ما بين عامي 1789 و1799، عاش الفرنسيون على وقع ثورتهم التي شهدت خلال سنواتها الأولى العديد من الأحداث المتسارعة، كسقوط الباستيل (Bastille) والزحف على فرساي والهروب نحو فارين واجتياح التويلري وإعدام لويس السادس عشر.
وخلال تلك الفترة، لعب العديد من الشخصيات الفرنسية، من أمثال جورج دانتون وماكسيمليان روبسبيار وميرابو وجان بول مارات وجاك بيار بريسو وجان سيلفان بايي دورا هاما في إنجاح الثورة، قبل أن تهوي المقصلة على رؤوسهم خلال عهد الرعب، الملقب أيضا بعهد الإرهاب، ما بين عامي 1793 و1794.
وإضافة لكل هذه الأسماء التي عرفت نهاية تراجيدية، يبرز اسم كامي ديمولان (Camille Desmoulins)، فعلى حسب العديد من المؤرخين، لعب الأخير الدور الأهم في إشعال فتيل الثورة الفرنسية، قبل أن يقطع رأسه مطلع شهر نيسان/أبريل سنة 1794 خلال فترة الجمهورية الأولى.
رجل يوم 14 يوليو
في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً من يوم 12 تموز/يوليو 1789، أقبل المحامي والصحافي الفرنسي، كامي ديمولان، مسرعاً نحو مقهى دي فوي (Café de Foy) بقصر الكاردينال، المعروف أيضا بالقصر الملكي، قادماً من قصر فرساي ليصعد فوق طاولة ويباشر بإلقاء كلمة حماسية.
ومن خلال خطابه للجماهير، أعلن ديمولان عن طرد الملك لويس السادس للوزير جاك نيكر المقرّب من الشعب، وخيانة الأرستقراطيين للوطنيين مؤكداً على استعداد القوات الأجنبية، السويسرية والألمانية، الموالية للويس السادس عشر لمغادرة ساحة شون دي مارس (Champ de Mars) لقمع الاحتجاجات بالحديد والدم.
وأمام هذا الوضع، طالب هذا المحامي والصحافي الشاب البالغ من العمر حينها 29 عاماً، أهالي باريس بحمل السلاح وأشهر مسدسه في وجه عدد من رجال الشرطة الحاضرين على عين المكان معلنا عن استعداده للموت.
في الأثناء، لعب هذا الخطاب الحماسي الذي ألقاه كامي ديمولان دورا هاما في تغيير مستقبل فرنسا، فأثار غضب الباريسيين الذين لم يترددوا في الحصول على البنادق من منطقة ليزانفاليد قبل التوجه نحو سجن الباستيل للتزود بالبارود يوم 14 تموز/يوليو 1789 لتشهد فرنسا خلال ذلك اليوم حدثا هاما، سمّي بسقوط الباستيل ومثّل نقطة اللاعودة في مجريات أحداث الثورة الفرنسية.
وبسبب كل هذه الأحداث لقّب العديد من المؤرخين كامي ديمولان برجل يوم 14 تموز/يوليو.
عهد الرعب
خلال نفس العام 1789، باشر كامي ديمولان بطباعة صحيفته التي حملت عنوان Les Révolutions de France et de Brabant وقد استمرت هذه الصحيفة لحدود شهر تموز/يوليو 1791، قبل أن يتم حظرها عقب أحداث شون دي مارس. أيضا، حصل ديمولان ما بين عامي 1792 و1794 على منصب نائب لمنطقة السين بالمجلس الوطني، وصوّت على قرار إعدام الملك لويس السادس عشر.
سنة 1793، أدان ديمولان واقعة إعدام النواب الجيرونديين، ونقد أتباع السياسي جاك رينيه إيبير (Jacques René Hébert) بعد اتهامهم بالحياد عن الثورة وقيادة فرنسا نحو حمام دم، كما أسس بمساعدة صديقه جورج دانتون جريدة Le Vieux Cordelier، والتي اعتمدها لحشد الرأي العام ضد أعمال العنف والإعدامات التعسفية التي عرفها عهد الرعب.
“رسول الحرية”!
أواخر شهر آذار/مارس 1794، أمرت لجنة السلامة العامة الفرنسية باعتقال أتباع جورج دانتون، وعلى رأسهم كامي ديمولان، وقد جاء اعتقال الأخير عقب موافقة صديق طفولته ماكسيمليان روبسبيار، عضو لجنة السلامة العامة، على ذلك.
ومطلع شهر نيسان/أبريل من نفس السنة، مثل هؤلاء المتهمون أمام المحكمة الثورية والتي لم تتردد في إصدار أحكام بالإعدام ضدهم.
أعدم كامي ديمولان بالمقصلة رفقة جورج دانتون يوم 5 نيسان/أبريل 1794، وعند وقوفه أمام المقصلة قال ديمولان كلمته الشهيرة: “هكذا يجب أن يموت أول رسول للحرية”، كما قدّم للجلاد سانسون (Charles-Henri Sanson) خصلة من شعر زوجته وطلب منه أن يرسلها لأمّها.
وقد فارق كامي ديمولان الحياة عن عمر يناهز 34 سنة، وبعد 8 أيام فقط لحقت به زوجته لوسيل ديمولان نحو المقصلة فأعدمت يوم 13 نيسان/أبريل 1794، بينما لم يتجاوز سنّها 24 عاما بعد اتهامها بتدبير مؤامرة ضد الجمهورية.