خور المكلا… شريان السياسة والثقافة والجمال
12 أكتوبر 2017
يمتد خور المكلا لقرابة 1500 متر، ويقسم المدينة إلى جهتين؛ الجهة الغربية منطقة “الشرج” والشرقية “باجعمان”. وتتوزع على ضفتي الخور مقاهٍ شعبية صغيرة يقدَّم فيها الشاي الحضرمي الفريد، إضافة إلى المأكولات الشعبية التي تتميز بها المكلا عن بقية المدن اليمنية، ومنها “قلابة صيد”، “صانة اللخَم” (وهو نوع من السمك ذو قيمة غذائية عالية، لا ينصح العزاب بتناوله)، “الفتّة”، “العزيز”، والأخير حيوان بحري له مذاق رائع.
تتمتع المكلا بطقس حار خصوصاً في فصل الصيف، ولذا فإن الخور يمثل لأبناء المدينة ملاذاً ليلياً تتجمع الأُسر على ضفتيه، تتبادل الأحاديت وتلتقط الصور، إذ يجمع المكان بين مزايا الخور والكورنيش والحديقة. كما تزدان ضفاف الخور بتجمعات يومية في أماكن محددة للأصدقاء والنُّخب تسمى “الشلة”.
ترتبط ضفتا الخور بجسور بعضها للمشاة وبعضها للمركبات، وتوجد في نهاية الخور ساحة مخصصة لإقامة المهرجانات والاحتفالات تُحيي فيها الفرق الفنية ألواناً من الفلكلور الحضرمي، كما يشهد الخور رقصات بحرية على القوارب. علماً أن محافظة حضرموت (كبرى محافظات اليمن)، تحتضن سنويا ثلاثة مهرجانات في مواقيت متنوعة يمتزج فيها الفن بالثقافة والرياضة، وهي مهرجان “البلدة”، مهرجان “الهجن”، ومهرجان “النخيل”.
يُعتبر الخور من المعالم الجديدة نسبياً في المدينة، إذ تم افتتاحه صيف العام 2005، كأحد المشاريع التي تم تدشينها في ذلك العام بمناسبة العيد الوطني الخامس عشر للجمهورية اليمنية الذي احتضنته المكلا. وقد كنت يومها هناك أعدّ ملفاً عن إمكانيات حضرموت السياحية، واستيقظت ذات صباح لأشاهد من غرفة بأحد الفنادق المطلة، مياه البحر العربي تتدفق إلى داخل الخور درجة درجة، وذلك بعد أن تم الانتهاء من رصف أعماقه وجوانبه بالحجارة العملاقة.
لقد غيّر الخور مزاج المدينة وصار بمثابة شريان أمدها بالمزيد من الحياة. ومنذ افتتاح الخور ارتفعت أسعار العقارات على ضفتيه وانتصبت العديد من الفنادق المطلة. ومن المفارقات أن الخور كان قبل إنشائه وقبل تدفّق المياه إليه، مكاناً ينفر الناس منه، ومصدراً للبعوض، وكانت تتكفل سيول الأمطار القادمة من شمال المدينة بتنظيفه جزئياً بين الحين والآخر، ثم تحوّل إلى أبرز متنزهات المدينة. ويشبه الخور في ذلك، مجرى “السائلة” في العاصمة صنعاء الذي يعتبر مصرفاً طبيعياً لمياه الأمطار يشقّ صنعاء من جنوبها إلى شمالها، وكان الناس ينفرون من السكن على ضفتي “السائلة” بوصفها كانت مصدراً للبعوض، ثم بعد رصفها بالحجارة وتزيينها بالجسور وأعمدة الإنارة التقليدية، صارت معلماً جمالياً، وطريقاً مختصراً للسيارات، بالإضافة لكونها ممراً مائياً في موسم المطر.
يُعد خور المكلا إحدى الوجهات اللازمة لزوار المدينة، ومكانا نموذجيا لقراءة الناس والمكان. وتتمتع المكلا أيضا بمسارب مياه أخرى تصلح لأن يكون الواحد منها خوراً آخر يزيد من تألق المدينة. وقبل ذلك فإن الحاجة تبدو ماسة للاهتمام بالخور الحالي الذي، وفقا لإفادة بعض أهالي المكلا لـ”العربي الجديد”، تعرّض أخيراً، لبعض الاختلالات جراء إعصار “تشابالا” الذي ضرب المحيط الهندي قبل عامين ووصلت آثاره إلى سواحل عُمان واليمن. كما باتت بعض هياكله المعدنية عرضةً للصدأ بسبب الرطوبة، ما يتطلب من الجهات المعنية صيانة شاملة ومنتظمة تحافظ على سلامة بنيانه وجمال مظهره.