فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات يعترف بأن دهان كان وراء اكتشاف موهبته
افتتاح صالة عرض للفنّ السّاخر في دمشق كان بمثابة مفاجأة للكثيرين، فمنذ عام 2003 بعد صدور قرار رسمي سوري بإغلاق جريدة الدومري انكفأ فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات على نفسه مخلّفاً وراءه شائعات مختلفة حول انضمامه إلى أحد أحزاب المعارضة السوريّة الخارجيّة، عربيات كان لها فرصة لقاء الفنان علي فرزات، الذي اختارته لجنة “مورج” العالمية في سويسرا كواحد من ضمن أهمّ خمسة رسّامين في العالم، ظهر أوّل رسم كاريكاتيري محترف له وهو في الثانية عشر من عمره على الصفحة الأولى لجريدة الأيّام، فإلى تفاصيل اللقاء.
بكلمات بسيطة من هو علي فرزات؟
علي فرزات هو معادلة سهلة ممتنعة، معادلة كيميائية بشرية تدخل فيها الجينات مع التربية مع المورثات مع الموهبة مع الروح الساخرة، أي خلطة مثل خلطة العطار ولكن بنسب، هو تجارب هو معاناة، يغمس هو بالحياة تغميس ولا يتناول الحياة بالشوكة والسكين مثلما يفعل البعض في هذه الحياة.
كل هذه المسائل كونت شخصية علي فرزات، الشخص المشاغب المحب للحياة المحب للناس الكاره للسياسة، فأنا أحب الوطن ولكن لا أحب السياسة، أي أحب الأخلاق الوطنية لا الأخلاق السياسية فالسياسة ليس لها أخلاق بالأساس.
في بدايتك وبداية وعيك لشخصك هل خطر يوما ببالك أنك ستصبح على ما أنت عليه اليوم؟
أنا لم أقرر أن أكون علي فرزات فلم أجلس يوما وأقرر ذلك لنفسي، كل ما هنالك مارست طفولتي وكانت طفولة فيها الروح الساخرة، فمنذ صغري كانوا يقولون لي أن لديك روح ناقدة ساخرة، فكان أهلي يحضروني خلال سهرات العائلة ويطلبون مني أن أصف شكل فلان وأقلد أشخاصاً نعرفهم وكيف يتصرفون، وإذا كان لديه صفة ذميمة مثل البخل أؤلف عليه قصة أو رواية وكل هذا كان قبل أن أبدأ بالرسم، في هذه المرحلة كانت تظهر الروح الساخرة الفنية، حيث جاء الرسم ليوجد الإطار لهذه الروح الساخرة، فالرسم ليس غاية بالنسبة لي وإنما وسيلة كي أعبر عن أفكاري الساخرة، لذا فإن الموهبة الحقيقية هي في الروح الساخرة وهذه ملكة من الله عز وجل.
كبداية هل بدأت بالكاريكاتير فوراً أم سبقته أنواع أخرى من الرسم لتتجه بعدها للكاريكاتير؟
كانت رسوماتي عبارة عن خربشة، فقد اكتشفت موهبتي بطريقة الصدفة حينما حضر دهان إلى بيتنا ليدهنه وكان قبل أن يقوم بدهن الحائط يرسم عليه فكان الحائط بالنسبة له كمسودة ليجرب فيها رسوماته من وجوه وغير ذلك وكان عمري حينها خمس سنوات.
في تلك الفترة أسرني ما يقوم به هذا الدهان من رسوم على تواضعها، فلم يعلم حينها أن هذا الطفل ذو الخمس سنوات والذي يقف تحت سلمه سيكبر ويصبح رساماً، لذلك يعتبر الدهان من المساهمين في إكتشاف موهبتي بطريقة غير مباشرة، ومنذ ذلك الوقت لم يسلم مني أي جدار من جدران الشارع من رسوماتي وكذلك أوراق والدي ومعاملاته التي كنت أنال عقاباً على إتلافها.
