الأدب في المعركة: سلاح ماض يلخص أسطورة الشهادة في حكاية «الحب والحرب»
في الحرب : تتَّقد الأحاسيس , فتفيض الأقلام ، قصصاً وقصائد تمعن في بيان قدسية التضحيات وطهارة الدم الذي شربته الأرض لنحيا بكرامة , ولأن الأدب هو الرافعة الروحية لأي قضية محقة ,من هنا سألنا مجموعة من الأدباء عن مفهوم الشهادة في نتاجاتهم وكيف تناولوا التضحيات العظيمة التي يقدمها السوريون خلال الحرب .
في البداية نتوقف مع الروائي عبد الغني ملوك الذي تناول مفهوم الشهادة من خلال روايته ( في قبو الدير) التي شرحت بالتفصيل الماتع أهمية الشهادة في بناء الأوطان من خلال انتصار دماء الشهداء على كل القوى المستعمرة والغاصبة ,حيث تبين أحداث الرواية أن الشهادة قيمة عليا.. وأنها أقصى غاية الجود…وهي ثمن مقدس من أجل البقاء على قيد الكرامة والحياة .
جرح أنت تكتب مطلعه
ويبهرنا الشاعر أيمن معروف بمخاطبته للشهيد الذي يقتفي أثر الضوء في رحيله فيصف الشهيد «بأنبل الأحياء» ويقول:
يا أنبلَ الأحياءِ.. يا كَرمَ النّدى..
ماذا لَقِيْتَ منَ الضِّياءِ.. لِتَتْبَعَهْ.
خُذْني إلى فَحواهُ أقبِس لِمَّةً
ممّا لديكَ لأصطفيهِ وأجمعَهْ.
خذْني.. لزَهْوِكَ عَلَّني أستنهضُ
المعنى وأدفعُ للقصيدةِ أنْصَعَهْ.
جرحانِ لي يا سيّدي
جرحٌ سيكتُبُني وجرحٌ أنتَ
تكتبُ مَطْلَعَهْ.
أما الشاعر سامر الخطيب فينشد الشهيد قصيدة تفيض بالألم والكبرياء فيقول : والأرضُ فاتحة الصلاة فكلَّما/ باسمِ الشهادةِ رتَّل الشجعان
حتى إذا ما الشَّمس ألقت ضوءها/ وتفجَّرت في كفِّها الأكفان/ عكسَ الترابُ شعاعَ من في كنهِها/ سكبوا المدادَ ليكتبَ الشريان/.. لولا الشهيدُ لما نما في أرضنا/ روضٌ ولا ركعت لنا الأزمان.والواضح في هذه الأبيات محاولة الشاعر الخطيب بيان مآل الشهادة ونتيجتها الحتمية بازدهار الأرض وتحقيق النصر .
الرصاص الفارغ
أما الأديب «سامر أنور الشمالي» فقد سبر أوجاع الحرب وانعكاساتها على أرضه وأبناء وطنه من خلال مجموعة من القصص منها قصة «الرصاص الفارغ» التي تتحدث عن طفل يجمع الرصاص الفارغ قرب أنقاض بيته ,وحوار عميق دار بين بطل القصة الطفل شادي وبين رجل حاول في البداية زجر الطفل وإرغامه على الابتعاد ثم قام بمساعدته في جمع الرصاص الفارغ ليبين القاص الشمالي من خلال هذا الحوار حجم الكارثة التي أصابت الطفولة وجعلها تنوء تحت ثقل أوجاعها ومصيرها الذي ينتهي غالباً إما بالموت أو بالإعاقة كما هي الحال مع «شادي» نقتطف من القصة المقطع التالي:
«قف ».
صوت صرخ من خلف بقايا جدار متقوض.
وقف الطفل صامتاً.
بعد هنيهة من سكون مريب خرج الرجل من بيته، وحدق بدهشة بالطفل النحيل ذي الثياب الرثة! ثم صاح به بصوت مبحوح:
– اذهب إلى منزلك.
-لم يعد لدينا منزل.
قال الطفل بأعلى صوته ليسمعه الرجل بوضوح.
قفز الرجل فوق الجدار، وسار بخطوات واسعة بين الأنقاض، وعندما حاذى الطفل سأله بجفاء:
-أين كان منزلك؟.
أشار الطفل بيده إلى مكان مازال يتصاعد منه الدخان الأسود دون أن يخطر في ذهنه ما يدور في رأس الرجل وقال بلا مبالاة:
-حسناً.. اذهب والعب في مكان آخر.
-أنا لا ألعب.. أجمع الرصاص الفارغ .-أين والدك؟.
