في مرحلة أو أخرى من العقد الأول للألفية الثانية كنا جميعاً مصوري شارع؛ إلا أنه، سابقاً، وحتى العام 1838 لم يكن أحد بهذه الحال، وفقط ذاك العام حين لم تكن كاميرات الهواتف أمراً يمكن مروره في الحلم، إلى أن التقط لويس داجير، مخترع عملية الداجيرية وأحد آباء علم التصوير، أول صورة فوتوغرافية للبشر. وهكذا أصبح أول مصور شارع، التقط بعدسته لا صورة شخص فحسب، بل صور الحياة الحضرية المحيطة به، والتي كانت في تلك الحالة صورة «بولفارد دو تمبل» في باريس.
وبدأت مع صورة داجير الرحلة التاريخية الممتدة على 181 عاماً من تصوير الشارع، وهي عبارة عن صورة لكل سنة ترافقها في الخلفية أغنيات تتناسب مع حقبة التصوير.
ومنذ فجر تلك الممارسة أظهر تصوير الشارع الحياة، كما كانت تعاش في الواقع. فكما ذاك الباريسي الوحيد الذي ظل واقفاً باستقامة، منتظراً بما يكفي لأن تلتقط العدسة صورة له، كان الناس الذين يظهرون في الصورة منشغلين باهتماماتهم لا يعنيهم إطلاقاً، بل لا يعون أصلاً، أنهم يتصورون.
أقدم الصور مسرحها أوروبا، ميدان ترفلغار أو الطرف الأغر في لندن ومتحف كوبنهاغن، وشارع فيا دي ريبيتا في قلب روما، إلا أنه مع انتشار التصوير اتسع نطاق تصوير الشوارع، ودخلت المدن المتحولة إلى صناعية سريعاً في أمريكا والإمبراطورية البريطانية سابقاً إلى الحراك لتبدأ بعد عقود قليلة صور من آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط بالظهور.
كل من الصور الـ181 التقطت لسبب ما علماً أن معظمها مجهول بالنسبة لنا، إلا أن بعض الصور تبرز السبب جلياً، سيما تلك التي تظهر نتائج كوارث ما كحريق مونتريال عام 1858، والانفجار في سيدني عام 1866 وفيضان بيتسبرغ عام 1784، وإعصار سان فرنسيسكو عام 1906 وانفجارات نيويورك عام 1920.
كل من تلك الصور تروي حكاية لحظة من حياة مدينة، كما تخبر قصة مدينة بحالها كما دأبت أن تفعل على مدى قرنين من الزمن. وقد تطورت بكل الاتجاهات لتشمل تعداد السكان المتزايد وتقنيات المواصلات والمساحات كالميادين ودور السينما والمقاهي وفوق كل شيء أشكال الحياة البشرية المتنوعة المتناغمة في السياق.