(( قراءة نقدية للاعمال الفوتوغرافية الفائزة في (( المحور العام )) للمعرض السنوي الثاني والاربعون الذي اقامته الجمعية العراقية للتصوير / المركز العام , عام 2015 ))
مما لاشك فيه أن لكل فنان رؤيته , وكلٌ حسب ثقافته البصرية وتجربته العملية . وكذلك هو الحال بالنسبة للناقد رغم أن الأحساس بالاشكال مختلف وحسب تأثيراتها الانطباعية النفسية…والانفعالية والسايكلوجية على المشاهد إلا أن الناقد لديه فسحةً أوسع , لانه يستند على قواعد وأسس فنية أكاديمية معتمدة , وعلى الرغم من هذا , اود ان ابين وجهة نظري هنا بكل تجرد وحيادية , وهي بالطبع ليست ملزمة وليس بالضرورة ان تكون صائبة …..
لقد اطلعت مؤخراً وقبل عدة أيام على الدليل الورقي المطبوع للمعرض السنوي الثاني والاربعين الذي اقامته الجمعية العراقية للتصوير / المركز العام . ومن الطبيعي أن رؤية الاعمال مطبوعة على الورق ليس كمشاهدتها بحجمها الواقعي على جدران قاعة العرض .
عند قراءتي لكلمة الاستاذ هادي النجار رئيس الجمعية . وجدته قد لمح الى ان المشاركة لم تكن بمستوى المعارض السابقة . للاسباب والظروف غير المستقرة في البلد . واتفق تماما مع ما تفضل به بخصوص المشاركات كماً ونوعاً.
ومن هذا المنطلق اقدم قراءتي النقدية للاعمال الفائزة في (( المحور العام )) للمعرض .
عسى أن تكون فيها فائدة وتنصف بعض الاعمال المشاركة الاخرى . ومن الله التوفيق .
من خلال مشاهدتي للاعمال المشاركة المطبوعة في ( الفولدر ) وجدت صوراً عديدة قد بالغ مصوروها في المعالجة اللونية وغيرها من المعالجات في برامج ( الفوتوشوب ) فهل المسابقة سمحت بذلك ولم تشترط وجوب التقيد بتقديم صورةً فوتوغرافيةً خالصةً ونقية ؟ ولاحظت أيضا أن أحد المشاركين الفائزين يحمل إسمين على صورته الشخصية لصورتين مشاركتين مختلفتين بـ ( الفولدر ) نفسه احداها في المحور العام والاخرى في المحور الخاص ؟ فهل كان ذلك خطأً مطبعياً ؟ ام انه مقصود ؟ ولم أقرأ أيضا في الدليل بيانات المعرض وتفاصيله او اية عنونة للمحاور فما هو عنوان المحور الخاص ؟ . لكي اكتب رؤيتي على موجبه .
لقد أعتمدت على أن المسابقة شاملة بمحور عام غير محدد . ولم اكتب عن المحور الخاص لعدم معرفتي عن ما هيته او عنوانه !!! ؟
وأرجو أن يتقبل الزملاء المشاركون وادارة المسابقة بما فيها اللجنة التحكيمية . وجهة نظري فأنا اكتب بصفتي زائر يشاهد المعرض بذائقته البصرية الشخصية ويعكس رؤيته على الاعمال الفائزة وغيرها بكل صدق وحيادية وأمانة . ربما يتفق معي الكثيرون او يختلفون . غير انها مصارحة لابد منها وحرص واجب لغرض التقويم والارتقاء بالمستوى الفني الابداعي للمسابقة .. مع كل التقدير والاحترام …
1 – الجائزة الذهبية للمصور عباس الشيرازي – النجف
الصورة تنتمي الى المحور الصحفي بحكم موضوعها . لذا أود ان أبين هنا إن أهم ركيزه يستند عليها هذا المحور , هي الوضوح والمباشرة في الطرح المشهدي لموضوعة الحدث , أو نقل الخبر بشكل مباشر وصريح , وإن كان ذلك على حساب جودتها وعناصر الصورة الفنية الناجحة فيها مثل التكوين والانشاء وزاوية الالتقاط واللون وحتى الوضوح والدقة وغيرها من العناصر الجمالية في المشهد , أي أن الاهمية العظمى بالدرجة الاولى تكون للموضوع المراد ايصاله للمتلقي على حساب الشكل , وفي هذه الصورة أجد أن قيمة الموضوع غير واضحة الدلاله , لكونه غير كامل . فما الذي تبتغيه هذه المجموعة من الصبية بمد أكفها ؟ وبأي اتجاه ؟ ولماذا ؟ وأين الطرف الآخر من الموضوع الذي تتوجه نحوه ؟ هذا لو أننا أسلمنا بأن الصورة تنتمي للمحور الصحفي . أما إذا أردنا إدراجها ضمن أي محور آخر فاننا سوف نجد فيها الكثير من الأسباب التي تبعدها عن المنافسة . فهي تفتقر الى عناصر فنية مهمة كالمنظور أو التكوين أو الإنشاء المناسب ومن ضمن هذه الأسباب الفنية هوالخلل الواضح في عدم توازن الكتل ضمن الانشاء فان المساحة المعتمة اثقلت الشكل من الجهة اليسرى وكذلك الكتلة الكبيرة المشوهة من الجهة نفسها والبقعة الصغيرة من الأعلى فهي بمثابة كتل غير مبرره تشوش على عين المشاهد وتؤثر في الكادر سلباً .
