نعيش اليوم ثورة فوتوغرافية تقنية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فمن تطور الكاميرات و مستقبلاتها الرقمية إلى العدسات المتنوعة و خصائصها الرائعة وصولا إلى سبل النشر الميسرة التي تتيح للمصور عرض أعماله متجاوزا كل العوائق من التكاليف المادية للطباعة و النشر إلى صعوبة التنقل بين البلدان فلايخفى علينا اليوم أثر مواقع التواصل في تقريب الرؤى و امكانية الوصول إلى جمهور يتناسب مع الفكر المطروح في الخطاب البصري لكل مصور و ارتباطها بالتطور السريع في المعدات الفوتوغرافية ، و يجب علينا أن نقف هنا وقفة بسيطة و نخرج من هذه الدائرة لنستطيع الحكم بشكل صحيح فكما لهذا التطور محاسنه و ايجابياته نجد كمَا من السلبيات و المساوئ التي إن حكمنا العقل فيها تجاوزناها لنستمتع بكل المزايا التي تمنحنا إياها هذه التطورات التكنولوجية، و أهم موضوع نتحدث فيه ابتداءاً هو عدة المصور و حقيبته:
في الحقيقة باتت حمى تطوير العدة هاجسا يطارد الكثيرمن المصورين آخذة جل تفكيرهم، فبدل أن يتطور المصور على صعيد التكنيك و الفكر بات يتطور على حساب العدة مما يعطي صورا مكررة بتناغمات لونية توافق أحدث الكاميرات و حدة في التفاصيل و عزلا غير مسبوق، إنما نجدها تخلوا من روح المصور ذاته و من فكره و رسالته التي يريد أن يوصلها للمتلقي و هو أمر لا يخلو من خطورة لما له من تأثير سلبي على التوجه الفوتوغرافي عموما ليكون التصنيف للمصورين ماديا على حساب العدة لا النتاج.
إذا كيف يمكن أن نتخلص من هذا الهوس و كيف لنا أن نستمتع بتجربتنا الفوتوغرافية دون إرهاق فكرنا بآخر الإصدارات و تكاليفها و نظرتنا لحقائب زملائنا و العبث بآلاتنا الحاسبة و استنزاف جيوبنا بلا طائل؟
فليجلس كل منا في مكان هادئ و ليمسك ورقة و قلما و ليكتب في رأسها ما يلي
أحتاجه / لا أحتاجه / استطيع دفع ثمنه
و قم بكتابة خصائص قطعة العدة التي تريدها واحدة تلو الأخرى جانبا و ضع اشارة تحت أحد البنود الثلاثة بما يتوافق مع حاجتك لترى حقيقة الوضع احصائيا لا عاطفيا فالخيار الذي يحوز نقاطا أكثر منطقيا هو الذي يجب أن يُعمل به، و على سبيل المثال لا الحصر سأذكر السيناريو التالي:
لنقل أني أمتلك كاميرا نيكون D700 و هي من كاميرات الإطار الكامل باثني عشر ميغا بيكسل و أرغب في التحديث إلى طراز نيكون D850 ذات الخمس و أربعين ميغا بيكسل مثلا…
و لتكن الرغبة في التطوير نابعة من الرغبة في امتلاك هذه البيكسيلات الكثيرة فماهي الميزات لهذه البيكسيلات و التي ستجعلني ادفع فارق المبلغ الكبير و التبديل إلى طراز أحدث؟
و اليكم الطريقة :
لماذا أحتاج عددا أكبر من البيكسيلات ؟
الجواب : أنا مصور إعلاني لشركات إعلانات طرقية تطبع بقياسات عملاقة؟
ان كان الجواب نعم فامتلاك هذه البيكسيلات الزائدة ضرورة حتمية لتطوير عملي لذا ستكون النقطة لصالح خيار ( أحتاجه ).
إن كان الجواب لا لست مصورا إعلانيا و لن أطبع بقياسات كبيرة فستذهب النقطة إلى خيار ( لا أحتاجه )
ولكن إن كان الجواب ( لا أحتاجها ) لكني أمتلك مالا يكفي لشرائها مما يلبي رغبتي في امتلاك أحدث الطرازات فهنا لا يسعنا إلا أن نقول بارك الله لك في مالك و ما تشتريه به.
من المثال السابق نجد أنه يجب على كل مصور أن يضع قائمة باحتياجاته و متطلباته ويقارنها مع ما يتوافر بين يديه من عدة وفي حال كانت عدته قاصرة عن تلبية احتياجاته فليبحث عن العدة التي تحقق هذه المطالب فإن كانت عدته الحالية تحقق ما يريد فما الجدوى من التبديل أو الشراء ؟ إلا إن كانت الغاية رغبة كما أسلفت في التباهي بامتلاك أحدث الطرازات.
و هذا الأمر ينطبق على شراء العُدد الجديدة أو تطوير و استبدال العُدد الموجودة بين يدي المصور.
في الختام و عن تجربة أحب أن أقول لكل الزملاء:
ليست العدة هي من يصنع المصور بل المصور هو من يجعل عدته على ضعفها و قوتها امتدادا له و أداة في التعبير عن فكره و فلسفته و رؤاه و كم من العظماء الذين أتحفونا بأعمال خالدة لم يمتلكوا من العدة إلا أقلها و أبسطها و إن ابداعهم المتمثل في تطوير ذواتهم و تقنياتهم و أسلوبهم في صياغة الخطاب البصري و توجيهه بالشكل الأمثل ليصل إلى متلقيه المنشود بكل وضوح و صدق و شفافية هو المفتاح الحقيقي لصندوق الكنز كما يقال.
لذا يجب على المصور أن يقوم بصقل أداته الحقيقية ( العين التي ترى المشهد و حواريته و عمقه و توناته و ظلاله ) و من خلفها فكره الذي يبحث في حنايا المكان و الزمان عن رسائل لا يستطيع أحد أن يترجمها كما المصور الفوتوغرافي الحقيقي، و لنترك العدة و العتاد إلى النهاية فما هي إلا وسيلة نترجم فيها فكرنا ليكون مقروءا بعيون الآخرين.
و دمتم بكل حب و إبداع
هيثم فاروق المغربي