“مهرجان بيروت للصورة”: 600 عمل للاحتفاء بالعاصمة “مدينة الثّقافة”
الصّورة وحدها تتكلّم. تتوسّد ألوانها وتموّجات عناصرها مئات الحكايات. لكلٍّ منها خصوصيّته وقصّته. منها ما يحمل بشائر فرح، ومنها ما يختزل الأحزان. لكنّ مجموعة الصور التي تشكّل “مهرجان بيروت للصورة” تشدّد على أنّ بيروت ما زالت عاصمة إقليميّة ودوليّة للثقافة.
هو الأوّل من نوعه في لبنان والثاني في الشّرق الأوسط بعد “مهرجان عَمّان للصورة”. استطاع جمع عددٍ كبيرٍ من المصوّرين، المحترفين والهواة، تحت لواء “ثقافة الصّورة”، وبقي يتيم العنوان، بلا موضوع وصبغة تحتّم على المشاركين فيه العمل ضمن هامشٍ محدّد. فُتح باب الاشتراك أمام المصوّرين لمدّة 70 يوماً، تقدّم خلاله 678 مشتركاً من 36 بلداً حول العالم، قدّموا 3884 صورة، وتمّ اختيار 600 عمل أنجزه 122 مصوّر من مختلف الأعمار، ومنَ مختلفِ مدارسِ التصوير، نساء ورجالاً، عرباً وأجانب، ليتمّ عرضها في مناطق لبنانيّة متعدّدة، ابتداءً من الأوّل من أيلول، ولغاية شهرٍ واحدٍ.
تنوّعت المواضيع بتنوُّع الجنسيّات والاهتمامات والرؤى، بفعل الهامش الواسع الذي خلّفة شغور العنوان الموحِّد، بين صور طبيعيّة وفنيّة وأخرى صحافيّة – سياسيّة التُقطت خلال الحرب السوريّة، أحداث العراق الدّامية، حرب اليمن، وغيرها، وثالثة اجتماعيّة سلّطت الضوء على اختلاف الثقافات والهويّات في المجتمع اللبناني، وعلى مآسي بعض الشرائح المهمّشة في العالم العربي، والجوانب المشوّقة لبعض المجتمعات، الهنديّة على سبيل المثال… فالأهمّ من الصّورة الصّحافيّة كان تسليط الضوء على ما يمثّله هذا الاختراع من وسيطٍ بين مرسِل ومرسَل إليه، ولغة سهلة الفهم، ورسالة سهلة المنال. كما كان الهدف الأوّل للمهرجان إتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من الشّباب المغمورين لـ”تفجير طاقاتهم” والتّعبير عن رؤاهم وهواجسهم ضمن متنفّسٍ شاسع، قابل لاستيعاب أفكارهم.
تضمّنت اللّجنة التي أشرفت على اختيار الصور المشاركة في المهرجان مجموعة مصوّرين ونقّاد محترفين، عرباً وأجانب، غير القيّمين عليه، عملوا على انتقاء أكثر الصور كمالاً، من خلال تركيزهم على التّقنيّات المستخدمة لالتقاط الصّورة (الإضاءة، الأطر، الزّوايا…)، الهدف منها، قصّتها، وقعها في نفس المتلقّي وفكره…
خصّ المهرجان بعض المصوّرين المحترفين الذين اكتسبوا شهرةً واسعة طوال سنوات ممارستهم لشغفهم بمعارض خاصّة بهم، تتضمّن مجموعة صور متنوّعة لهم. كما اكتسب المشروع خصوصيّة معيّنة ترفع شأن المرأة وتثمّن دورها في المجتمع، تمثّل بمشاركة عدد كبير من السّيدات في المهرجان، وبإقامة معرضين استثنائيّين لمصوّرتين رائدتين، طوى الزّمن أثرهما جوراً، وهما المصوّرة العربيّة الأولى، اللبنانيّة الفلسطينيّة كريمة عبّود، والمصوّرة اللبنانيّة ماري الخازن. “استطعنا الحصول على أرشيف عبّود الخاص بالمشقّة وبجهدٍ كبيرٍ”، يقول مدير “مهرجان بيروت للصّورة” المصوّر رمزي حيدر بتأثّرٍ بالغٍ وضحكة عينين تنمّ عن فخرٍ لإيجاده “أثراً نفيساً”، ويتابع: “شكرنا الأكبر يعود لمؤسّسة عرجان العَمّانيّة التي سهّلت لنا التّواصل مع مالكي الأرشيف”. ويضيف: “ان المهرجان يقام بالتعاون مع وزارة الثقافة وبرعاية ودعم بلدية بيروت”.
فرحة الأطفال هذه تعاود تقبيل وجنتيه لدى حديثه عن معرضٍ خاص يضمّ مجموعة صور حصريّة تشكّل “مئويّة الوجود الفرنسي في لبنان”، وتُظهر جنوداً فرنسيّين في السّرايا الكبيرة ومحيطها، ستُعرض فيه أوّلاً، في التّاسع من أيلول، بالإضافة إلى معرضي الخازن وعبّود، ثم تنقل إلى الدّرج الروماني.
ستقام المعارض هذه في17 موقعاً ضمن نطاق بيروت، و3 مواقع موزّعة في حمّانا، صيدا وطرابلس، حيث تستضيف أسواق بيروت أحدها، بالإضافة إلى الدّرج الروماني، ساحة النّجمة، كورنيش عين المريسة، صالة المعارض في وزارة السياحة، المكتبة الوطنيّة، معرض بيت بيروت، مسرح المدينة، فندقين في شارع الحمراء، معرضين في منطقة الجمّيزة، معرضين في بدارو، وغيرها.
“تعرض في المهرجان مجموعة صور جريئة”، أسرَّ حيدر لـ”النهار”: “نحن أحرار ومؤمنون بحريّة الفرد، شرط ألّا نمسّ بحريّات الآخر”، يتابع داعياً الجمهور للنّظر إلى الصور كعمل فنّي يحمل “أبعاداً سامية” لا يجوز حصرها ضمن نطاقٍ حسّي مادّي. كما يحثّ محبّي الفنون البصريّة وبالأخص الملمّين بالصّور والتّصوير لحضور المعارض والتّقدّم من المشاركين بنقدٍ، سلبي أم إيجابي، حيث سيتيح المهرجان لهم لقاء المصوّرين والتّحدّث إليهم، مستفسرين عن أعمالهم ورؤاهم وعن الأفكار المراد إيصالها.
بين معارض ومتاحف وليالٍ ثقافيّة، تطلّ علينا بيروت “ستّ الدّنيا”، لتقول لنا إنّها ستبقى أبداً “ستّ الثّقافة”، زهرة لوزٍ يانعة، لا تملّ إبهار العالم بريادتها في صناعة الثّقافة واحتضانها.