رواية جديدة للكاتب السوري خالد خليفة صدرت حديثاً عن دار هاشيت أنطوان- نوفل بعنوان “لم يصلِّ عليهم أحد”.
تدور أحداث الرواية المتخيّلة على تخوم مدينة حلب، حيث فاض العام 1907 نهرٌ جرف عمراً من الحياة الهانئة على ضفتيه. زوجة حنا وطفله، ابن زكريا، وكثيرون غيرهم. الهموم الدنيوية هي التي أنقذت حنا وزكريا من الطوفان. فهما كانا في قلعة الملذات التي صممها الصديق الثالث عازار، وبناها الصديقان غير بعيد من حوش حنّا لاحتضان أعمال محبي الحياة… والموت. السيل ابتلع من ماتوا، لكنه أيضاً سلب من بقوا حيواتهم، فلم يعد شيء كما كان. من كان يهرب من قيود الدنيا، وقع سجين الآخرة.
من قلعة الملذات إلى دير الرهبان ومن سطوة اللذة إلى سطوة بشرٍ تواقين لصنع الأسطورة، العبودية واحدة. عاشق الأحصنة لجمته ضروب الحياة وأخذ يحاول لملمة ما تبقى ومن تبقى له. شمس الصباح ذبلت بانتظار لمسةٍ لم تدنّسها إلا بعد فوات الأوان، والعمة أمينة الحنونة أصبحت تحلم بتطبيق الحدّ والشريعة…
هذه ليست سوى مصائر صغيرة ضمن مصيرٍ أكبر لمدينة عاشت فيضانات وزلازل ومجاعات، واستوعبت تحوّلات اجتماعية وسياسية ودينية عميقة، يرصدها خليفة في رواية ملحمية، مسكونة بثنائية الحب والموت.
تحفر الرواية في سرديّات المنطقة، وتقترح سرديّة جديدة ومختلفة لمدينة حلب في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، عبر قصص متشابكة عن الحبّ الموؤود، والموت المحقّق عبر المجازر والطاعون والزلازل والكوليرا، ومفهوم الهويّة والانتماء وأسئلتهما.
إنّها ليست مجرّد رواية عن طفل مسيحي ناجٍ من مجزرة في ماردين، تربّيه عائلة مسلمة في حلب، بل ملحمة إنسانيّة حقيقيّة عن الطوفان والقلق البشري، عن وهم النجاة من هذا الطوفان والأوبئة، وعن ورطة الحياة بحدّ ذاتها.
مصائر صغيرة تقودنا إلى مصير أكبر لمدينة حلب التي شهدت عبر تاريخها الطويل تحوّلات اجتماعيّة وسياسيّة ودينيّة عميقة، يرصدها خليفة بتقنيّات جديدة، في هذه الملحمة المسكونة بثنائيّة الحبّ والموت.
يقول خليفة: “الرواية متخيلة من الألف إلى الياء، وهي تختلف كلياً عن رواياتي السابقة وكتبتها بروح وأسلوب مختلفين”. ويضيف: “الرواية لا تقارب الحالة السورية الآن نهائياً سوى في السؤال الدائم المتمثل بفكرة سؤال الهوية”. وقد عاد خليفة إلى القرن التاسع عشر”للكتابة عن المسكوت عنه على الرغم من مرور أكثر من قرن ونيف على تاريخ المدينة، والمتمثل بفكرة العيش في ظل النظام العثماني وسلبه خيرات مدينة عظيمة كحلب وجعلها ورقة مساومة في يده مع الغرب”.
خالد خليفة روائي وسينارست سوري (مواليد حلب، 1964) تُرجمت أعماله إلى الكثير من اللغات. صاحب “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” (2013) التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربيّة وحازت جائزة نجيب محفوظ لعام 2013، وهي روايته الرابعة بعد “حارس الخديعة” (1993) و”دفاتر القرباط” (2000) و”مديح الكراهية” (2006) التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربيّة كذلك. له أيضاً عدد من المسلسلات التلفزيونيّة منها “سيرة آل الجلالي” (1999) و”هدوء نسبي” (2009) و”المفتاح” (2011). “لم يُصلّ عليهم أحد” هي روايته الثانية عن نوفل بعد “الموت عمل شاق” (2016).