شهدت طباعة الكتب عبر التاريخ مراحل عدّة وصولًا إلى تكنولوجيا الطباعة الحديثة؛ بدايةً من الألواح الخشبية والصلصالية والرق، وصولًا إلى الورق ثمّ الطباعة ثلاثية الأبعاد. يعود الفضل لمخترع الآلة الطابعة “يوحنا غوتنبرغ” التي صنعت في ذلك الحين من النّحاس والتي غيرت شكل الحياة على كوكب الأرض لدرجة كبيرة.
تاريخ الطباعة في الدول العربية
في أوروبا:
يوحنا غوتنبرج (1397-1468م) اسم لمع في مدينة (ماينـز ) بألمانيا، وارتبط باختراع فن المطابع، وذلك عام 840 هـ/1436م، وكان هذا الاكتشاف إيذانًا بعصر جديد في انتشار العلم والتقاء الحضارات، وتبادل الثقافات.
وظهر أول كتاب مطبوع في أوروبا -على الأرجح- ما بين (844-854هـ / 1440-1450م) وذلك بالحروف اللاتينية المتحركة.
وبرغم السرية التي أحاط بها غوتنبرج اختراعه إلا أن الطباعة انتشرت انتشارًا سريعًا في البلاد الأوروبية الأخرى؛ حيث ظهرت الطباعة في روما سنة 870هـ/1465م، وفي البندقية سنة 874هـ/1469م، وفي باريس سنة 875هـ/1470م، وفي برشلونة سنة 876هـ/1471م، وفي إنجلترا سنة 879هـ/1474م.
وفي عام 1486م عُرفت الطباعة بالحروف العربية، وطبع في عام 1505م في مدينة غرناطة كتابان بالعربية هما: وسائل تعلُّم قراءة اللغة العربية ومعرفتها، ومعجم عربي بحروف قشتالية، بتوجيه من الملك فردينان وزوجته إيزابيلا.
في تركيا:
تاريخ دخول المطابع الحديثة إلى تركيا مضطرب، لم تتفق المصادر على تحديد بدايته؛ حيث ورد أن بداية معرفة الأتراك للمطابع الحديثة كان مع دخول المهاجرين اليهود إلى الأراضي العثمانية، عندما حملوا معهم مطبعة تطبع الكتب بعدة لغات هي: العبرية، واليونانية، واللاتينية، والإسبانية، فطُبعت التوراة مع تفسيرها في عام 1494م، وطبع كتابٌ في قواعد اللغة العبرية عام 1495م، وطبعت كتب أخرى بعدة لغات في عهد السلطان بايزيد الثاني (886-918هـ /1481-1512م) بلغت تسعة عشر كتابًا.
ويؤكد بعضُ الباحثين أن الآستانة عاصمة الأتراك العثمانيين هي أول بلد شرقي يعرف المطابع الحديثة، ويرجع ذلك إلى عام 1551م، في عهد السلطان سليمان الأول القانوني (926-974هـ/ 1520-1566م)، وكانت ترجمة التوراة إلى اللغة العربية، والتي قام بها سعيد الفيومي هي أول كتاب يطبع في تركيا في ذلك العام، وقد طبعت بحروف عربية.
ويذكر موريس ميخائيل أن أول مطبعة تطبع بحروف عربية في اسطنبول هي التي أسسها إبراهيم الهنغاري عام 1727م (1139هـ)، وسمح له بطباعة الكتب عدا القرآن الكريم، ويبدو أن أول كتاب يظهر في هذه المطبعة هو كتاب (قاموس وان لي) في مجلدين، بين عامي 1729-1730م، وهو ترجمة تركية لقاموس (الصحاح) للجوهري، ويقترب معه إلى حد كبير الدكتور سهيل صابان في تحديد تاريخ أول مطبعة بالحروف العربية تظهر في تركيا لصاحبيها سعيد حلبي، وإبراهيم متفرقة، وذلك عام 1139هـ (1726م).
وفي رأي آخر أن كتب الحكمة والتاريخ والطب والفلك طبعت مع بداية عام 1716م، عندما صدرت فتوى من شيخ الإسلام عبدالله أفندي بجواز طبعها.
