كل رمز يرمز للرقم حسب عدد زواياها
الأرقام العربية أم الهندية؟
تعود قصة الأرقام العربية عند المسلمين إلى عام 154هـ \ 771م عندما وفد إلى بلاط الخليفة العباسي المنصور فلكي هندي، ومعه كتاب مشهور في الفلك والرياضيات هو سدهانتا لمؤلفه براهما جوبتا الذي وضعه في حوالي عام 6هـ \ 628م واستخدم فيه الأرقام التسعة. وقد أمر المنصور بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وبأن يؤلف كتاب على نهجه يشرح للعرب سير الكواكب، وعهد بهذا العمل إلى الفلكي محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ألف على نهجه كتابا أسماه السند هند الكبير واللفظة “سند هند” تعني باللغة الهندية (السنسكريتية) “الخلود”.
وقد أخذ العرب بهذا الكتاب حتى عصر الخليفة المأمون. وفي عام 198هـ \ 813م استخدم الخوارزمي الأرقام الهندية في الأزياج، ثم نشر في عام 210هـ \ 825م رسالة تعرف في اللاتينية باسم Algoritmi de numero Indorum أي “الخوارزمي عن الأرقام الهندية”. وما لبث لفظ الجورثم أو الجورسم أن أصبح معناه في أوروبا في العصور الوسطى طريقة حسابية تقوم على النظام العشري. وعرفت هذه الأرقام أيضاً بالأرقام الخوارزمية نسبة إلى الخوارزمي. ومن هذا الكتاب عرف المسلمون حساب الهنود، وأخذوا عنه نظام الترقيم، إذ وجدوه أفضل من حساب الجمل أو حساب أبجد المعمول به عندهم.
وكان لدى الهنود أشكال متعددة للأرقام، اختار العرب مجموعة منها وهذبوها وكونوا منها مجموعةً من الأرقام نسميها اليوم باسم الأرقام الهندية، واستعملها العرب في المشرق العربي وبخاصة بغداد. ثم تطورت قليلاً حتى أصبحت الأرقام التي تستعمل الآن في الشام ومصر والعراق والجزيرة. على أن الخوارزمي قام باختراع مجموعة أخرى من الأرقام تُعرف اليوم باسم الأرقام العربية، لكنها لم تحظ بانتشار واسع. وفيما بعد استعملها العرب في الأندلس والمغرب العربي، ومن هناك انتشرت إلى أوربا، ثم انتشرت في أنحاء العالم كله. أما الطريقة المشرقية التي استعملها عرب بغداد فهي على الشكل التالي:
1 – الأرقام الهندية:
2 – الأرقام العربية:
وتعرف الأرقام العربية كذلك بالأرقام الغُبَارِيَّة. وسميت هذه الأرقام بالغبارية لأنها كانت تُكتب في بادئ الأمر بالإصبع أو بقلم من البوص على لوحٍ أو منضدةٍ مغطاة بطبقة رقيقة من التراب. وقد قام الخوارزمي بتصميم تلك الأرقام على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم. فالرقم واحد يتضمن زاوية واحدة، ورقم اثنان يتضمن زاويتين، والرقم ثلاثة يتضمن ثلاث زوايا – إلخ. والشكل التالي يوضح الأشكال الأصلية للأرقام العربية الغبارية مع وضع نقطة عند كل زاوية:
ثم دخل بعض التعديل على هذه الأشكال فأصبحت بالشكل المعروف. أما الاختراع العبقري الذي أضافه المسلمون هو الرقم صفر الذي كان شكله دائرة ليس فيها أي زاوية (عدد الزوايا صفر). وأول تسجيل للصفر العربي يعود إلى 873م، بينما أول صفر هندي يعود إلى 876م. وظلّت أوربا لأربعة قرون تلت ذلك تسخر من الطريقة التي تعتمد على الصفر، واعتبرته: لا شئ وبلا معنى A meaningless nothing.
وأما سلسلة الأرقام الأخرى (الهندية) فتستخدم في أغلب الدول العربية والإسلامية. وقد حورها العرب من أشكال هندية عديدة. وقد خضعت الأشكال الدالة على الحروف إلى سلسلة من التعديلات عبر القرون حتى ظهرت الطباعة، فطبعت الأرقام بأشكالها الحالية تقريباً. ومن ثم لم تتعرض هذه الأشكال لتغيرات كبيرة منذ ذلك التاريخ.
