الفنان العراقي أحمد جبار ..
بين الفوتوغرافيا والفيديو.. حكاية عشق أبدية .. للعتبات المقدسة ..
بقلم المصور : فريد ظفور
- ذات يوم ربيعي ممطر ..وفي عام وفير المطر..أخذالفنان معدات التصوير وأسرج سيارته وإمتطى صهوة الدروب نحو العتبات المقدسه ناذراً نفسه قرباناً لتلك المقامات والأولياء الصالحين..بينما كانت معرفته الفنية والتقنية في حالة ضمور كبذرة لم يسقط عليها المطر بعد..إتخذ قراراً بالقفز فوق الزمن آملاً أن يكون الإسراء من سماء طهور إلى أرض مقدسة..فوثب نحو المستقبل الغامض على صهوة من عرق ودم..محاولاً التطهر ..ومندفعاً كأعمى فوق شعرة ممسوسة تصل بين جبل الأمل والتحدي الفردي..وجبل المقهورين والمعذبين والزوار على الأرض..
- تظل مسألة النظر إلى التراث الثقافي والفني والديني متعددة بتعدد النظر إلى الحاضر ذاته..والحاضر يختلف في وجهة النظر المشكلة عنه حسب موقع كل مجموعة أو فئة أو طائفة في الهرم الإسلامي والإجتماعي..وهذا التعدد في أساليب البحث والتنقيب ليس ذاتياً فردياً وإنما عقائدي ..قد لا يكون له حضوره المباشر وإنما المستتر في القاعدة الشعبية والفكرية التي ينطلق منها الشكل المعين لمعرفة التراث من عادات وتقاليد وأدبيات وثقافة طعام ولباس ومسير وحزن وفرح والتمسك والإقتداء بالسلف الصالح ومحاكاة آلامهم وعذاباتهم..وقيمهم ومبادئهم الأخلاقية والفكرية النيرة..ويشكل التراث للبعض خشبة الخلاص تجاه حاضر تزعزعت سيادته فيه..والبعض الآخر يقطع معه للحاق بركب الواقع المعيشي..أما المصورين والصحفيين فهذا البحث هو علاقة بالمستقبل من حيث الوحدة المعرفية الـتأريخية بين الماضي التراثي والحاضر اليوم المتحول في مجرى التاريخ ..
- إن التراث العربي الإسلامي شأنه شأن أي تراث إنساني في العالم ظل على صلة بمحيطه الحضاري وإن الظروف الخاصة لتشكيله لم تمنع الظروف الخارجية من التأثير فيه والتي توقف تأثيرها على التقارب بين ظروف الحياة الإجتماعية والفكرية والظروف نفسها بين الحضارات تلك..أيضاً عزل تراث المنطقة تاريخياً عن التراث العربي الإسلامي والقفز عنه وتناوله بنظرة أحادية شوفينية..وكذلك وهم تأزم عصرية المعرفة وعصرية التراث..وهو ماتخرج به التيارات المتشددة..وإن السمات العامة لصورة التراث هي سمات الفكر في علاقاته الموضوعية غير المباشرة بالمجتمع وبكل تناقضاته ..وهنا نرى حضور فاعل للإعلام المرئي والمسموع والمنطوق..عبر الصحف والمجلات والكتب المبوعه في الميديا وعبر شبكات التواصل الإجتماعي في السوشيل ميديا..
- من هنا نتابع مع بعض الزملاء الإعلاميين ومع الفنان المصور أحمد جبار ..لمعرفة ماهي العتبات المقدسة في العراق والتي تعني العتبات التي دُفَن فيها أئمة الشيعة وأهمها.. العتبة العلوية المقدسة (مرقد علي بن أبي طالب) ..والعتبة الحسينية المقدسة (مرقد الحسين بن علي) ..والعتبة العباسية المقدسة (مرقد العباس بن علي) ..والعتبة العسكرية المقدسة (مرقد الحسن العسكري وعلي الهادي)..والعتبة الكاظمية المقدسة (مرقد موسى الكاظم ومحمد الجواد)..وجميعهم أحفاد رسول الله (ص) وآل بيته الكرام..فقد أثارت تلك العتبات المقدسة الكثير من التساؤل عند الفنان أحمد جبار وحظيت بإهتمام كبير في أعماله الضوئية الثابتة والمتحركة العادية والملونة ..زمن الفيلم والآن مع عصر الديجيتال..ولعل تصوير الناس والشارع من الأعمال الضوئية السهلة والصعبة في آن واحد..لأنه عليك الإكثار من الصور لتتمكن من التوثيق الزمكاني للحدث..وهذا ينعكس على الجودة في بعض الأحيان..ولكن عزاء المصور بأنه سجل للتاريخ لحظة زمنية خالدة..قد لا تتكرر أو تحذث ثانية معه أو مع غيره من المصورين..فلا وجود لخلق وإبتكار بدون دافع وبدون حاجة إجتماعية ..والتصوير الوثائقي للمجموعات البشرية وللزوار في العتبات المقدسة هو تشكيل للمادة الخام وتسجيل صور على المادة الحافظة من فيلم أو بطاقة ذاكرة ..للتعبير عن الأهداف الأساسية للإنسان من أهداف مجتمعه وعاداته وتقاليده وعن القوى المؤثرة في المجتمع دينياً وإقتصادياً وثقافياً وحضارياً..