في طفولتي ارسم من يزعجني وأبالغ في إظهاره بصورة مضحكة
برأيك، ما هو التاريخ الصحيح لظهور علي فرزات كرسام كاركاتير؟
المسألة هنا غير محددة، ولكن يعتبر بداية انطلاقي بالكاريكاتير في نهاية المرحلة الابتدائية وبداية الاعداداية، لكنني قبل هذه المرحلة كنت أقوم بالرسم ولكن لا أعرف نوع الرسم الذي كنت أقوم به هل هو كاريكاتير أو خربشة أو نوع آخر لا أعرف، ولكني لم أتوقف عن الرسم منذ ذلك الوقت.
كما كنت أقوم برسم من حولي فإذا أزعجني أحدهم أقوم برسمه وأبالغ بملامحه بطريقة مضحكة مما يدعو إلى استفزازه وهنا أشعر بالانتصار، حيث كنت أرسم أخي الصغير بطريقة مضحكة وأقوم بلصقها على السقف حتى لا يستطيع ازالتها.
أتذكر شيئا مهما، أن والدي كان يحضر أعداد لمجلات مصرية وكانت المجلات المصرية تهتم بالكاريكاتير بشكل كبير، وكان همي وقتها أن أتابع هذه الرسومات وأقوم بتقليدها، و كان هناك رسام ساحر جعلني أعشق الكاريكاتير كوسيلة ساخرة للتعبير عن أفكاري وكان اسمه (بيرني) حيث اكتشفت فيما بعد أنه مستشرق فرنسي يعيش في مصر ولكنه كان يرسم الروح المصرية أكثر من الرسامين المصريين أنفسهم.
هل كان من يشجعك في بداياتك؟
عندما كنت أقوم بالرسم كان هنالك الكثير من الناس يفعلون ذلك، كأستاذتي بالمدرسة ورفاقي الذين كنت أرى لهفتهم ودهشتهم أمام ما أقوم برسمه الأمر الذي كان يبعث السرور في داخلي، هذا الشيء كان بمثابة البوصلة بالنسبة لي وكان بمثابة الدافع الذي شجعني.
كما كان هناك شريحة بسيطة تترجم رسوماتي بطريقة صحيحة، فعندما كنت أرسم رسمة وأقصد بها شيء معين فكان رد الفعل أو التفسير لها يكون مماثلا لقصدي من اللوحة، وهذا أعطاني مؤشر أن التعبير عن الأفكار التي في ذهني كان صحيحاً.
كما حاولت أن أعرض أعمالي في المراكز الثقافية ومنها المركز الثقافي بمدينة دير الزور، حيث عين والدي كموظف هناك فانتقلنا من مدينة حماة، وهنا لابد من ذكر تأثير البيئة على الشخص فبحكم عمل والدي اضطررنا إلى الانتقال إلى ما يقارب الستة محافظات الأمر الذي ساعد على إغناء تجربتي، فالحياة باختصار هي التي كونت شخصية علي فرزات.
أرجع إلى موضوع مشاركاتي حيث حاولت في البداية المشاركة في النشطات المدرسية وغيرها من المعارض التي كانت تتم في المراكز الثقافية، ولكن غالباً ما كانت ترفض رسوماتي لاعتقادهم بأنها ليست رسوماتي وذلك لصغر سني.
صغر سني حال بيني وبين العمل مع صحيفة الأيام، وانتقد الممارسات برسمي
ما هو الانتصار الأول لعلي فرزات في مجال الكاريكاتير؟
في بداية الصف السابع تجرأت على ارسال واحدة من رسوماتي لجريدة كانت تصدر في دمشق اسمها الأيام، حيث فوجئت بالرسمة وهي منشورة بالصفحة الأولى تحت المانشيت وعندما رأيت العدد في الأسواق لم أصدق ذلك، بعدها بأيام راسلوني من الجريدة معتقدين أن علي فرزات رجل كبير وكلموني بلغة مفخمة حيث طلبوا مني الحضور إلى دمشق للعمل معهم، ولم أستطع السفر لصغر سن، ولكن يومها عرفت أين موقعي وبدأت رسوماتي تظهر بشكل دوري في الجريدة.
في الصف التاسع بدأ نشاطي بشكل رسمي في مجال الكاريكاتير، حيث أقمت عدداً من المعارض في المراكز الثقافية واصبح لرسوماتي معجبين، كما بدأت بتأليف قصص الأطفال حيث راسلت مجلة ماجد وأسامة.
