من أعماله النحتية
د.”غيث ضاهر”.. منحوتات مبتكرة بفن الروليف
الخميس 29 آذار 2018
بشغفه الكبير وأدواته البسيطة وموهبته الفنية؛ أبحر النحات الدكتور “غيث ضاهر” عبر تجربة جديدة ومتميزة في عالم النحت، عبر منحوتات على ألواح خشبية باستخدام فن “الروليف” الذي أضافه إلى الحركة التشكيلية السورية بطريقة احترافية ومبتكرة.
لمعرفة المزيد عن تجربته الفنية في عالم النحت، تواصلت مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 25 آذار 2018، مع النحات الدكتور “غيث ضاهر” المقيم في “اللاذقية”، ليحدثنا عن مسيرته الفنية بالقول: «منذ طفولتي تستهويني فكرة النحت على الخشب، لكن بداياتي معه ودخولي في عالم التآلف مع روحه وأدواته كانت محطتها الأولى في مقتبل الشباب من خلال لوحات أنجزتها بعيدان القمح، بعد معاملتها بطرائق تطويع خاصة تجعلها قابلة لتشكيل مساحات، لأترجم على سطحها مكنوناتي الفنية، وخصوصاً أن الفن موجود في الذات؛ يظهر بعد أن تتحرر الأفكار والأحاسيس التي تعتريني من سجن العقل والفؤاد، أطلقها إلى فضاء الواقع المحسوس بترجمتها إلى كيان نحتي جمالي يجسد أفكاري، ويعبر عن ذاتي، وهنا أشعر بأنني وجدت نفسي. إضافة إلى أن الفن يعد من الميزات الأساسية للهوية الإنسانية التي يجسدها الفنان من خلال أعماله بطريقته الخاصة، صحيح أنني درست الطب البشري، لكن هاجس الفن بقي يراودني، فقررت الخوض في تجربة الحفر على الخشب؛ على الرغم من عدم إلمامي بأبسط قواعده وأدواته، لكنه كان يلفت نظري كثيراً، وكنت متأكداً من أنني أمتلك طاقات إبداعية كامنة عليّ إخراجها. وفي مرحلة لاحقة، خضت في ميدان النحت على الخشب فن “الروليف” (وهو فن الحفر على الخشب)، بعد أن تآلفت مع روحه الناطقة».
وتابع: «من خلال أعمالي النحتية في فن “الروليف”، أضفت إلى الحركة التشكيلية في “سورية” تجربة فريدة وجديدة، فقد تجاوزت مفهوم “الروليف” النافر، وجعلته أقرب إلى النحت المجسم؛ من خلال التفرد بأسلوب جديد باعتماد النحت البارز مع المبالغة بإظهار مفردات اللوحة، من خلال توزيع العناصر النافرة الخارجة من سطح اللوحة، التي
تشكل مفردة مستقلة ظاهرة على السطح، لتكسب اللوحة في بعض عناصرها أبعاداً ثلاثية من خلال عملية تفريغ دقيقة بخطوطها وتكويناتها، إضافة إلى أن أعمالي تتنوع ما بين لوحات ذات طابع كلاسيكي يجسد مشاهد الطبيعة والريف والبحر بتفاصيلها البسيطة والمعقدة، وهي أعمال تحتاج إلى خبرة وصبر وتفانٍ في التعامل مع عنصر الخشب وموجات الحياة المتيبسة في أصوله.
وهناك لوحات تحمل الطابع الأيقوني المستند إلى القصص القديمة، الذي يجسد حالات الإرث الشعبي، ولوحات تنتمي في رمزيتها إلى المعاصرة والتجديد؛ من خلال تجسيدها لفكرة كسر الأطر والحدود والمترجمة بالإطار المكسور للوحة. كما أنني من خلال لوحاتي أبحث عن جماليات تروقني من دون التأثر بمنحى آخر، وأعمل على تحقيق الحلم الذي ألح علي، فأعدّ لوحاتي مساحة من الحرية المطلقة للتعبير عن التزامي الفكري والجمالي، وطرح الرؤية التي تدور في ذهني، حيث تحقق التوازن بين المفهوم الجمالي للشكل والموضوع الذي تطرحه؛ أي التوافق بين الشكل النحتي والغاية والقيمة التعبيرية له».
