مسير فريق دروب سوريا وفريق الفينيق
الروضة – قصر النمرود – ريف دمشق
الجمعة 13 أيلول 2019
—————————————————————————–
مسير الروضة – قصر النمرود
منذ حوالي عشرين عاما خلت، كان الوصول إلى منتجع “مونتي روزا” الذي يطل على بحيرة زرزر من جهة وعلى جبال لبنان الشرقية من جهة أخرى وعلى سهل الزبداني من جهة ثالثة ضرباً من الرفاهية وتدليل النفس سواءً بالاستمتاع بالسباحة في مسبحه الداخلي المدفأ شتاءً أو بجلسة مسائية في الفسحة السماوية صيفاً.
يوم أمس، وإلى الشمال من منتجع مونتي روزا، كان القصد. قرية الروضة التي تتربع على الطرف الغربي لسهل الزبداني على بعد 45 كم شمال غربي دمشق في حضن جبل شديد الانحدار طالما تطلّعنا نحوه في غروب أيام كنا فيها نتنزه في المصايف الشهيرة في الطرف الشرقي المقابل الذي يضم بلدات مضايا وبقين وبلودان وغيرها إضافة إلى نبع بردى في السهل.
انطلاقاً من الروضة كان الهدف الوصول إلى قمة الجبل أعلى القرية والذي يصل ارتفاعه إلى 1700 متر فوق سطح البحر ويضم موقعاً أثرياً له قيمته التاريخية الهامة هو قصر النمرود أو الديوان كما يسميه أهل الروضة.
من الدرج بمحاذاة الجامع القديم في الروضة بدأنا مشوار الصعود نحو القمة يتقدمنا بحماس لافت الأستاذ فاتح قائد الفريق. كانت البداية سهلة ولكن الصعوبة بدأت تزداد باطراد مع التقدم في التسلق نحو القمة. لادرب واضح نسلكه. كانت آثار بعر الماعز هي مانحاول تتبعه لأنها دليل على وجود مسلك يمكن أن يقودنا إلى هدفنا بشكل أيسر. كانت وعورة الجبل شديدة في أغلبها وهي مالم أكن قد هيأت نفسي لها وزاد من صعوبتها حرارة شمس يوم أيلولي هارب من عز الصيف.
الكثيرون من المشاركين كانوا من الهمة والنشاط بحيث تسلقوا الصخور بسرعة ورشاقة. كانوا يبدون لي كنقاط ملوّنة متناثرة على منحدرات الجبل تغيب أحياناً خلف الصخور وتظهر أحياناً أخرى مشيرة إلى بعد المسافة عنهم.
أستند إلى صخرة لألتقط أنفاسي في هنيهة استراحة أتطلع فيها إلى من غدوا في الأعالي وأقول: ياه!!! مازالت الطريق طويلة نحو القمة. أتراني أقدر أن أصل إلى هناك؟ أم أستسلم وأكتفي بما وصلت إليه. ألتفت إلى الوراء لأمتّع ناظريّ بالمناظر الرائعة أسفل الجبل وعلى امتداد الأفق البعيد وبالجبال العالية التي تحتضن المشهد برمته. بضع لقطات للمشهد وأعود لمتابعة التسلق بنفس جديد.
في مؤخرة المسير، كان الزملاء في غاية الهدوء والصبر لايستعجلون أحداً من المشاركين. كانوا يمدون يد العون بمحبة إلى كل من يحتاجها لتجاوز منحدر صعب أو عقبة تتحدى من لايملك لياقة عالية مثلي لعبورها حتى لو اقتضى الأمر أن يحملوا الحقيبة عنه أو عنها.
في منتصف الطريق نحو القمة، التجأت وعدد من الزملاء إلى الظل العزيز في هذا المكان وتوقفنا لاستراحة. كانت الأفكار تراود البعض بالبقاء في المكان لحين العودة، ولكن لم يدم التردد طويلا إذ قطعته الهمة المتجددة والرغبة في متابعة التحدي بالوصول إلى القمة. شربة ماء وحفنة من حبات زبيب ونعود معا لتسلقنا نتبع الآخرين.
كانت وعورة المكان تفرض الحذر في كل دعسة قدم. حذر يجعل من التمتع بالمشهد في الأعلى وفي الأسفل صعبا سوى بضع لفتات تقتنص فيها العين جرعة جمال تشكل حافزا وشحنة دافعة لمتابعة الصعود معلّلة النفس بأن المشهد سيكون أجمل هناك في الأعلى. رغم ذلك، في كل استراحة أثناء الصعود كانت الصعوبة المنتظرة في طريق العودة نزولاً هي مايشغل بالنا ويقلقنا.
في الفج الصخري الذي يفضي إلى بداية الصعود نحو القصر، يتوه بنا المكان لبرهة فنجد هناك من ينتظرنا في الأعلى بيد ملوحة بأن الطريق من هنا…أنتم بأمان. من هنا يبدو المشهد في الأسفل بجمال لايمكن أن يوصف وكأنك تنظر من طائرة.
نصل إلى القصر، الغاية المقصودة، مكان يصعب أن يتخيل المرء أن هناك من جاء إلى هنا ليبني ويعمّر ويتعبّد وليترك أثراً للأجيال اللاحقة يقول بأن الحياة تحد وإرادة في التغلب على الصعاب.
استراحة فيما توفر من ظل شحيح تشاركنا فيها بمحبة وطيب نفس ماحمل كل منا من طعام كان الحضور فيها مميزاً للسيدة أم سامر صاحبة الهمة العالية والكريمة كعادتها بما حضّرت من أطايب كبيبات السلق والكاتو. صورة جماعية للفريق ونتهيأ لمغامرة الهبوط تسبقها تعليمات وتنبيهات ضرورية للمشاركين من قائد الفريق حرصاً على سلامتهم ووصولهم إلى نقطة النهاية بأمان.
كان الدرب نزولاً من القمة أسهل مما توقعنا ربما لأننا تتبعنا مساراً سهلاً غاب عنا في مسير التسلق أو أن إحساسنا بأننا نترك ماكان صعباً وراءنا كان الحافز لنا للجري عائدين.
في نهاية مسار النزول، أتطلع إلى الجبل وأسأل: أحقا كنا هناك؟ نصادف قطيع الماعز العائد من المرعى وكأن الماعز تنظر إلينا باستهجان: أأنتم من كنتم هناك في الدروب العالية؟
هنا مع الفريق اكتشفت متعة من نوع مختلف ضاهت ما كنت أجد فيه متعة الرفاهية والدعة فيما مضى. في مشاويرنا مع الفريق أجد نفسي في كل مرة في تحد مع الذات تبقى فيه متعة المغامرة، متعة الصحبة الجميلة التي تجعل من المسير مهما كانت صعوبته متعة استثنائية تدوم لذتها في النفس والروح أزماناً مديدة.
شكراً فريق دروب سوريا. شكراً فريق الفينيق. شكراً للرائعين الذين جعلوا من هذا المسير تجربة لاتنسى…
-
Ahlam Sulman روعاتك صورة وكلمة… صباح الخير
-
-
Faten M Barakat والشكر لك لهذا التصوير والوصف الانيق ا. هشام المحترم
-