تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
– أنا منشغلٌ هذه الأيام بإعادة قراءة روايتي “بوح الرجل القادم من الظلام” المنشورة سنة 2001 عن “دار الآداب” في لبنان و”منشورات الاختلاف” بالجزائر، وذلك بعد أن أبدى ناشرٌ جزائريٌّ رغبته في إعادة طبعها. ومثل الملايين من الجزائريّين، أخرج أيضاً كلَّ يوم جمعة للمشاركة في المسيرات الأسبوعية التي بدأت يوم 22 شباط/ فبراير الماضي. أستطيع القول إن هذا الحراك هو همّي الأوّل في هذه الأيام، لأن مستقبل الجزائر مرتبطٌ بما سيؤول إليه، فأنا مدركٌ، منذ سنوات طويلة، شرورَ النظام القائم وخطره على البلاد. وقد كتبتُ رواية “الأعظم” التي صدرت نهاية 2010، من باب كشف سيّئات النظام الدكتاتوري، سواء في الجزائر أو في المنطقة العربية عموماً. وقد تعرّضَت لتهميش كبير لتصادُفها مع الحراك الذي شمل أكثر من بلد عربي عام 2011.
■ ما هو آخرُ عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
– آخر عمل صدر لي هو رواية “الآدميّون” مطلع 2018 عن دار “ضفاف” في لبنان و” الاختلاف” في الجزائر. وهو عملٌ يتميّز بكونه ذا طابع أوتوبي وبُعد فلسفي. اعتمدتُ فيها على تقنية الرواية البوليسية. وأعتقد أنها تشكّل منعطفاً بالقياس إلى كتاباتي الروائية السابقة. كما أنهيتُ، منذ ما يقرب من شهر، كتابة رواية جديدة بعنوان “العلبة السوداء أو فيلّا الفصول الأربعة”، وسأقدّمها للنشر في الأيّام المقبلة. والرواية تحذو حذو “الآدميّون” في هاجسها الفلسفي، لكن دون أن تقطع الصلة مع ذلك بالواقع العربي، لا سيما بالظاهرة الدكتاتورية المميّزة له.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
– هذا سؤال صعب، لأنَّ الروائي لا يستطيع الحكم على أعماله، بالنظر إلى غياب المسافة بينه وبينها، رغم أنه يوجد من الكتّاب من يفعل ذلك، لكنّني لستُ واحداً منهم. أعتقد أن الحكم والتقييم من عمل النقّاد والدارسين بالدرجة الأولى. لكن، ومع ذلك، أقول إن بي شوقاً دائماً إلى شيء لم أكتبه بعد، يبدو لي أنه هو ضالّتي في الأخير، لأن الشعور بالرضا ربما شيء قاتل.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
– لو قُيّض لي البدء من جديد لأعدت كتابة روايتيَّ الأولى “المرفوضون” والثانية “النخر”، وربما كنتُ سأمتنع أصلاً عن كتابة الثانية؛ فهي تثير في نفسي الألم كلّما تذكّرتُها، ربما لارتباطها بواقع قاسٍ عشتُه. عدا هذين العملين، لا أحس بدافع حقيقة إلى اتباع مسار آخر غير الذي سلكتُه. أعترف، في المقابل، بأنني كنتُ أحمل ربما تصوّرات ساذجة عندما اعتقدتُ في بداية مساري الأدبي بأنه تكفي كتابة نصّ جيّد للحصول على الاعتراف والمجد، لكن ربما ما كنتُ لأكتب شيئاً لولا هذا الوهم. الوهم في الحقيقة عاملٌ مهمّ ليس فقط على الصعيد الشخصي، بل على صعيد التاريخ. الأوهام، أو لنقل الحلم إن شئت، هو ما يدفع إلى الخلق والإبداع. التاريخ كلّه من صنع أوهام كبيرة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