وأضاف: «أنا أتعامل مع خشب الزان الذي يطلق عليه (أم الغابة)، لأجسد عليه أفكاري وأعمالي النحتية، لتوليفه بطريقة متناسقة وجميلة، على الرغم من القساوة الشديدة التي يتصف بها وقلته المطاوعة، فهو خشب قاسٍ ويصعب التعامل معه وخاصة بالمفردات الدقيقة، فباختياري له أجد فيه نوعاً من التآلف في التعامل معه، والتحدي الذي يشعرني بالارتياح والمتعة، وخاصة عندما أنجز عملاً فنياً مبتكراً من ناحية الدقة والحرفية والتفرد والتميز بإنجازها لأجسد فيها أفكاري وأحاسيسي الفكرية والجمالية معاً، إضافة إلى أنني أتعامل مع روح هذه المادة، فللخشب لغة لا يفهمها إلا من عاش معه بأحاسيسه، فأسكب من روحه فيها،
مجسم لرقصة السماح |
فهناك علاقة حميمة تنشأ بين الفنان والمادة التي يتعامل معها باعتبار أن للخشب روحاً ولغة يتناغم معها النحات بإزميله ومطرقته بطريقته الخاصة، لتنتج أنامله أجمل المنحوتات».
الدكتور “عبد الحكيم الحسيني” أستاذ العمارة والفنون الجميلة في جامعة “تشرين”، تحدث عن الدكتور “غيث ضاهر” بالقول: «إن أول ما يدهش المشاهد في أعماله النحتية هو الطرح غير المألوف الذي يفاجئنا بصرياً، ففي أعماله نشاهد الاحترافية والتمكن من التعامل مع المادة الصعبة المكونة من مادة خشب “الزان”، حيث يوزع العناصر النافرة الخارجة من سطح اللوحة، التي تشكل أحياناً مفردة مستقلة ظاهرة على السطح، وهي مجموعة من العناصر التي أحياناً تكون غير مألوفة، وأحياناً أخرى تكون مستقاة من البيئة المحيطة، فهو مثل المعماريين المبدعين ينتقي من المحيط أعشاب البحر وأسماكه وزوارقه والحصى والرمال والنباتات المختلفة وموج البحر والمدى العميق لمنظور البحر؛ كل هذه العناصر يضعها في توزيع تشكيلي متناغم بشكل فني بخطوط لينة انسيابية قريبة ومحببة للمشاهد تسطع أحياناً من خلال الضوء المسلط على “الروليف”، حيث تبدو “حجمية” وملونة أحياناً؛ من خلال الخدع واللعب الفنية بين السطح الخشن والسطح الأملس، كما أننا نجد في مقدمة لوحاته عناصر أفقية، وأخرى شاقولية، ويترك المساحات الفارغة الملساء تشابه سطح البحر في لحظة هدوئه. إنني مسرور لمشاهدة هذه التجربة الفريدة والجديدة في الحركة التشكيلية السورية».
النحات “محمد بعجانو” تحدث عن الدكتور “غيث ضاهر” بالقول: «إن أعماله فيها الكثير من الجهد، وله جمهوره ومحبوه، وقد أعطى طاقة عالية ومجهوداً مبذولاً في العمل والتشكيل الذي ميّز أسلوبه، وهو الذي يتبع أسلوب عصر النهضة أو “القصة المباشرة”، ولا داعي أن يشرح الفكرة؛
في أحد معارضه |
لأنها ظاهرة وواضحة، فالحالة فيها تصوير لقطة واقعية بطريقة نحتية. الفن يجمع العديد من المدارس، وهذه التجربة التي نراها في أعماله؛ هي مدرسة بحد ذاتها، لها فنانوها ومحبوها، وتتميز باستسهال النظر وصعوبة العمل، وهذا الأسلوب من النادر أن نراه في تجارب فناني “سورية”، مع العلم أنه محبب جداً عند المتلقي، وهو يكاد أن يتفرد به».
الجدير بالذكر، أن النحات الدكتور “غيث ضاهر” من مواليد “دمشق” عام 1965، وهو طبيب بشري، اختصاص طب وقائي، خريج جامعة “دمشق”، ومقيم في “اللاذقية”. له عدة مشاركات، منها: “معرض فردي في “اللاذقية”، ومعارض جماعية.
Ghaith Deeb Daher
من أعمالي النحتية خشب الزان المجموعة الثالثة من الاطر المتكسرة