في عرض أولي خاص في بيروت، حصد الفيلم الوثائقي (مجانين حلب) الكثير من الدموع والهتافات، من جمهور أطلق العنان لمشاعره تفاعلًا مع مشاهد الحياة اليومية القاسية، في آخر مستشفى تحت الأرض واصل العمل في مدينة حلبالسورية أثناء الحصار.
وجاء عرض الفيلم ليل أمس الجمعة، في إطار الدورة الرابعة لمهرجان الأفلام (ما بقى إلا نوصل) الذي يتناول قضايا حقوق الإنسان والهجرة.
ويقدم المهرجان الذي تنظمه مؤسسة (هاينريش بل) الألمانية المستقلة في بيروت في الفترة بين 13 و16 حزيران/يونيو الجاري 11 فيلمًا من دول عربية وأجنبية تتقصى وقائع الهجرة وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط والعالم.
وعرض فيلم (مجانين حلب) في صالة عرض (متروبوليس) التي تعنى بالأفلام المستقلة.
ويوثق العمل على مدى 90 دقيقة الحياة اليومية القاسية والمليئة بالمواقف الإنسانية في مستشفى القدس، وهو آخر مستشفى تحت الأرض واصل العمل في حلب بين عامي 2015 و2016 .
ويظهر الفيلم تمسك المصور الفوتوغرافي عبد القادر حبق، الذي يعيش مع الدكتور حمزة الخطيب وفريق عمله الصغير، بالبقاء في المدينة المحاصرة واستقبال آلاف المدنيين لعلاجهم والتأكد من سلامتهم.
والفيلم من توقيع المخرجة والمراسلة لدى هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في بيروت لينا سنجاب.
وانطلقت المخرجة من مئات اللقطات التي صورها عبد القادر حبق لتقديم فيلم يمزج ما بين الشريط الوثائقي والرواية المرئية التي تنطوي على شخصيات حقيقية، يتابع المشاهد يومياتها ويتفاعل مع تشعبات حياتها ومواجهاتها المستمرة مع الموت والدماء وعمليات الإنقاذ وسط ظروف بالغة القسوة.
ويتنقل الفيلم ما بين الحزن والخوف واللحظات المرحة العابرة بتعبيرها الصادق عن الأمل، والإصرار على المقاومة والمثابرة في مساعدة المحتاجين.
وحضرت سنجاب وحبق العرض الأولي، وفي جلسة نقاش بعد الفيلم وجهت المخرجة التحية إلى حبق على عمله الشجاع قائلة: ”لفتتني علاقة كاميرا حبق بين الداخل والخارج.. داخل المستشفى تحول إلى أكثر من مصور يوثق اللحظات، وأمسى مساعدًا وجزءًا محوريًا من الحكاية الداخلية التي كانت حوادثها تدور في المستشفى، وكانت آلة التصوير لا تهدأ حركتها، أما خارج المستشفى صارت الكاميرا أكثر ثباتًا واللقطات أكثر وسعًا، وصار البورتريه للمدينة مغايرًا عمّا كان يحدث داخل المستشفى“.
من هنا بحسب ما أكدت سنجاب ولدت فكرة العلاقة بين الداخل والخارج، الأشبه بنافذة يتابع من خلالها المشاهد الأحداث في حلب، وأيضًا التغيرات التي تطرأ على حياة الشخصيات عندما غادرت مدينتها وحان الوقت لمواجهة ذكريات ما حدث.
ولهذا السبب ينقسم الفيلم إلى جزئين، أحدهما داخل حلب، والثاني خارجها لدى وصول الشخصيات المحورية إلى بر الأمان، وإلى المدن التي ستعيش فيها حياة جديدة وهي تروي لسنجاب الحياة في حلب أثناء الحصار بعد أن أصبحت تجارب الأمس ذكريات اليوم.
أما حبق فقال: ”إن العلاقة بين المصور وآلة التصوير تبدأ في اللحظة التي يريدها المصور أن تبدأ، وهي اللحظة التي تأخذ فيها (كمصور) القرار بأن توثق أكبر قدر ممكن من الحالات التي تحدث أمامك“.
وأضاف: ”كنا داخل حصار.. لا وقت لديك لتكتب سيناريو وتستهل بعده التصوير، لا وقت لديك لتفكر في اللقطة أو جماليتها، جل ما تستطيع أن تفعله هو إعطاء الكاميرا روحك… وعلى الرغم من أنها صارت اليوم مكسورة بيد أنها مازالت معي، مستحيل أن أتخلى عنها في يوم من الأيام“.
وتابع: ”كنت أمام خيارين إنسانيتي وفيلمي، لو اخترت فيلمي فقط كنت بكل تأكيد سأصف نفسي بالإنسان العاطل، اخترت أن أصور وأساعد في الوقت عينه“.
وعن اختيار عنوان (مجانين حلب) أكدت سنجاب ضاحكة، أنها كانت فكرة حبق الذي انطلق من جملة ”مجانين حلب مروا من هنا“ يلاحظها المشاهد في نهاية الفيلم مكتوبة بالأسود على أحد جدران المستشفى.
البريطانية ميرا هيو (37 عامًا) قالت بعد العرض إنها لم تستطع أن تسيطر على انفعالاتها خلال الفيلم، لا سيما أنه مصور بطريقة ”حقيقية ورائعة في قسوتها“.
وتابعت: ”كنت أقرأ الترجمة إلى اللغة الإنجليزية ولكنني أعترف بأنني أحيانًا كنت أنسى أن أقرأ الجمل المدونة على الشاشة، وأركز فقط على المشاهد التي توثق لحظات لن تنساها الشخصيات.. الوجوه بتعابيرها كانت أكثر من قادرة على رواية القصة أو بالأحرى القصص التي كانت تكتب فوريًا“.
من جانبها قالت مي زين (45 عامًا) إنها كانت تغمض عينيها خلال المشاهد التي كانت تدور في غرفة العمليات.
وأضافت: ”شعرت برعب حقيقي، وانقطع نفسي في بعض اللحظات المصورة داخل المستشفى، لا أستطيع أن أتخيل نفسي أعيش هذه الظروف، كيف تمكنوا من أن يجدوا الأمل وأن يكملوا المسيرة؟ خلال المشهد الذي يصور أفراد فريق العمل الطبي يرقصون ويغنون للتغلب على الخوف والحزن كنت أبكي بلا توقف“.