغابات و النباتات و المروج و غيرها و يتميز عن باقي الألوان بأنه أكثر الألوان التي تستطيع العين البشرية أن ترى و تدرك تدرجاته و هذا يفسر لما حساسات الكاميرا قد صنعت من بيكسيل أحمر و آخر أزرق و بيكسلين خضر و ذلك لإنتاج تدرجات لونية كما تراها العين البشرية و لارتباطه بالطبيعة فإنه يملك تأثيرا نفسيا مهدئا و على النقيض من ذلك لارتباطه بالتكاثر والجشع فإنه يستخدم للتعبير عن الطمع كما يقال في الأمثلة الشعبية عن الرجل المزواج محب النساء ( نفسه خضراء ).
البرتقالي:
يرمز إيجابا إلى : المرح – الطاقة -الشجاعة – الثقة – الدفء.
يرمز سلبا إلى : الجهل – الدونية – البطئ.
يستخدم البرتقالي رمزا للانتقالية و التغيير كما نراه في أوراق الخريف و نجد له حالتين الإثارة و الحركة إن كان ميالا للأحمر و الهدوء و السكون إن كان ميالا للأصفر و رمزه للجهل و الدونية في كونه حالة وسط بين الأحمر ذي القوة و الأصفر ذي الإشراق اللعوب حيث انه يرمز بطبيعته الوسطية للحالة الإنتقالية أي أنه ليس حاسما كما يرمز لحالة الكمود كما في لون الجبال و الصحاري فما البني إلا تدرج غامق من البرتقالي.
الأرجواني:
يرمز إيجابا إلى : الملكية – الثروة – التكلف و الأناقة – التدين في الغرب.
يرمز سلبا إلى : الكدمات – التعنيف – الضرب و الاعتداء.
ارتبط هذا اللون برداء الملوك و الملكات و أوشحتهم لصعوبة تأمينه في الماضي و كان حكرا على الأثرياء لذا رمز إليه بالسلطة الملكية و الثروة و كذا الأمر مع الألبسة الكنسية و الوسائد و الأوشحة و يمكن لهذا اللون أن يكون محفزا او مهدءا تبعا لتدرجه و اشباعه، أما الناحية السلبية فهي غنية عن الشرح في ما يتعلق برمزه للعنف إذ من منا لم يره في كدمات الجسد.
في الخلاصة :
إذا أراد المصور أن يفهم المشاعر في التصوير الفوتوغرافي فعليه أولا أن يفهم اللون و يعامله على أنه حالة شعورية لا مجرد طيف ضوئي بلون معين فكما رأينا في الأمثلة أعلاه يمكن للون أن يأخذ منحا مضادا لنفسه حسب طريقة استخدامه و ارتباطه بالرمز المستخدم فيه و حسب الحالة الزمانية و المكانية و المجتمعية و العادات و التقاليد و حتى الرائج من صرعات العصر و الموضة، و إذا كنت عزيزي القارئ قد وصلت إلى هذه الفقرة فهذا يعني التزامك و رغبتك في نقل عملك الفوتوغرافي إلى مستوى مختلف فما رأيك أن تصور كل لون من الألوان التي ذكرتها على حدة دون النظر إلى العناصر لكن حاول أن تكون الصور تعكس الرموز الإيجابية تارة و السلبية تارة لكل لون، فخلق المشاعر في العمل الفوتوغرافي يعني أن تدخل إلى باطن عقل المتلقي الذي ترغب بالوصول إليه، مراعيا اختلاف الناس بتجاربهم الحياتية و النفسية و ارتكاسهم للون و لنذكر مثالا درسته في مادة علم النفس عن عروس هربت ليلة زفافها عندما رأت اللون الأحمر في غرفة نومها و السبب في أن والدتها كانت تبيع جسدها و حدث أن كانت موجودة في إحدى المرات و تعرضت والدتها للضرب و نزفت على ملاءات السرير فارتبط اللون الأحمر في عقلها الباطن مع ملاءات السرير البيضاء و الرجل بالعنف و الضرب و القهر مما دفعها للهرب دونما وعي منها للسبب، لذا كلما تعمقت في دراسة الحالة الشعورية و ارتباطها باللون كلما زادت قدرتك على تسخير اللون في أعمالك لتعكس الموضوع من مناظير متعددة و بالتالي ستلقى أعمالك قبولا و تكون ذات تأثير و ارتباط عاطفي أكبر بشريحة أوسع من المتلقين و من الأمثلة على ذلك نجد أكثر الصور التي تنال إعجابا على انستاغرام تلك التي تحتوي الأزرق لما تبعثه من احساس بالراحة و الهدوء تليها صور الخريف التي تعكس المزاجية العامة التي تعيشها المجتمعات من حالات انتقالية اجتماعية و ثقافية و سياسية متسارعة في زمننا هذا.
دمتم بكل الحب.
هيثم فاروق المغربي