المثلثات في تكوين الصورة الفوتوغرافية؟.
من أفضل نقاط القوة للصورة الفوتوغرافية،وأقوى مفاهيمها،مفهوم التكوين (composition)1،بل قد يكون التكوين هو إكسير الصورة، في إظهار جمالية المشهد، وذلك لما له من ضرورة في قيادة عين المشاهد، وتنظيم الكتل وتوزيعها(بتوازن صوري)2خلاب،وكذلك يعبر عن شخصية المصور الفوتوغرافي نفسة، نعم هو كذلك، التكوين يصحر عن ثقافة المصور، ودرجة وعيه حين الالتقاط، واستيعابه للكادر المصور، وكشف مراده وموضوعه.
لذا نجد تميز المحترفين في هذا الأمر دون غيرهم من المبتدئين أمثالنا، ما جعلهم يدرسون المشهد والمنظور العام قبل أخذ الالتقاطة، ليختاروا التكوين الجذاب، والمميز، الذي يحتوي على ما لا يشاهده غيرهم .
المصور الناجح: “يرى ما لا يراه الواقف جنبه ، على الرغم من اجتماعهم بمكان واحد “
فمن الضروري أن يكون المصور ذكي، لفهم ما يصلح وما لا يصلح تواجده في اطار الكادر، واستغلال فهمة لقواعد التكوين المختلفة والمتعددة(3)،ومنها موضوع البحث ( الأشكال الهندسية – المثلث).
عموماً يكتنف هذه الخطوط والأشكال الهندسية،” جمالية تعبيرية، وإشارات نفسية، وانطباعات إيحائية، تصب في صالح العمل، والمتلقي“.
من هذا المفهوم سوف ننطلق لبيان المراد، من خلال الأمثلة، لتنجلي الصورة بأبهى حله.
غالباً ما تستخدم المثلثات في الصورة للدلالة على التوازن الصوري، وكذلك لها مدلول مثير للاهتمام، فإنها يمكن بسهولة، أن تستخدم لإعطاء الوهم مع عدم الاستقرار، وبالتالي إدخال التوتر في صورة ما، لإثارة جدل فكري، وتحفيز المتلقي لاستنباط أكثر من مدلول. سوف نتناول مدلولاتها أكثر في ختام البحث.
المثال الأول:
صورة للأستاذ رحيم السيلاوي، تميزت بتكوين فريد، متعدد الدلالة، كثير الأشكال الهندسية، استغل زاوية لو تمعنا فيها لوجدناها زاوية بمستوى النظر وهي شائعة، لكن الغريب فيها، أنها وثقت لحظة ، اكتسبت من القوة، ما صنع من الالتقاط مفاهيم متعددة، وافكار مفتوحة، تميزت بأهم شيء من قواعد التكوين ألا وهو البساطة.
(ينظر الصورة رقم1)
انقسم المشهد الى نصفين ذو اشكال هندسية مختلفة لكل منها تعبير بالتضاد عن الأخر، مستغلاً مصدر الإضاءة الذي رسم ظل وضوء مما أثر على كل الكادر.
|
المثلثات في تكوين الصورة الفوتوغرافية
ما الذي جلبه هذا الجمال الفوتوغرافي ؟!، والحس الخفي ، الذي يتطابق مع علم الهندسة وقياس الظلال، وكذلك علم النفس، ومدلول الألوان والأشكال المختلفة، وكيفية تولد الوهم وعدم الاستقرار والتوتر من خلال منظور الصورة .
|
أين يكمن السر ؟.
إنه المثلثات، التي أعطت توازن حسي لكل المشهد ، وفتحت أفاق اسئلة كثيرة، فسالت أودية ، يغترف منها كل عطشان ، حسب حاجته، وتقبله لفيض الصورة.
وبفضل الأشكال الهندسية خرجت من المألوف النمطي الى صورة ذات إرسال فني ينتمي لمحور التجريد الهندسي.
المثال الثاني :
صورة من موقع www.500px.com لبيان فكرة المثلثات واهميتها في إرسال اشاراتها الى المشاهد، وإيصال رسالة العمل بأبسط تكوين، وأهم خطوط دلالة من الأشكال الهندسية إلا وهو المثلث. ينظر الصورة رقم (2).
|
المثلثات في تكوين الصورة الفوتوغرافية |
قد يتبادر الى الذهن، كيف الحصول على المثلثات، او طريقة إيجادها حين التقاط صورة ما؟.
جواب هذا السؤال ليس بالصعوبة بمكان، فلو نظرنا الى ما حولنا بإمعان ونباهه ، وفهم لما نشاهد، ستجد المثلثات في السيارات والبيوت والأبنية والظلال والضوء و السلالم، فهي منتشرة في كل مكان، ما عليك سوى ان تنظر بعين عقلك وقلبك وروحك وإدراكك.
أوحت الصورة رقم (2) الى عدة مضامين منها، بيان جهة الإضاءة وهذا واضح من الظلال، وكذلك جهة سير الموضوع واستمراريته وهذا ظاهر من خلال رأس المثلث، فخرجت الصورة ذات تنظيم دقيق، وتوزيع كادر متوازي، واريحية للمتلقي،مع إشارات دلالية ما كانت لتكون لولا إستغلال الشكل الهندسي للمثلث .
المثال الثالث:
ينظر الصورة رقم (3).