- وإذا كانت العراق أو بلاد الرافدين تنهض على أرض لا حدّ لرحابتها من الحضارات ..وأشهر حضاراتها هي حضارة سومر وأكاد وبابل وأشور وكلدان والتي نشأت من العراق..وهكذا حتى الفتح الإسلامي لبلاد العراق والشام على يد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب. وبقى العراق في حكم المسلمين حتى بنيت المدينة المدوّرة بغداد على عهد الحاكم العباسي المنصور، ثم أصبحت بغداد عاصمة للخلافة العباسية أوالعصر الذهبي للحضارة الإسلامية. وفي عام 1920 أعلن ظهور أول حكومة مؤقتة في العراق بعد زوال حكم الدولة العثمانية، وبدأ عهد المملكة العراقية، الذي تحول إلى الحكم الجمهوري..ولا ننسى ما قدمه العالم الحسن بن الهيثم ..من إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك البصري ..وكتابه ذي السبعة مجلدات في علم البصريات المناظر..وكما أسهم في التطور الكبير للمنهج التجريبي.وفي نظرية الرؤية ..بالإضافة إلى فيزياء البصريات، أرسى كتاب المناظر أسس “علم نفس البصريات”..وهو بحق رائد التصوير والغرفة المطلمة في العالم..ففي مجال التصوير في العراق عرف المصور السينمائي خاجيك كيفوركيان، وهو من أوائل الرواد في مجال التصوير السينمائي ومن الرواد القلائل في تقنية التصوير في العراق والوطن العربي، والمصور الصحفي الرائد (امري لوسينيان) شيخ المصورين الصحفيين العراقيين الذي صور ملوك وزعماء العراق وارشف جزءاً كبيراً من تاريخ العراق، والمصورين الفوتوغرافيين المعروفين ارشاك (صاحب ستوديو ارشاك) وجان (صاحب ستوديو بابل) ومصور الآثار (كوفاديس ماركاريان) وغيرهم..المصور عبوش ونعوم الصائغ وحازم باك ويوسف سنبل ولعلنا نورد أسماء بعضهم من الذين كان لهم شأن عظيم في هذا المجال ومن أبرزهم (ارشاك) و(اكوب) و(الحاج أمري سليم) و(مراد الداغستاني), و(كوفاديس) و(يحيى المختار) و(كاكا) وغيرهم وقد كانت الموصل هي منشأ الفن الفوتوغرافي العراقي..
- لعل المصور الفنان أحمد جبار..واحد من الكثير من المبدعين العراقيين الذين يكتبون سفراً جميلاً من حضارة وثقافة الصورة الثابتة والمتحركة بالوسط الثقافي العراقي المعاصر..وقد جعل الفنان أحمد جبار..المواطن أو الإنسان في تجلياته هو محور أعماله لأن الإنسان محور الكون نفسه ودونه ماكان العالم من حولنا..فالتعبير خلاقاً والخلق الفني صنيع وإنبهار فأن تصنع عملاً ضوئياً يعني بأن تبهر ولا حل وسط..فالفن عند أحمد جبار بأن يستقي الغمام غماماً ويستنطق الوجود إعجاباً ويزهو به وله الجمال في سحره ..لأنه لا جمال ..لا سحر..لا خيلاء إذا لم يكن في وسع الفن أن يتيه على الدنيا بكل مافيها ولها من رؤى ..تيهة من في إمكانه وحده لاإختيار الأعجوبة بل إجتراحها ولا إستحداث المعجزة بل ترجمتها ..لإبداع وفن بصري جميل عند المصور أحمد جبار..هو الملهم والملهم خالعاً من فتنة فنه وتلاوين صوره ومن تجسيد لحظة في صورة تأتي لتبهرنا لتجذبنا لترتفع بنا إلى فراديس الفرحة ..في رعشة تتملكنا ونغمة تنداح من حولنا وتستمر فينا ولنا وتزهر بدلالة الحدث الفني قيمة معرفية في الخافق وفي الشعور..وما دام الفن للإحساس لا للقول للتأثر لاللبوح..ولإنماء الذوق والتذوق ..التي تسلم حرارة الوجد إلى برودة الأصقاع..لأن تصوير الحدث السينمائي غير تصويره حكائياً وليس هذا بجديد ولكن بأن يكون الحدث في الصورة والحكاية قادراً وقابلاً للكشف عن تناقضات حياتنا ولذلك نرى أنفسنا في الصورة والحكاية معاً ..فالسبر لأغوار النفس ههنا سبر للبيئة العراقية التي جسدتها عدسة الفنان أحمد جبار بإقتدار وبحرفية عالية وثقت وسجلت للتاريخ صوراً هامة ستكون عوناً للأجيال في القادمات من الزمن..
- وندلف أخيراً للوصول إلى شاطيء الوداع على أمل اللقاء بإبداعات جديدة وأعمال فريدة مميزة للفنان أحمد جبار..الذي يستحق منَّا كل الإحترام والتقدير لما قدمه ويقدمة في خدمة الفن الضوئي العراقي والعربي والعالمي..ومن واجب القائمين والقيمين على الثقافة البصرية بأن يأخذ المصور أحمد جبار..حقه من التكريم والدعم ليستمر بمسيرة عطائه الفني بالصور والأفلام ليكون مرجعاً للأجيال والشباب بالمستقبل..
ــــــــــــــــــــــــــ ملحق مسيرة الفنان أحمد جبار ـــــــــــــــــــــــ