-استشهد الأسبوع الماضي.
فينهي قصته :
-أبي.. أبي..
صوت الصغير نبه الأب من ذكرياته التي لا تكف عن مداهمته من وقت لآخر.
-ماذا تريد يا شادي؟.
سأل الأب ولده، فقال الابن وهو يشير بيده إلى ساحة كبيرة فيها الأراجيح:
-أريد اللعب بالأرجوحة.
أمسك الوالد بيد ولده، وسار بقدم واحدة، واستعاض عن فقدان القدم الأخرى بالعكاز، وكان يفكر في أنه كان يقف في المكان نفسه الذي سقطت فيه القذيفة وأودت بحياة طفل اسمه شادي.
وما هو مقروء من خلال هذه القصة أن الأديب الشمالي ينحاز في نهاية القصة إلى استمرارية الحياة التي انجبت «شادي» مرة أخرى.
القصيدة ترتقي بمعاني الشهادة
الشاعر حسن إبراهيم سمعون زين قصيدته بمفرداتٍ عميقة في تقديسها لشهداءِ الحقِّ الذين تحوّلوا إلى معانٍ ارتقتْ بها قصيدته.. وأعلن حربه على كلِّ الذين بثوا أحقادهم وسمومهم في وطنه . وبين أن الحرب القذرة فرضت علينا معجماً جديداً من المفردات , الدم والركام والرصاص والقتل والخطف ومصطلحات لم تكن من مفردات حياتنا يوماً ,مؤكداً أن الشهادة من أنبل المواضيع الإنسانية عموماً ,حيث لم يخل بيت من شهيد أو جريح ,فموضوع الشهادة فرض نفسه بقوة على المشهد الأدبي والثقافي لتخليد قدسية هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم لنبقى ومن قصيدته المعنونة بـ « سرُّ الشـَّهـيد» نقتطف:
روحُ الشَّـهـيدِ بِـقُـدسِ المَـوتِ تَـلـتَـصِـــقُ
مِـثـلَ البُـخُـورِ بِـطَـقـسِ النُّــسْـكِ يَحـتَـرِقُ
مِشْـكاتُـهُ اتَّــقَــدَتْ مِــن زَيـتِ بارِئِـــــهِ
كالـنُّـورِ أنَّــى عَــنِ الـمِـصباحِ يَــفــتَــرِقُ؟
سوريَّـتي هَـمَسَتْ : لَبّـوا عَلى عَجَـــــــلٍ
خَـيرُ الرِّجالِ هُـمُ.. في عَهدِهِــمْ صَـدَقــوا
هَـبّـوا كَـبارِقَـةٍ في جُـــــــــنـحِ مُـظْـلـمَةٍ
لمْ يَـرهَــبوا أحَــداً كَـلاَّ ولا فَـــرِقـــــــوا.
تناقضات حرب
القاصة عبير منون : تناولت مفهوم الشهادة من خلال قصة تلخص الكثير من التناقضات التي تحدث في الحرب فالأم التي تعاني من فقدان البصر واتقاد البصيرة رفضت الاعتراف باستشهاد ولدها طالما أنها لم تلمس جثمانه المجهول المكان ,ورفضت تقبل العزاء به استجابة لنداءات قلبها وكانت القفلة المدهشة في النص وهي عودة الابن حياً يرزق بعد انتهاء مراسم العزاء.
القاص فايز الصيني المعروف بشغفه بالقصة القصيرة جداً يعتمد على الاختزال و الرمزية و العنوان الذي يحتوي على عصارة القصّ، و تأتي القفلة لتكمل المعنى فيقول في قصة بعنوان « الشهيد» :
ودَّعَهُ أهلوهُ ، ادلَهَمَّ الليلُ الرتيب ، صوتُ صفير الريح يموج ، على سورِ الوطن ، الطحالب تقَزَّمَت ، تلهث نحو الانقراض . .
زائران عاداهُ يستنطِقان ، لكن الجدَثَ كان خالياً ، بُهِتا ، وَ عادا من غير إمضاء .
روحُهُ كانت تجوبُ السّاحَ ، تداعبُ جَفَناتِ مَن كانوا بالأمسِ علاماتٍ ، و بالنجمِ يهتَدون.