– أن يسود المبدأ الأخلاقي والديمقراطي بين الأمم، ذلك أن الديمقراطية لم تجد لها من إنجاز إلى اليوم سوى على الصعيد الداخلي لبعض الدول، أمّا العلاقات الدولية فلا تزال قائمة على مبدأ القوّة والغلبة… أعني أننا لا نزال على هذا الصعيد نعيش بعقلية القبيلة القديمة، أي العصبية كما يسمّيها عبد الرحمن بن خلدون، عدا أن القبيلة صارت اليوم بحجم الأمة والدولة وحتى بحجم الحضارة. ولعل إحدى مفارقات الديمقراطية أنها تدفع بالحكّام فيها إلى السعي من أجل إرضاء شعوبهم للبقاء في الحكم أو للوصول إليه، حتّى ولو كان ذلك على حساب شعوب أخرى، بل كثيراً ما يكون ذلك على حساب شعوب أخرى. هذا ما يفسّر ارتباط التجارب الديمقراطية الكبرى في العالم بالاستعمار والإمبريالية. انظُر إلى فرنسا وبريطانيا والولايات المتّحدة الأميركية وإلى إسرائيل، لتجد هذا الارتباط الغريب بين الديمقراطية والاستعمار. لكن هذا ليس بالطبع نقداً للديمقراطية في حدّ ذاتها، بقدر ما هو مطالبةٌ بتوسيع مجالها ورقعتها لتشمل العلاقات بين الدول والأمم.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
– أبو العلاء المعرّي، فهموم هذا الرجل تتجاوز حدود عصره. إنه عقل حر، لا يخشى لومة لائم في طلب الحقّ، وهو ذو نزعة نقدية فكرية عالية. مثل هذه الشخصيات أصبحت نادرةً اليوم في عالمنا العربي؛ حيث إرضاء الجمهور أو الحاكم أو التكيُّف مع المتعارف عليه صار ضالّةَ المثقّف العربي في زماننا.
■ صديقٌ يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
– “هكذا تكلم زرادشت” لـ فريدريك نيتشه، فرغم أنني لا أشاطره أفكاره، إلّا أن قوّته الشعرية لا تنفد قط. إنه من نوع الكتب التي ستحبّها وإن اختلفتَ مع مضمونها، لأن جمالية القول في نهاية المطاف ربما أهم من القول نفسه. تكمن أهمية الكتاب في أدبيته وشعريته أكثر من مضمونه الفلسفي.
■ ماذا تقرأ الآن؟
– أقرأ رواية ” قواعد العشق الأربعون” للكاتبة التركية إليف شافاق. روايةٌ ممتعة تؤكّد لنا مرّة أخرى أنه إذا كان لا يمكن مجاراة التاريخ في إبداع الشخوص والحكايات، فإن الأديب وحده يستطيع أن يجعلها تعود إلى الحياة من جديد بيننا، بل ويحقّق لها الحياة الأبدية.
■ ماذا تسمع الآن؟ وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
– موسيقى الهنود الحمر. لكن يصعب عليَّ إقناع غيري بها، لأنَّ الأمر يتعلّق بشعور ذاتي ربما يشبه الوقوع في العشق. لكن أظن أن هذه الموسيقى وثيقة الارتباط بالأرض والطبيعة، وهي ذات سمت صوفي يقوم على التلاحم بين الإنسان والكون الغامض المحيط به.
بطاقة
روائي وأكاديمي ومترجِم من مواليد 1950 في الجزائر. من أعماله الروائية: “فتاوى زمن الموت” (1999)، و”بوح الرجل القادم من الظلام”، و”بحثاً عن آمال الغبريني” (2004)، و”كتاب الأسرار” (2008)، و”الأعظم” (2010)، وفي مجال النقد والفكر، صدر له: “دراسات ومقالات في الرواية” (2009)، و”دراسات في المجتمع العربي وثقافته” (2009)، وفي الترجمة: “منطقة القبائل والأعراف القبائلية” لـ هانوتو ولوتورنو (2013).