اقدم اعتذاري الشديد للزميل المصور عباس شيرازي والى لجنة التحكيم المؤقرة …
2 – الجائزة الفضية للمصور حيدر مداوي – النجف
الصورة أقرب الى التراث أو محور الانسان والعمل أو تدمج المحورين معا .
حقيقة لم تكن صورة تقليدية . فلقد استخدم المصور عدسة لامة مناسبة لاحتواء المشهد بكل تفاصيله في الكادر باعتماده على زاوية مباشرة ولكن بمنظور شبه عمودي من الاعلى قليلا ولقد كان موفقا بذلك حيث انه جعل الانسان هدفه الرئيسي في الموضوع والقيمة المركزية ضمن الانشاء .
ورغم الفوضى التي تملأ المكان إلا أنني ارى ان للمنظور الفوقي اهميته العالية في الصورة لكونه اشرك كل التفاصيل في بناء الانشاء وملء الكادر . ولانه جعل كل هذه الادوات والقطع المعدنية بلونها الذهبي اللامع البراق تسحبنا كمشاهدين نحو الهدف ( الانسان ) والذي بدوره هو من شكل هذه الاجزاء وصنع هذه القطع المعدنية التي لا تعد ولا تحصى .
ان لون المعدن الذهبي الحار (Hot Colors ) هو الغالب بشكل عام . وهو كل ما يحيط الانسان باستثناء بعض القطع الزرقاء والخضراء وما يؤطر الكادر من الاطراف بلون غامق كظلال شكلتها الاضاءة المسلطه على المركز .
ومن البديهي ان الالوان الباردة (Cool Colors ) كألازرق والبنفسجي هي من الالوان المتضادة مع الاصفر الذهبي الحار ويكون فعل اللون هنا هو ابراز قيمة اللون الاخر من خلال التضاد ). Contrast Colors وبذلك يتوالد عنصر الابهار في الكادر وهو ما يشد عين المشاهد ويشبعها امتاعا بصريا . كما كانت قد وضفتها الحضارة الفرعونية لتمييز الفراعنة ووزرائهم والملكات عن غيرهم بوضع غطاء الرأس الذهبي المخطط باللون الازرق القرمزي ولقد بينتها بعض القطع الاثرية مثل تمثال الملكة (نفرتيتي ).
كان للتكوين (Composition ) في هذا العمل قيمة عالية ميزته عن الأعمال الاخرى وهو ما جعلني اعتقد ان هذه الصورة هي الاكثر اهمية من غيرها .
3 – الجائزة البرونزية للمصور علي كيتو – بغداد
أجد أن الصورة تحمل ضمن موضوعها ثلاث دلالات رمزية . الانسان , الطيور , القمح . هي بالتأكيد عناصر مشتركة تربط بينها الحياة . لقد توافق نوعا ما وجود كتلتين متوازيتين من حيث الثقل ومختلفتين من حيث اللون والشكل . وهما ايضاً جزءاً مهماً في بناء الفكرة والمضمون . مجموعة الطيور . ومجموعة الصحون المملوءة بحبات القمح , هو ارتباط وثيق ما بين عناصر تتفاعل لديمومة الحياة . أما عن مركز العمل وثقله الرئيسي . فهو وجود الانسان بالحيز الذي شغله في الكادر وأهميته القصوى أيضاً في المضمون . مع أنني أعتقد أن إتجاه وجه الرجل لم يكن بالقدر الذي يخدم المضمون لو أن نظراته المعاكسة ووجهه كان الى داخل الكادر وليس خارجه . اي ان نظرة الشيخ تسحبنا الى مركز العمل وليس الى خارج الاطار المستطيل .
لقد كان التوقيت مناسبا في الالتقاط بوجود الطائرواستيقافه هو يغطي مساحة مناسبة من الجدار الخلفي للمشهد وبعدم تجاوز المكان المرسوم له ببصيرة المصور . وان شكل الطائر لم يتاثر او يؤثر على التفاصيل الاخرى كأن يغطي جزء من مجموعة الطيورعلى الدكة او يتقاطع مع العمود .
