مدنٌ منسيّة في سورية
3 أبريل 2017
تبدو منطقة “المدن المنسية” الممتدة شمالي غرب سورية بين محافظات حلب وإدلب وحماة، واحدة من أكبر التجمعات الأثرية في العالم، ومن أهمها حضارياً، فهي تقع على مساحة مكانية شاسعة تمتد لنحو 140 كلم من الشمال للجنوب ومن 20 إلى 40 كلم من الشرق للغرب، وتضم حوالي 800 قرية ومدينة، توجد في مناطق الجبال ذات الكتلة الكلسية ذات اللون الأبيض، وهي كتل جبال سمعان وبريشيا والأعلى والدويلة والوسطاني والزاوية، وتتوزع الآثار بين القمم الجبلية والسفوح والوديان.
كما أنها تعود إلى مساحة زمنية تمتد لأكثر من ألفي سنة. أما اسمها “المدن المنسية” فيعود إلى أن معظم سكانها تركوها لظروف مختلفة منذ أكثر من ألف سنة، مع بقاء عمارتها المميزة شاهداً تاريخياً على عصور من التألق. فقد شهدت المنطقة ازدهاراً كبيراً في الحقبة الرومانية والبيزنطية منذ سنة 64 ق.م حتى 635م. ولكن قامت على أنقاض المواقع الأثرية تجمعات سكانية عشوائية أضرت بالطبيعة الأثرية للمنطقة، كما أن هناك من قام باستخدام حجارتها القديمة في بناء منازل جديدة، غير أن ما بقي من المدن المنسية لا يزال كافياً لفهم الصورة الأولى لتلك المواقع التي ضمتها اليونسكو لقائمة التراث العالمي سنة 2011.
أما أسباب هجرة السكان لتلك القرى قديماً فيعود بعضها إلى الغزوات الفارسية للمنطقة منذ سنة 527 وحتى سنة 627، إذ عمد الغزاة إلى تجريف الأرض واقتلاع أشجار الزيتون التي يعتمد عليها السكان. بعدها، وفي زمن الفتح العربي، انقطعت العلاقة مع القسطنطينية، وكانت المنطقة مصدراً لتصدير زيوت الزيتون للشمال عبر القسطنطينية.
ومن أشهر مواقع المدن المنسية قلعة كلونة كيمار، وقلعة نجم برج حيدر، وقرية النبي هوري، وكفرقدو، وكنيسة المشبك. وتعد خراب شمس من أهم المدن المنسية، وهي تضمُّ آثاراً تعود لعصور مختلفة، منها بيوت حجرية وأديرة مثل دير سوباط وفيها معاصر زيوت وثلاث كنائس وأضرحة ضخمة، وقلعة أبي سفيان. كما أن قرية سرجيلا التي تعود آثارها للفترتين الرومانية والبيزنطية تضم بيوتاً ذات نظام معماري واحد، وهي مبنية من الحجر الصلب، وفيها حمامات تعود للقرن الخامس الميلادي، وفيها معصرة وكنيسة ومسجد، وقد هجرها أهلها منذ أكثر من 1300 سنة؛ ويقال إنهم حزموا أغراضهم ونظفوا منازلهم قبل أن يرحلوا عنها.
أما مقابر سيرجيلا فتنتمي عمارتها للعهد الآرامي والعموري، وتمتاز بالهندسة الهرمية، إذ يتشكَّل القبر من برج إسطواني يرتفع فوق قاعدة، ويتراوح ارتفاع القبر من 15 إلى 30 متراً.
ويضمُّ جبل بريشيا في إدلب قلاعاً وخرائب بيزنطية، كما يضم كنيسة “قلب نوزة” التي توصف بأنها من أجمل كنائس العالم. وهناك قرى أثرية في إدلب لا تزال مأهولة بالسكان، مثل قرى ترمانين والدانا وسرمدا وتل عقبرين والأتارب وتلعادة.
أما جبل سمعان، فمن أشهر معالمه القلعة ودير القديس سمعان العمودي بتصميمه المعماري الفريد، والذي يبلغ ارتفاعة 40 متراً، ويقع على مساحة 5 آلاف متر مربع. ومن المدن المنسية في جبل سمعان، أيضاً، براد وقصر براد وبرج حيدر ودارة عزة وباسوفان. بينما تعود مدينة النبي هوري إلى الفترة الهلنستية، وهي تضم برجاً رومانياً وقلعة عربية وأكثر من كنيسة وأسواق ومساكن ومدرجاً روماني وقبوراً أهمها قبر النبي هوري، وبها أيضاً جسران رومانيان يعودان للقرن الثاني الميلادي.