في بلاد الشام:
عرف لبنان الطباعة في وقت مبكر، وهذا يعود إلى سنة 1610م (1018هـ)، عندما أنشئت المطبعة المارونية على يد رهبان دير قزحيا (قزوحية)، وكان أول كتاب يطبع فيها هو كتاب (سفر المزامير) الذي طبع بعمودين، أحدهما بالسريانية، والآخر بالعربية، إلا أن هذه المطبعة واجهت صعوبات لم تمكنها من الاستمرار في عملها.
ثم ظهرت مطبعة دير ماريوحنا الصايغ عام 1734م، أنشأها عبدالله بن زخريا (الزاخر) المتوفى عام 1748م، وكان أول كتاب يطبع فيها (ميزان الزمان).
وفي عام 1753م ظهرت في بيروت مطبعة القديس جاورجيوس، وفي عام 1834م نقلت المطبعة الأمريكية للمبعوثين الأمريكان – التي أنشئت في مالطا عام 1822م- إلى بيروت، وطبعت فيها كتب كثيرة في الأدب والتاريخ.
وتعد المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين التي ظهرت عام 1854م أول مطبعة تخرج عن الصبغة المسيحية، وتقوم بنشر العديد من كتب اللغة والأدب، وفي عام 1867م أنشأ بطرس البستاني مطبعة المعارف.
أما سوريا، فهي أيضًا من أوائل البلاد العربية معرفة بالطباعة، وتعد مطبعة حلب من أقدم المطابع العربية، حيث ظهرت عام 1706م وبعد أكثر من مئة عام على ظهور هذه المطبعة ظهرت مطبعة أخرى حجرية في حلب أيضًا، هي مطبعة بلفنطي وذلك عام 1841م، ثم مطبعة الطائفة المارونية بحلب أيضًا عام 1857م، وفي حلب أيضًا ظهرت مطبعة جريدة فرات عام 1867م، أما دمشق فقد ظهرت فيها مطبعة الروماني عام 1855م، ومطبعة ولاية دمشق عام 1864م.
أما فلسطين والأردن، فيرجع ظهور المطابع فيها إلى عام 1830م عندما أنشئت مطبعة في فلسطين تطبع بالعبرية، ثم ظهرت مطبعة أخرى في القدس عام 1846م، تطبع بالعربية، ولم تعرف الأردن المطابع إلا بعد الحرب العالمية الأولى، عندما أنشئت مطبعة خليل نصر في عمَّان عام 1922م، ثم ظهرت مطبعة الحكومة عام 1925.
وأمّا في العراق، فرغم أنها عرفت أول مطبعة حجرية عام 1830م إلا أن أهم مطبعة ظهرت فيها كانت عام 1856م، في مدينة الموصل، على يد الرهبان الدومنيكان.
وفي مصر:
ارتبط ظهور الطباعة بحملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م، الذي حمل معه ثلاث مطابع مجهزة بحروف عربية ويونانية وفرنسية، وكان الهدف الأساسي لهذه المطابع هو طباعة المنشورات والأوامر، وكانت تقوم بعملها في عرض البحر، حتى دخلت الحملة القاهرة، فنقلت إليها، وعرفت بالمطبعة الأهلية، وتوقفت هذه المطبعة بانتهاء الحملة الفرنسية عام 1801م، ولم يُعرف مصيرها.
وبعد حوالي عشرين عامًا، وفي عام 1819م، أو 1821م أنشأ والي مصر محمد علي باشـا (1184-1265هـ / 1770-1849م) مطبعة على أنقاض المطبعة الأهلية، عُرفت بالمطبعة الأهلية أيضًا، ثم نُقلت إلى بولاق، فعرفت بمطبعة بولاق، أو المطبعة الأميرية، وكانت هذه المطبعة ثورة في عالم المعرفة، طبع فيها في مدة وجيزة من عام 1289هـ إلى عام 1295هـ أكثر من نصف مليون نسخة، ولم تتوقف خلال تسعين سنة من عملها المتواصل غير مدة يسيرة بين عامي 1861 و 1862م بين عهدي محمد علي والخديوي إسماعيل (1245-1312 هـ/ 1830-1895م).