استحال الليل صبحاً
الشاعر محمد العبد الله شقيق شهيد وابن شهيد يرى أن الشهادة سبيل النصر والكرامة فيقول: يا شهيداً يعتلي فوقَ المَعالي ….. يا كريماً قد تعالى بالمثال
كشِهابِ النُّورِ أطْلَقْتَ الرّزايا …..واستحالَ الليلُ صبْحاً بارتِحالِ
ذاكرة الكبرياء
الأديبة رواء العلي والدة شهيد وزوجة مصاب حرب تقول في ولدها الشهيد: أتذكر ..أبكي ..أغني ..أصلي ..أحن لطفلي الذي أصبح هناك.. لفتى دمه يتهادى انتصاراً ..لذاكرة من الجبال ..تصرخ في دمي ..بأمان الله ياغائبين حاضرين ..في القلب رائحة أنين ..سأخنقها واستحضر جذع الآتي
للطيبين ..لست فقط من أنجبت الرجال لهذا العرين ..كل الأمهات أشرعت ذاكرة الكبرياء ..وتصلي لها كل حين
بأمان الله يا صانعي المجد لأرض السلام ..ومهد الحضارة .
شامخون بعطائهم
الشاعرة خديجة الحسن تقول في هذا السياق :
ليكن ذكر الشهيد مخلدا لا يحده مناسبة أو نسيان ,ليكن اسم الشهيد جسراً تعتق بين الأرض والسماء
أنا لا أرثي الشهداء فهم صاحون أبدا ، شامخون بحريتهم ، بعطائهم، من قصيدتها المعنونة ب (رسالة من الشهيد ) نقتطف:
وإني يا أمي رأيت الحبيب
حينما على جسر الشهادة مشيت
ما مت يا أمي بالعز أنا أعيش
على باب السماء عانقت دمائي الريح
وفي كثيب المسك نمت روحي
فكتبت رسالتي إليك .
حزن نبيل
أما القاصة فاطمة أسعد فترى أن المرأة السورية دفعت أثماناً باهظة في هذه الحرب فهي أم وزوجة وأخت وابنة غادرها الشهيد لتحيا بكرامة فتخاطبه بالقول : يا شهيدي ..يا حبيبي , يا ولدي وأخي و أبي ,استلمتُ العَلمَ الذي لفَّ نعشك … ودفنتكَ بيديّ ..بكل حزنٍ نبيلٍ , وألمٍ كألم (بريام ) , وهو يستلم جثـّة (هكتور) العظيم , من (آخيل) الفارس النبيل …
نتاجات أدبية كثيرة عالجت مفرزات الحرب و واجب كل مثقِّفٍ الإضاءة عليها واجتراح الحلول والغوص في تفاصيلها وعدم الاكتفاء بالوقوف على التخوم والأطلال ، والتأكيد عليها واستنهاض الهمم فالقلم سلاح ماض في معركة شخصها الكثيرون بأنها معركة فكر .
ميمونة العلي ,سلوى ديب
القصيدة ترتقي بمعاني الشهادة
الشاعر حسن إبراهيم سمعون زين قصيدته بمفرداتٍ عميقة في تقديسها لشهداءِ الحقِّ الذين تحوّلوا إلى معانٍ ارتقتْ بها قصيدته.. وأعلن حربه على كلِّ الذين بثوا أحقادهم وسمومهم في وطنه . وبين أن الحرب القذرة فرضت علينا معجماً جديداً من المفردات , الدم والركام والرصاص والقتل والخطف ومصطلحات لم تكن من مفردات حياتنا يوماً ,مؤكداً أن الشهادة من أنبل المواضيع الإنسانية عموماً ,حيث لم يخل بيت من شهيد أو جريح ,فموضوع الشهادة فرض نفسه بقوة على المشهد الأدبي والثقافي لتخليد قدسية هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم لنبقى ومن قصيدته المعنونة بـ « سرُّ الشـَّهـيد» نقتطف:
روحُ الشَّـهـيدِ بِـقُـدسِ المَـوتِ تَـلـتَـصِـــقُ
مِـثـلَ البُـخُـورِ بِـطَـقـسِ النُّــسْـكِ يَحـتَـرِقُ
مِشْـكاتُـهُ اتَّــقَــدَتْ مِــن زَيـتِ بارِئِـــــهِ
كالـنُّـورِ أنَّــى عَــنِ الـمِـصباحِ يَــفــتَــرِقُ؟
سوريَّـتي هَـمَسَتْ : لَبّـوا عَلى عَجَـــــــلٍ
خَـيرُ الرِّجالِ هُـمُ.. في عَهدِهِــمْ صَـدَقــوا
هَـبّـوا كَـبارِقَـةٍ في جُـــــــــنـحِ مُـظْـلـمَةٍ
لمْ يَـرهَــبوا أحَــداً كَـلاَّ ولا فَـــرِقـــــــوا