والصفر الذي اخترعه العرب هو دائرة كما سبق. فلما أراد الهنود استعماله، اختلط مع الرقم خمسة، فغيروا رمزه إلى النقطة. وقد لفت نظري مقولة لأحد أئمة أهل الحديث وهو الإمام ابن الصلاح، إذ يقول: «ومن الأشياخ من يستقبح الضرب والتحويق، ويكتفي بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها، ويسميها صفراً كما يسميها أهل الحساب». والملفت للنظر هنا أن ابن الصلاح مشرقي، ومع ذلك فهو يعرف أن الدائرة تعني الصفر عند أهل الحساب، مما يعني انتشار الأرقام العربية في المشرق العربي كذلك، فضلاً عن المغرب العربي.
والمثير في الأمر أننا أمة أبدعت في عالم الرياضيات والأرقام إلى درجة أن الأرقام المستخدمة في جميع أنحاء العالم اليوم هي “الأرقام العربية”، بينما نستخدم نحن اليوم الأرقام الهندية! فقد تسللت الأرقام الهندية إلى لغتنا العربية، ورويداً رويداً، وأضحت جزءا لا يتجزأ من لغتنا. حتى إننا نذهب للاعتقاد بأن الأرقام الهندية هي الأرقام العربية، وأن الأرقام العربية هي الأرقام اللاتينية، وذلك غير صحيح بطبيعة الحال. ذلك إن اللغات الأوربية –نفسها– قد استعارت أرقامنا العربية بعد أن تيقن لهم بأنها الأكثر وضوحاً والأجمل واجهةً، وأنه لا يمكن أن يحدث فيها أي خلطٍ ما بين رموزها (فلا يرتاب أحد بين الصفر والنقطة، وبين الرقم اثنين والرقم ثلاثة). وهذا يجب يدفعنا إلى الإفصاح عن فخرنا كون أرقامنا العربية قد تم استعارتها لتدخل في صميم لغات العالم أجمع.
تراثيا كانت هذه الأرقام جزءا لا يتجزأ من لغتنا العربية الجميلة، وهي موجودة وبوضوح في كل الوثائق والمخطوطات الإسلامية العائدة إلى صدر الإسلام. وتلك نقطة تم إثباتها منذ سنوات طويلة مضت من قبل الفرع الإقليمي العربي للوثائق (عرابيكا). وخرجت توصيات –تحسبها تحت الرماد الآن– إلى كافة الدول العربية بضرورة العودة مجدّداً إلى استخدام أرقامنا العربية. هذا فضلاً عن أن الأرقام العربية الأصلية هي الأجدر عملياً في أيّ نظامٍ تصنيفي. ذلك أن نظم التصنيف إجمالاً تحتاج إلى نقطة كفاصلة بعد الرقم، كإشارة إلى انتقالنا إلى فرع جديد تحت الرقم التصنيفي الأم. ولما كان الصفر في الأرقام الهندية هو نفسه النقطة، فإن النظام التصنيفي برُمّته يغدو عرضة للانهيار. وهناك الكثير من الفروقات التي لا يسع المجال لتعدادها. وكلها تثبت فاعلية الأرقام العربية الأصلية.
المغرب العربي كانت له المبادرة في استخدام الأرقام العربية الأصلية، وهي حاضرةٌ الآن في كل معاملاتها ووثائقهم ومكاتباتهم وصحفهم. غير أن المشرق العربي لا يزال يحتفظ بالأرقام الهندية باعتبارها عربية. إننا وفي المشرق العربي –وعلى مدى عقود طويلة من الزمن– كنا قد رسخنا مفهوماً خاطئاً في عقول ووجدان كل الأجيال العربية المشرقية عبر مناهج التعليم أساساً وعبر أوعية الإعلام باختلاف صورها، مفاده إن الأرقام الهندية التي نستخدمها هي أرقام عربية. والغريب هو إن الغرب والأميركان أنفسهم يُقِرون بأن الأرقام التي نستخدمها الآن هي هندية، وأن الأرقام التي يستخدمها العالم كله (بما فيها الهند) هي أرقام عربية!