منذ عام تقريبا كنت مهتم جدا بقراءة بعض الكتب عن النهضة التركية الاخيرة التي صعدت بتركيا علي يد حزب خرج من اطار ومنطلق اسلامي في دولة علمانية اوروبية واسيوية كانت عاصمتها عاصمة الخلافة الاسلامية الاخيرة “الخلافة العثمانية“, وحدثت النهضة في عشر سنوات فقط, بعد ان كانت تركيا في عام 2000 على شفا الافلاس والضياع في دوامات الديون والتخلف. وكان من افضل الكتب التي قدمت لي فكرة موضوعية كاملة عن هذا الموضوع كان كتابا مؤلفه هو وزير الخارجية التركي الحالي وصاحب الفكر الحضاري التركي الاول احمد داوود اوغلو, السياسي الماهر والدبلوماسي المحترف.
المسلسلات التركية في كل بيت عربي
هذا الرجل استطاع من خلال ممارسته السياسية الخارجية ان ينفذ ما كتبه في هذا الكتاب كأنه نسخ الكتاب وجعله حيا ملموسا في الواقع. وكان من اكثر الاشياء التي اثارت فضولي لقراءتها اكثر من مرة, جزئية خاصة بكيفية التأثير الايجابي عن صورة تركيا والثقافة التركية وخاصة ذات الطابع المجتمعي والاسلامي في العالم العربي والمجتمعات العربية, وكان في تصور داوود اوغلو ان استراتيجية الاتراك يجب ان تكون في انتاج وتوزيع مسلسلات تركية يتم دبلجتها في ستوديوهات خاصة بشرط ان تناسب هذه المسلسلات الاجتماعية الذوق العربي ولا تصدمه. وكان طبعا تصور خبراء هذا المجال للمجتمعات العربية انها مجتمعات عاطفية تعشق الصورة اكثر من الحكي وتهتم بالتفاصيل اكثر من الاطار العام والصورة الكلية, لذلك تم تصدير المسلسلات التي تتكون من سرد طويل واجزاء متعددة وصورت في اماكن جميلة رائعة وركزت اغلب المسلسلات على النواحي العاطفية والاجتماعية وابتعدت عن الاكشن والعنف. وبذلك ارتبطت بها الاسر العربية بشدة وتابعوا هذه المسلسلات بشغف, وظهرت النتائج الايجابية لهذا الامر.
نتائج الغزو التركي
ظهرت نتائج هذا الامر بسيطرة الثقافة التركية على الذوق العربي العام في غضون سنوات قليلة, اصبح نجوم الشاشة الصغيرة اتراك, اصبح الشخص العربي مرتبط وجدانيا دون ان يشعر بتركيا, زادت حركة السياحة العربية لتركيا بنسبة 43% طبقا لاخر الاحصائيات عن حالها قبل 5 سنوات. اصبح لتركيا دور كبير في العالم العربي سياسيا اكثر بمراحل عن الحال في بداية الالفية الجديدة. اذن السؤال هل المسلسلات التركية تعتبر غزوا ثقافيا ام تجربة نشر للثقافة تمت باحترافية عالية يجب ان نتعلمها ونفعل مثلها او افضل منها؟ واعتقد اننا نتذكر ان طوال نصف قرن تقريبا كانت الافلام والمسلسلات المصرية تسيطر تماما على الساحة العربية وكان لها الفضل في نشر اللهجة المصرية في الاغاني وغيرها, وكانت تمثل القوة الناعمة لمصر طوال هذه الفترة, لان الدراما والسينما تؤثر كثيرا فعلا في وجدان الشعوب العربية وهذه صفة ملحوظة جدا, وكل ما فعله الاتراك انهم درسوا نفسية الشعوب العربية ووجدوا ان الانسب للتأثير ايجابيا في العرب هو نشر ثقافة الاتراك من خلال المسلسلات التليفزيونية وقد نجحوا بكل تأكيد.