إثر انهيار إمبراطورية محمد علي باشا، ظهرت قيادات ضعيفة لم تستطع مواصلة مسيرة البناء المعرفي الذي شيد أساسه محمد علي باشا.
وبعد أربعين سنة من إنشاء مطبعة بولاق (الأميرية) التي أسهمت إسهامًا كبيرًا في إثراء المعرفة الإنسانية بطبع روائع التراث الإسلامي ونشرها، توالى ظهور بعض المطابع الأهلية مثل: مطبعة الوطن عام 1860م، ومطبعة وادي النيل عام 1866م، ومطبعة جمعية المعارف عام 1868م، والمطبعة الخيرية بالجمالية، والمطبعة العثمانية، والمطبعة الأزهرية، والمطبعة الشرفية أو الكاستلية، والمطبعة الرحمانية، وغيرها من المطابع.
غير أن هناك رأيًا آخر حول تاريخ الطباعة في مصر وهو ما أكده الباحث ستيتشفيتش قد أفاد في مصنفه عن تاريخ الكتاب أن الكتب الأولى المطبوعة بالقوالب الخشبية التي ظهرت في أوروبا قد ظهرت في الوقت الذي توقف فيه إنتاجها في مصر، ويتضح من بحوثه أن مصر عرفت طباعة الكتب بالقوالب الخشبية في وقت مقارب جدًّا لطباعة أول كتاب معروف للصيني “وانج شيه” عام 968، وهو كتاب دورة البوذية Diamond Sutra، ففي اكتشاف يرجع إلى نهاية القرن التاسع عشر تم العثور في آثار مدينة قريبة من الفيوم بمصر على خبيئة تضم حوالي خمسين كتابًا، وكذلك تم العثور عام 1894 على عدة أوراق مطبوعة عبارة عن أحجبة طبعت بالقوالب الخشبية في المدة من 900 إلى 1350 وهي ضمن مجموعة الأرشيدوق بالمكتبة الوطنية بفينا”.
وكشف د. مصطفى الرزاز أستاذ الفنون الجميلة بكلية التربية الفنية أن متحف الفن الإسلامي بالقاهرة يقتني مجموعة من الأوراق المطبوعة ترجع إلى ما بين القرنين العاشر والثاني عشر، عثر عليها في الفسطاط والبهنسا والقصير، وهي وثائق دالة على أن المصريين قد عرفوا ومارسوا فن الحفر البارز على الخشب قبل أن يستخدمه الأوروبيون بأربعة قرون ونصف القرن؛ حيث بدأت هذه التقنية في أوروبا فيما بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
الطباعة في الجزيرة العربية:
اليمن:
أسست الحكومة العثمانية أول مطبعة في الجزيرة العربية في صنعاء باليمن عام 1877م، حوالي عام 1295هـ، ويرجَّح الدكتور يحيى محمود جنيد أن عام 1297هـ (1879م) هو العام الذي ظهرت فيه الطباعة في اليمن، وذلك بعد مناقشته لمختلف الروايات التي أشارت إلى تواريخ متعددة عن بداية الطباعة في اليمن هي: 1289هـ (1872م) ، و 1292هـ (1875م) ، و 1294هـ (1877م)، و1297هـ (1879م).
وكانت الدولة العثمانية هي التي قامت بإنشاء هذه المطبعة، وخصصتها لما يخدم مصالحها، ولم يُطبع فيها أي كتاب بالعربية، وعرفت هذه المطبعة بمطبعة صنعاء، أو مطبعة الولاية، أو مطبعة ولاية اليمن، ويصفها الدكتور يحيى بأنها مطبعة يدوية هزيلة، لا تطبع أكثر من صفحتين.