تجلل المثلث من خلال هذه الصورة في أهم عنصر للتصوير ألا وهو الضوء ، بالعكس من المثال الثاني الذي اعتمد على استغلال المثلث المتولد من الظل.
|
المثلثات في تكوين الصورة الفوتوغرافية |
هنا أعتمد المصور الى استغلال المثلث الذي رسمة الضوء ، فوثق لنا لوحة فوتوغرافية ، غاية في الإتقان والجمالية، وهنا يأتي دور المحترف الذي يفهم المشهد بمجرد النظر الية، واستيعابه العقلي خلال فترة قليلة جداً، اذا ما علمنا ان هكذا لقطات لا تدوم طويلا ولا تأخذ من الزمن حيز كبير، ولك ان تفكر في سرعة البديهية التي يتمتع بها المصور المحترف والمخيلة الخصبة ، وشدة الملاحظة ، وضبط التكوين والتعرض السريع، حتى أن مدلولها الفني والجمالي زادت قيمته وصعد السرد البصري ذروته، وتخيل أنت ما تعني أشعة الشمس المنسدلة نحو الأسفل من مصدرها العلوي نحو الموضوع المتجه صوبها، لك أن تعيش في هذا الخيال وتخرج من قصة .
إن المثلث في الصورة الفوتوغرافية ، يعطي الفرصة لصورتك دون غيرها، وذلك لما تميز به هذا الشكل الهندسي دون غيرة من بقية الخطوط الدلالية، ويعطي انطباع الانسجام بين الكتل، لذا تجد أفضل المصورين العالميين، يفضلون التصوير بهذا التكوين” المهمل صراحة في عالمنا العربي، إلا ما ندر، وطبقه القليل منهم اليه”.
أهمية المثلثات ومدلولاتها في التصوير الفوتوغرافي.
1- تعطي توازن صوري مريح لعين المتلقي، من غير نفور أو امتعاض من المشهد. وهذا الشيء يجعل من صورتك اقرب الى الفوز في المسابقات.
2-كاشفة عن ثقافة المصور الفوتوغرافية، وحذاقته.
3- الأثارة والتحفيز، وذلك لغرابتها وترك الانطباعات المختلفة .
-4تجذب المتخصصين في التصوير الفوتوغرافي،لما تتميز من غرابة الزاوية والموضوع، وفرادته.
5-ايصال الفكرة والموضوع بأقصر طريق.
6- خلق علاقة بين العناصر المتواجدة داخل الإطار.
7- ليس بالضرورة أن تكون نقاط المثلث الثلاثة ظاهرة وبينه في الصورة، بل يكفي رأس المثلث لبناء المشهد. ولا نحتاج الى البحث عن الشكل الضمني للمثلث.
8- نستطيع اثارة المتلقي لجمعها المتناقضين، الاستقرار، وعدمه، والتوتر، والانسجام، وهذان العاملان لا يتواجدان في الخطوط الأخرى (العمودية، والافقية، والمنحنية، والمتعرجة ) إلا في المثلثات.
9- تتولد اشكال هندسية أخرى (مربع ومستطيل ودائرة) حين تختار نمط المثلثات، وهذه الميزة لا نستطيع الحصول عليها لو تم اختيار الانماط الاخرى من الخطوط الإرشادية .
10- إعطاء فخامة واهتمام اكثر لأصل الموضوع في الكادر ، وحصرة وتأطيره بخطوط حقيقية متولدة من الظل والضوء ، أو وهمية من خلال الرسم الذهني.
الخلاصة :
التصوير لا يتوقف عند مفهوم بعينه ، ولا يلتزم بقاعدة دون غيرها ، لكن ؟.
الفهم الواعي للمشهد ، واستغلال القواعد التكوينية، وتسخيرها لإبراز الفكرة والموضوع ، وتجلى الجمال والإبداع لنفس المصور والمشاهد ، هو ما يجب الحرص عليه.
فالله سبحانه خلق هذا الكون البديع بنظام وانتظام ، لا عبث فيه ، بل نرى الوجود كل شيء موزون فيه، متناسق ، منسجم ، معبر عن عظمة بديع السموات والأرض.
فحري بنا أن نتعلم من هذا التنسيق والانتظام .
قال عز من قائل{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ }الحجر19
موزون معلوم ومقدر : اي علم، وترتبت على هذا العلم القدرة.
“حتى لفظ رواسي ، توحي الى خلق التوازن والاستقرار بين مساحات الأرض“.
وهذا ما نريد ان نصل اليه ، سلاح المصور العلم والمعرفة والثقافة والإلمام ، ثم يترتب على هذا كله، القدرة على إخراج صورة ذات ثوب قشيب يسر الناظرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- التكوين هو وضع وترتيب العناصر المرئية أو مكونات العمل الفني ،بتنظيم حسب القواعد الفنية.
2- التوازن الصوري:”ينبغي أن نحرص على تحقيق التوازن الصوري في اي تكوين.
والتوازن، لا يعني التشابه بأي حال من الأحوال بين الكتل، أو المساواة الكاملة بين شيئين، أو التماثل الكامل. ويمكن تحقيقه داخل الإطار من خلال أ- حجم الموضوع داخل الإطار، ب- علاقة الموضوع بما يحيط به، ج- توزيع الإضاءة والظلال والألوان ودرجة الانسجام بينهما”( اقتباس من محاضرة الأستاذ القدير ثامر جعفر، في الجمعية العراقية للتصوير).
3- اختلفت الآراء حول عدد قواعد التكوين، فمنهم من جعلها عشرة ، ومنهم من جعلها (50)، ومنهم تأرجح بين الرقمين. على العموم هناك أساسيات ارشادية مهمة للمصور يجب عليه تعلمها وفهمها وتطبيقها، وعند تطور ملكته يستطيع كسرها في بعض الحالات الخاصة.
حسين نجم السماوي