بغداد – علي طالبلا أجد تحديدا زمنيا لمعرفتي بالفنان الفوتوغرافي العراقي لطيف العاني . هو من جيل الفنانين الرواد و عرفته من خلال أعماله قبل التعارف الشخصي . فهكذا هو حال الفنان المبدع يعرف من خلال أعماله .ولعل خير ما أصفه إضافة الى إبداعه الفني بالمخضرم الحكيم .وحقيقة أنني أجد صعوبة في الكتابة عنه لمسيرته بهذا الفن طويلة بدأت منذ عام 1945 . التي تخللتها الكثير من المحطات أهمها تأسيس قسم التصوير في وزارة الثقافة والإرشاد عام 1960. وعدد من المعارض في الولايات المتحدة الأمريكية والأردن والكويت والبحرين وألمانيا إضافة إلى معارض مشتركة مع المرحوم الفنان حازم باك والمرحوم الفنان مراد الداغستاني . وصدر له كتاب العراق في صور . وعمل مشرفا على قسم التصوير في وكالة الأنباء العراقية. وها نحن اليوم نشهد ولادة جديدة لوثيقة مهمة عن منجزاته الفنية كتاب يتضمن باقة من أعماله الفوتوغرافية بالأبيض والأسود عن العراق تحت عنوان لطيف العاني مصور من العراق ضمن سلسلة إبداعات فنية لدار الأديب – عمان و تقديم الدكتور أحسان فتحي فقد استهل مقدمته بذكر أسماء مصورين عالميين ويقول أنهم استعملوا الكاميرا البسيطة جدا وتعتبر متخلفة قياسا للكاميرا الرقمية المتوفرة ألان إلا أنهم حققوا منجزات فنية مذهلة وان العبرة لا تكمن بالكاميرا ولكن العقل المدبر وراء هذه الآلة . مع الإشارة إلى أن فن الفوتوغراف فن يرتقي إلى بقية الفنون الأخرى مستشهدا ببيع الكثير من أعمال المبدعين العالميين بمبالغ كبيرة كونها تحف فنية وتطرق إلى تاريخ الفوتوغراف في المنطقة العربية وواقع التصوير فيها …… وعن الفنان يقول انه ذو النظرة الثاقبة والحس المرهف يجول بنا في ربوع العراق الجميل بكاميرته الألمانية ( روليفلكس ) لينقلنا الى فترة الخمسينات والستينات الهامتين من تاريخ العراق المعاصر من خلال صوره . ويصف الصور الملتقطة بحب تكتسب قيمها الوثائقية ويختتم تقديمه صور لطيف العاني هي حصيلة حياته الحافلة بالحب لهذا الوطن الجميل بثرائه وتنوعه العريق هي سجل أمين هي محاولة منه للمساهمة مع جميع العراقيين الأوفياء للحفاظ على تراث العراق الحبيب من خلال صوره الخالدة …… احتوى الكتاب على صورا أبداعية لا أجد متسعا في هذه المساحة عن ذكر كافة تفاصيلها . صور كتاب العاني تحتوي الحياة العامة بتسجيل لإيقاع تلك الحياة العراقية ومعالم من بغداد وبعض المحافظات وتسجيل لمشاريع عمرانية بالإضافة الى الكثير من الصور الشخصية البورتريت ومناظر للريف العراقي المتنوع من شماله الى جنوبه وشرقه وغربه بالإضافة الى جسور عديدة وحياة العمال في المصانع العراقية ومشاهد من تشييع الراحل الفنان جواد سليم … قيمة تلك الصور أنها وثيقة تحوي وجهان من ناحية أنها توثق الحدث ومن ناحية أخرى توثق جهد الفنان وملامح من حياته الشخصية بحد ذاتها من جانب أخر أنها تعكس عن الترابط الحسي بين المشهد والمصور فقد كان الدكتور فتحي دقيقا في وصف تلك العلاقة في عبارته (أنها حصيلة الحب لهذا الوطن ) نعم كان الدافع للفنان لطيف العاني في كل صوره وهذا الجهد المبذول هو حب الوطن … بعض الصور التي توصف بالوثائقية عن المصانع والريف والجسور الخ لم تكن بعيده عن الجانب الإبداعي فتوزيع الكتل والظل والضوء واختيار الزاوية التي تتناسب مع طبيعة العدسة المستخدمة كان موفق فيها . وكانت مشاهد العتبات المقدسة ورغم أنها قد صورت بالأبيض والأسود حققت الأبعاد الجمالية متناسبة مع قدسية المكان ومتوافقة في التأكيد على الجوانب الجمالية من الناحية العمرانية .لم تكن عدسة الفنان بعيده عن إيقاع الحياة العراقية في تلك المرحلة في التوجه العمراني أو الصناعي فقد احتوت أعماله على الكثير منها في مجال البناء أو في حياة المعامل ذاتها ومما يشار هنا أن الكثير منها نشرت على الصفحات الأولى أو الداخلية للعديد من الصحف والمجلات العراقية لجماليتها وأهميتها الوثائقية . يدور العاني في محور الحياة العراقية مستمدا الجمال والتراث والفلكلور والسياحة ليكون شاهدا مولع بدجلة والفرات والهور والجبال والشناشيل والنواعير ولم ينسى شخوص وأناس معروفين أو مجهولين يشكلون جزء من المشهد العراقي ليسجل للأجيال اللاحقة وثائق وإبداع.أن صور هذا الفنان من المؤكد تحمل بين ثناياها الكثير من القصص تبدأ من حب الموضوع وتصويره الى صورة كامنة تنتهي بولادتها في الغرفة المظلمة لترى النور لتبقى مع الزمن تردد لنا حكاية تغنينا عن ألاف الكلمات . سيكون هذا الكتاب بالإضافة الى كتابه السابق جزء من وثائق مهمة تضمها المكتبة العراقية نتمنى أن تشمل المزيد من المبدعين في عالم الفوتوغراف العراقي ولتكن صور لطيف العاني ومراد الداغستاني وجاسم الزبيدي وآخرين شواخص للفنانين الشباب الواعدين تحفزهم على الإبداع وتذكرهم بجيل أنتج إبداعا فنيا بأدوات وظروف اقل ما توصف أنها صعبة مقارنه مع أيامنا أيام السرعة الفائقة وتيسر الأدوات . نشر في جيدة تاتو / جريدة ثقافية شهرية تصدر عن مؤسسة المدى للأعلام والثقافة والفنون العدد (3) 15 أيار لعام 2009 .