13 يونيو 2017
هيروكاوا غارق في تفاصيل توثيق التاريخ الشفهي الفلسطيني، ويتحدث عن النكبة طيلة العام ولا يقتصر على ذكراها السنوية، وتذخر ذاكرته بتاريخ فلسطين الذي وثقه بلحظات عمره الصحافي، وتكاد تشعر أن لديه معلومات عن فلسطين أكثر من أهلها.
ويقول لـ”العربي الجديد”، على هامش تكريم له من قبل جامعة القدس الفلسطينية الأحد الماضي، في معهد الإعلام العصري التابع للجامعة في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية: “هناك أماكن كثيرة الحضارة فيها غير معروفة، نحن نكشف وننقل القصص ونحكي ما لم يُحكَ. شعرتُ كإنسان حينما رأيت الكثير من الضحايا وخاصة الأطفال، أن التاريخ مغطى ومسروق منهم، لذا يجب أن يكون الصحافي إنساناً بالدرجة الأولى، وعليه أن يدعم كرامة الآخرين”.
لدى هيروكاوا الكثير من الطلبة الذين يتعلمون منه، ويتمنى ولادة صحافيين جدد يتابعون القصص والناس والضحايا، حتى يقدروا على توفير الأمان والحلول للمستقبل، فيما يشير إلى أنه ينقل أيضاً القصص الإنسانية ليس للفلسطينيين فقط بل لليهود، وهو يدرك أنه في أي مكان تتم المحاولة لمنع تغطية ما يحدث، ومن الصعوبة أن تحاول كشف ما يفعلونه، حينما كنت أدخل مخيماً يمنعني جنود الاحتلال الإسرائيلي، إن الصراع ليس فقط أن أصور بل كيف أدخل للمكان وأوثق ما يحدث، لكن كل ذلك ولّدَ لدي إصراراً على الاستمرار في متابعة القضية الفلسطينية، وكذلك وجود أصدقاء داعمين فلسطينيين ويهود يرفضون الصهيونية.
حينما جاء هيروكاوا إلى الأراضي الفلسطينية عام 1966 كان عمره حينها 23 عاماً، ونشر لأول مرة في اليابان عن القرى الفلسطينية المهجرة وكان حينها يبلغ من العمر 27 عاماً. لقد تمكن الصحافي الياباني من أن يصنع أرشيفا مصوراً عن القضية الفلسطينية يعد الأغنى في العالم، والذي استغرق فيه 50 عاماً.
المصور الياباني هيروكاو صحافي وصانع أفلام، له العديد من الإنتاجات بالفيديو والصور الثابتة والتقارير المكتوبة، لقد عمل في مشروع طويل الأمد حول النكبة امتد 23 عاما، وانخرط في رحلة البحث في فلسطين وعنها منذ العام 1966 في وقت كانت فيه الصحافة العالمية والمحلية خلال هذا الوقت مستغرقة في تفاصيل عملية السلام، فهو ملم جدا بالقضية الفلسطينية، ويحكي الحكاية أملاً في أن تكون كاميرته شاهدا على الحدث وأن يخدم أرشيفه في فهم قضية فلسطين وإبقائها قضية ملحة.
لم يكن هيروكاوا مجرد صحافي يصور فقط، بل أقام مؤسسة لدعم أطفال فلسطين في العاصمة اليابانية طوكيو، وهو من المؤسسين لمحكمة دولية لمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرئيل شارون، في اليابان مع مجموعة من الأدباء والمفكرين، وينظم في كل عام معرضاً للصور وما تبقى من حاجيات الضحايا الفلسطينيين من ملابس وألعاب للأطفال وعكازات وحقائب وكل بقايا وحاجيات الإنسان الصغيرة، وهو مؤسس لمجلة في اليابان.
طيلة 50 عاماً الماضية، واكب هيروكاوا الأحداث الفلسطينية ووثقها بآلاف الصور والعديد من الأفلام والمئات من التقارير الإخبارية. لقد التقط آلاف الصور الحصرية، التي تعد إرثاً لفلسطين وتخدم قضيتها كوثيقة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولقد كان أول من صور حي المغاربة في بلدة القدس القديمة قبل هدمه من قبل الاحتلال إبان النكسة عام 1967، وبعد هدمه، وصور الواقع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وما يتخلله من ممارسات وانتهاكات للاحتلال بحق الفلسطينيين خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، واجتياح المدن الفلسطينية عام 2002 وما تخللها من مجزرة مخيم جنين، ويمكن القول إن هيروكاوا يمتلك وثيقة واضحة المعالم وثق فيها بالصورة تلال الضفة الغربية بلا مستوطنات، ومن ثم عمليات الزحف الاستيطاني نحوها.
كان للمصور الصحافي الياباني السبق في تصوير المخيمات الفلسطينية في لبنان، والتقط أول توثيق لمجزرة صبرا وشاتيلا وقصف لبنان عام 1982. إن أعماله تحكي قصص النزوح الفلسطيني المستمر وبقايا المكان في القرى المدمرة، لقد شاهد هيروكاوا بأم عينه ما جرى ووثق ذلك في مجلد أسماه، (palestine 1948 nakba) والمكون من 9 فصول تشمل سي دي.
قصة هيروكاوا هذه دفعت الصحافية الفلسطينية، مروة طيبي، وهي مدير عام شركة زينب للإنتاج، إلى الشروع قبل عامين بإنتاج فيلم وثائقي عنه، والذي سيبث بعد الانتهاء منه على شاشة قناة “الجزيرة” خلال الأشهر القادمة.
قبل 20 عاما تعرفت مروة التي عملت لمدة 10 سنوات في قناة “سي إن إن” وكذلك لمدة 10 سنوات أخرى في التلفزيون الكندي، على الصحافي هيروكاوا، الذي بحث عنها كي تعمل معه بمشروع طويل الأمد لقرى فلسطينية مهجرة، ومروة تؤكد لـ”العربي الجديد”، أن ما فعله هيروكاوا يظهر قيمة الصحافي الحقيقي.
وتشير مروة الطيبي إلى أنها حينما زارت اليابان برفقة هيروكاوا، فوجئت بحجم الاهتمام والأهمية والتقدير لهذا الصحافي، إذ تقول: “حينما دخلنا أحد المطاعم، أقبل علينا المستشرق أتذاكي، وخاطب هيروكاوا: (أشرقت الشمس بحضروك)، والذي أوضح أن اليابانيين لم يكونوا يعرفون القصة الحقيقية لما يجري”. وتؤكد مروة أن هيروكاوا وضع فلسطين على الخارطة اليابانية بسبب إنتاجاته، وأضاف لشعبه وللشعب الفلسطيني معلومات واسعة عن القضية الفلسطينية.
وتشدد على أن الصحافي هيروكاوا وثق للفلسطينيين في وقت لم يكونوا يعرفون فيه قيمة التوثيق بالكاميرا، وكانت حينها محدودة جداً، وبإمكان إنتاجاته أن تكون وثيقة هامة للفلسطينيين. إن هيروكاوا صنع نفسه كصحافي في فلسطين وهو أيضاً صنع تاريخ المكان، وترك كنزا تاريخيا للشعب الفلسطيني ووثق مراحل لم يوثقها أي فلسطيني، فإنتاجاته الآن موجودة في المتحف الفلسطيني، تقول مروة.