نتابع في الحاجة السادسة للطفل وهي الحاجة الى الدواء والعلاج – واليك أخي القارئ مثالا على تعامل ممعن في الدلال والشطط من قبل أهل مع طفلتهم خلال مرضها ثم استمر الاهل في هذا التعامل بعد شفائها من المرض بسبب ظهور آثار سلبية دائمة نجمت عن المرض ؟
ولنلاحظ كيف أن هذه المعاملة الخاطئة أدت الى آثار كان الاستمرار فيها سيؤدي إلى ضياع شخصية هذه الطفلة المسكينة :
الطفلة فاطمة : أخت لست بنات هي الصغرى بينهن – أصيبت بالتهاب سحايا في طفولتها المبكرة , مما أدى الى تخلفها النسبي عن مثيلاتها في مجال النطق قبل المدرسة – ومن ثم في المدرسة حيث كانت متخلفة عن زملائها في الكتابة والقيام ببعض الواجبات المدرسية ؟
منذ اصابتها المرضية تلك أحاطها الاهل بحنان ورعاية شديدين , واستمر هذا بعد شفائها حيث كانت لها معاملة متميزة عن باقي أخواتها , وقد أدى ذلك الى الاكثار من طلباتها , والتي كانت في مجملها زائدة عن الحاجة وغير منطقية , وكان الاهل يلبون أغلب طلباتها , رغم معرفتهم المسبقة بعدم فائدتها بل بإمكانية ضررها ؟
بداية تعرفي اليها عندما أحضرها أهلها لتسجيلها قسم الروضة في مدرستي الخاصة والتي كنت أجري فيها دراساتي الميدانية التربوية –
وقد لاحظت من الدقائق الاولى لرؤية البنت أن لها تصرفات وأفعالا تعبر عن شطط زائد تلقته في البيت ؟
قمت بمحاورة الاهل في مشكلتها ووجدتهم جميعا حتى أخواتها ينظرون اليها وكأنها تحتاج الى شفقة زائدة , ويعتبرون أنفسهم مقصرين بحقها , إذا لم يقدموا لها هذه العاطفة الزائدة ؟
أوضحت لهم أن استمرارهم في معاملتهم هذه لطفلتهم , سيسبب لها مشاكل لها اول وليس لها آخر ؟
إنها مضطرة في حياتها المقبلة للانتقال الى الشارع والمدرسة والجامعة ( اذا تحسنت أوضاعها الصحية ), ومن ثم في وقت لاحق الى بيت الزوجية , وبناء علاقات اجتماعية ؟
فهل يمكن لكل من ستلتقي بهم في كل تلكم الاماكن أن يعاملوها بنفس الطريقة التي يعاملها بها اهلها ؟
حتما لا ! بل بالعكس من ذلك ستجد ردود أفعال مختلفة متفاوتة , سيكون ابسطها ابتعاد الآخرين عنها وعدم التعامل معها , وقد تصل بعض ردود الافعال الى الخلاف معها , أو غير ذلك من أمور يصعب التخلص من تبعاتها إلا بعد دفع ثمن غالٍ ؟
كان بود الاهل – بل طلبوا في البداية مني أن تكون لابنتهم معاملة خاصة كما كانوا هم يفعلون في البيت !
طلبت الى الاهل أن لا يتضايقوا من معاملتنا السوية (العادلة مع زملائها ) إذا كانوا يرغبون في استمرار دوامها في الروضة , لأننا لا نستطيع أن نكيل بمكيالين فجميع الاطفال ابناؤنا , ولأنني مقتنع بأنني أسيء اليها قبل غيرها عندما أعاملها كما يعاملها أهلها بتربية الشطط ؟
بل طلبت منهم أن يبدؤوا بالتخلي [ تدريجيا ] عن دلالهم الزائد لابنتهم , لانهم لو تخلوا عن هذا الدلال الزائد [دفعة واحدة ] فسوف تكون النتائج سلبية بالطبع ؟
استمرت اتصالاتنا وكان الاهل متجاوبين مع نصائحنا وتتابع تحسن الطفلة فاطمة , واقتربت في سلوكها من الوسطي لأمثالها من حيث العمر من أطفال الروضة ؟
مثال آخر عن طفلين كانا من عداد اطفال مؤسستي التربوية وكانا في قسم الروضة – وكانا أيضا بالصدفة التي قد لا تتكرر في نفس العام الدراسي وفي آن معا ( الطفل ماجد – والطفل محمد خليل ) كلاهما اجريت له عملية قلب مفتوح ( فعلا هي صدفة غريبة وهما ليسا أخوين أو قريبين –
ونحن في مجتمع نتخوف فيه في ذلك الزمن منذ ربع قرن – نتخوف من كل مرض له علاقة بالقلب , فكيف إذا كان عملية قلب مفتوح ؟
لقد كان هذان الطفلان من أكثر أطفال الروضة شغبا وشططا , ورغم كون عمليتهما ناجحة ووضعهما الصحي طبيعيا جدا , لكن اهليهما كانوا مازالو يتعاملون معهما كمريضين بمرض خطير , وأنه يجب عدم المساس بمشاعرهما ؟
وفي وضع كهذا كان موقفنا غاية في الاحراج وخاصة لكونهما متميزين في شدة الشغب والعدوانية مضاف اليها الشطط , وفي نفس الوقت مطلوب منا عدم جرح مشاعرهما ؟
وقد تمكنت من التخلص من أحدهما بشكل لبق حيث اقنعت والده بتسجيله في روضة أخرى بسبب تعارض التوقيت في نقله بالسيارة عند الانصراف ظهرا مع رغبات توقيت أهله المطلوب ؟
أما الآخر فقد استطعت إقناع والدته بالسماح لنا بالتعامل معه تعاملا طبيعيا , وفي الوقت الذي كنت أكتب فيه هذه الفقرة جاءني هاتف من امه تشتكي فيه من ضرب أحد الاطفال لابنها بالأمس !
وقد شرحت لها السبب وهو : ان ابنها لا يترك أحدا من شره – وعندما يجد الاطفال أن زميلهم محمي بعدم جرح مشاعره – فلا يبقى أمام الاطفال إلا أن يقتصوا منه بأنفسهم , وقد اقتنعت بما وضحته لها ووعدتني بالمساعدة في البيت في توجيهه وتأنيبه لعدم تكرار ذلك , وأن تزور الروضة قريبا للتشاور في أفضل السبل لإعادته الى الطريق السوي البعيد عن الشطط والذي كان نتاجه العدوانية , وأن نتشاور ونتعاون باستمرار كي نتجاوز تبعات ما قامت به الاسرة من إفساد لتربية طفلها في مرحلة المرض وما بعيد المرض أيضا ؟
لقد أوردت هذه الامثلة كي أذكر الاهل بعدم الانسياق وراء عواطفهم عند التعامل مع طفل يخضع للعلاج أو يعاني من نتائج إصابة ؟
إن هذه المرحلة ( أي فترة المرض أو الاصابة ) تجعل الطفل أكثر نزقا وعصبية تبعا لعدة عوامل : بدءا من شدة الاصابة أو المرض ومدى الالم , فالحرق البسيط لا يسبب نزقا كحرق كبير وهذا ينطبق على الكسور والأمراض ؟
مع تحيات فريد حسن