لقد انسجم كثيرا وجود الطائر شكلا في هذه المساحة بالذات وخصوصا مع استخدام سرعة الغالق البطيئة نسبياً
لحيوية المشهد عموماً من خلال الحركة الظاهرة على اجنحته . ولو ان المصور استخدم سرعة ابطأ قليلاً مع الاخذ بنظر الاعتبار الاعدادات المناسبة لذلك . لكان من الممكن ان تكون حركة الطائر اجمل مما هي عليه الآن . واعتقد ايضاً ان الطرف الايمن من الكادر بما فيه الباب والمكنسة والطيور في الاسفل هي عناصر مشتته وليست ضرورية في المشهد العام ….
مع خالص التقدير والاحترام ..
4 – جائزة لجنة التحكيم للمصور زيد العبيدي – الموصل
الصورة بالاسود والابيض , وتملأ الكادر تفاصيل جميلة تمتع العين وتشبع المشاهد . اعتقد ان المصور قد التقط الصورة بالالوان ومن ثم احالها ببرامج المعالجة الى الاسود والابيض . ولقد كان موفقا بذلك . لان ذلك منحه حرية أكبر بتجاوز التوهج ( الابيض ) الحاصل على خلفية المشهد ( السماء ) وعمل على تظليل زوايا الكادر لحصر الموضوع في الوسط دون التأثير على عين المتلقي . ولقد اشتغل ايضاً على التباين ويتضح ذلك جلياً من خلال (Contrast Colors ) الذي أثر على تفاصيل الشجرة والزوايا السفلى من الكادر . لقد خدم كثيرا وجود الملابس على الحبال المتعاقبة لاعطاء المشهد المباشر تباينا متتابعا ومنح الشكل قيمة جمالية بتدرج التونات وعمق الميدان . ان اهم ما يميز هذا العمل هو توظيف تقنية سرعة الشتر البطيئ للتصوير الحركي (Action painting ) ليمنح الكادر حيوية من خلال جمالية الحركة فيه . وهي تقنية حركية جمالية داخل كادر ثابت اشتغل عليها كبار المصورين العالميين والمحليين ومن بينهم الفنان الفوتوغرافي محمد الجليلي وبرز حينها من خلال عمله الفائز بالجائزة الذهبية لنفس المسابقة في محور الصورة الفنية عام 2011 على ما اعتقد ولقد تأثر بعمله الكثير من المصورين الشباب ومن بينهم اكثر من مشارك في هذا المعرض بضمنهم زيد .
لقد استطاع المصور ان يستثمرحركة الاطفال في الكادر وبشكل جمالي ملفت للنظر .
على الرغم من انني اعتقد انه قد تاخر في الالتقاط . فلو انهم كانوا الى اليمين قليلا لكان التوزيع في الكادر على اجمل ما يكون ولاصبح امامهم مساحة تمنح المشاهد استمرارية للنظر وفسحة اوسع للتأمل . إلا انني اثق بأن مثل هذه اللقطات المتحركة يصعب احيانا التحكم بها .
5 – جائزة افضل مشارك للمصور ضياء عزيز – كربلاء
صورة مدروسة بعناية ومتقنة من حيث اللون والانارة وزاوية الالتقاط .
توظيف مصدر ضوء واحد من الاتجاه المباشر وللاعلى قليلاً على الموضوع ( الانسان ) ليمنحه ظلالاً هادئة على الجدار الخلفي ويظهر التفاصيل الجميله على طويات القماش . هذا التسليط للضوء يعتمد غالبا في المعاهد والكليات الفنية عند الطلبة لرسم محور الطبيعة الصامتة (Still Life
) واظهار جماليات تدرج الظلال والتونات التي يحدثها مسقط الضوء على الاشكال .
الملمس (Texture ) في هذا العمل على الجدار الذي يتكئ عليه الموضوع ( الانسان ) خدم كثيرا المشهد وخصوصا مع هذه الاضاءة الهادئة . التأطير الاسود الذي احاط الموضوع رائع ومناسب حيث انه ساهم باظهار صوفية المكان والتعبد . لقد كان المصور موفقا ايضا في منح الكتلة موضعها المناسب في الكادر بأعطاء مساحة اوسع من الامام .
من مقومات المعرض الناجح هو الحفاظ على المستوى النوعي للاعمال الفنية المشاركة . وإن كان ذلك على حساب الكم . فلقد خرجت العديد من الصور في هذا المعرض عن جذورها الفوتوغرافية الخالصة والنقية بسبب المعالجة التقنية غير المنطقية سواء كان ذلك بالمبالغة في الحدة أو الاشباع اللوني أو التلاعب بأجزاء من الصورة على حساب الكادر أو فشل التقاط الصورة بسبب الاعدادات غير المتوافقة واظهار نتيجة سلبية .
ملاحضة هامة جدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع غير مكتمل سوف يلحق في الجزء الثاني فيما بعد … مع التقدير
انورالدرويش
فنان تشكيلي / مصور فوتوغرافي/ ناقد فني