الحجاز:
بعدها عرفت مكة المكرمة المطابع عام 1300هـ (1883م) حيث أنشأت الحكومة التركية فيها مطبعة رسمية، وقد أسس والي الحجاز وقتها عثمان نوري باشا مطبعة حكومية بمكة المكرمة وهي المطبعة الميرية، كما كانت تسمى في بعض الأحيان، وقد أنشأها الشيخ أحمد زيني دحلان (ليطبع فيها كتب العلوم ليكثر انتشار العلم في موضع مهبط الوحي المكين)، وكانت المطبعة في بدايتها يدوية زودتها الحكومة التركية عام 1302هـ بآلة طباعة متوسطة، قال عنها رشدي ملحس رئيس تحرير أم القرى عام 1347هـ (1928م): في عام 1302هـ قد جلبت لها حيئذٍ ماكينة كبيرة وأدوات أخرى هي الموجودة اليوم.
وقد تولى إدارة المطبعة عبدالغني أفندي، ويعاونه علي أفندي في بدايتها وفي عام 1306هـ أصبح إبراهيم أدهم مديرًا للمطبعة، وذكر رشدي ملحس أن هاشم النقشبندي كان من بين الذين تعاقبوا على إدارة المطبعة.
تولت المطبعة في بدايتها طباعة التقويم الرسمي لولاية الحجاز (حجاز ولايتي سالمنامه سي)، وصدر عدده الأول عام 1301هـ، كما طبعت بعض مؤلفات علماء الحرم المكي الذين كانوا يطبعون مؤلفاتهم في مصر من قبل.
ومن أهم مطبوعاتها طبع أول جريدة أسبوعية تصدر في ولاية الحجاز (حجاز) التي صدرت في 8 /10/1326هـ 1908م وحجبت عن الصدور بعد حوالي سبع سنوات.
كما طبعت أيضًا جريدة (شمس الحقيقة) الأسبوعية في 1909م وطبعت نسختها التركية المسماة (شمس حقيقت).
وقد نشر غلاف كتاب (نزهة الناظر للسيد جعفر البرزنجي)، وقد طبع في مطبعة الولاية عام 1303هـ.
وقد طبعت إلى جانب الجرائد الكثير من الأعمال الأدبية والدينية والتراثية باللغات العربية والتركية والجاوية والملايوية والأردية.
وقد أورد الدكتور طاشكندي قائمة بأوائل المطبوعات التي تولت المطبعة الميرية طباعتها خلال الحقبة العثمانية عام 1300هـ 1882م ونورد فيما يلي قائمة بمطبوعات المطبعة الميرية خلال الحقبة العثمانية 1300هـ 1882.
وقد تغير اسم المطبعة الميرية بعد دخول الملك عبدالعزيز الحجاز ففي عام 1343هـ (1924م)، فأصبح اسمها (مطبعة أم القرى) وقامت بدورها الطباعي بإصدار الجريدة الرسمية للمملكة (جريدة أم القرى)، وتكليفها بطباعة المطبوعات الرسمية.
كما أسس الشيخ محمد ماجد كردي مطبعة الترقي الماجدية عام 1327هـ 1909م بعد أن اشتراها من جريدة شمس الحقيقة، وأول مطبعة تأسست في جدة في مطبعة الإصلاح عام 1327هـ 1909م وقد أنشئت هذه المطبعة اليدوية بتمويل أهلي من بعض الشركاء من أهالي جدة منهم راغب مصطفى توكل ومحمد حسين نصيف وغيرهم بغرض تأسيس جريدة الإصلاح ومطبعتها، وتولت المطبعة إصدار مجلة (الإصلاح الحجازي)، والتي لم تعمر إذ توقفت بعد ستة شهور.
وقال عنها رشدي ملحس: إن الذي كان يديرها اسمه رمزي أفندي وتغير اسم المطبعة من الإصلاح إلى المطبعة الشرقية وتولت طباعة جريدة (بريد الحجاز) التي صدرت في جدة ابتداء من ربيع الثاني عام 1343هـ (1924م).
وأول مطبعة أنشئت في المدينة المنورة هي المطبعة العلمية عام 1329هـ (1911م) حين استحضر الشيخ كامل الخجا وهو من كبار تجار المدينة المنورة مطبعة صغيرة تدار بالرجل وتولى إدارتها الشيخ عبدالقادر توفيق الشلبي وهو أحد علماء المدينة، كما أسست مطابع أخرى باسم (الحجاز) أسسها كما يذكر رشدي ملحس فخري باشا قائد حامية المدينة إبان الحرب العامة (الحرب العالمية الأولى).