بعد البكالوريا أي بداية السبعينات قدمت إلى دمشق وكان همي الأول هو إيجاد جريدة أو مجلة خاصة أعمل فيها، كانت الجرائد الخاصة في تلك الفترة أغلقت عند استلام حزب البعث للسلطة فلم يبق أمامي سوى الجرائد الرسمية حيث عملت في مجلة اسمها الموقف العربي ومن ثم انتقلت إلى جريدة الثورة وبقيت فيها حتى بداية الثمانينات فارتفعت مبيعات الجريدة بسبب الكاريكاتير، لا سيما وأنني نقلت الكاريكاتير من مساحة الكلام والتعليق إلى مساحة التحليل الذهني بدون كلام حيث وجد به القارئ متعة خاصة كونه جاء كنوع من التحايل على الرقيب.
كيف تصف لنا رسوماتك؟
رسوماتي تنتقد الممارسات، هي لكل زمان ومكان و ليست لمكان أو زمان معين، لذلك تصيب أكثر من هدف مرة واحدة.
استمر عملك في صحيفة الثورة حتى بداية الثمانينات، من بعد هذه الفترة وحتى ظهور صحيفة الدومري أين كان علي فرزات؟
كانت هذه الفترة عبارة عن عمل يومي بالإضافة إلى معارض مستمرة بشكل دائم سواء داخل القطر أو خارجه ولكن ضمن إطار محدود تقريباً، ويمكن أن نقول عن هذه الفترة أنها كانت ككرة الثلج فردود الفعل على رسوماتي كانت تكبر كالحلقات والدوائر في الماء حتى أنني في الفترة الأخيرة لم أعد أعلم أين أصبحت، فكان هناك أهتمام في الداخل ودعوات لمعارض من الخارج بالإضافة إلى الاهتمام الشعبي.
كل هذه الأشياء خلقت بداخلي رغبة للعمل، وأصبحت أشعر أنني مطالب من الناس بأن أقدم لهم عمل متميز بشكل مستمر وهذاالامر أخذ الكثير من وقتي واهتمامي، فكنت أمتنع كثيرا عن العمل عندما لا يعجبني علما أن التعامل المادي كان على القطعة فإذا لم أرسم لا يكون لدي مال، فكثير من الأحيان كان صحن الحمص يبقى لدي يومين وأكون راضيا فذلك كان أفضل بالنسبة لي من أن أقدم رسومات غير مقتنع بها.
الدومري صحيفة تشبة الناس، وتلقي بالضوء على المساحات المظلمة
وعن جريدة الدومري ماذا تضيف؟
بعد هذه الفترة كان انطلاق الدومري في العام 2001، ففي بداية العام 2000 كان هناك قانون جديد صدر هو قانون السماح للمطبوعات الخاصة بالصدور، وكنت من السباقين لتقديم طلب لإصدار جريدة ساخرة ولم أكن قررت اسمها بعد حتى وصلنا إلى اسم (الدومري) وهو الشخص الذي كان ينير الحارات القديمة فيلقي الضوء على المساحات المظلمة، ونحن بالصحيفة نلقي الضوء على المساحات المظلمة في حياتنا لذلك جاء الاسم متناسب تماماً مع عملنا ومهمتنا.
منذ البداية كان المشروع وطني والهدف الأساسي الخروج بجريدة تشبه الناس، حيث كانت بداية فترة جديدة وانطلاقة جديدة وحرية التعبير وما إلى ذلك وفعلا بدأنا بانطلاقة جريئة وجيدة ما لفت أنظار الخارج قبل الداخل حتى أن الـ cnn جاؤوا ليروا الجريدة الخاصة الأولى منذ عام الـ 63.
بعد ستة إلى سبعة أعداد بدأت الموازين تنقلب ضدي، ولولا محبة الناس لكنت الآن مسجوناً ليتوج الأمر بإغلاق الجريدة بشكل رسمي، وهنا تطهر اسم الجريدة من الشائعات التي ظهرت في تلك الفترة من أنني مدعوم من السلطة.
ولكن لا يمكن انكار إعجاب الناس بشكل عام بالجريدة وبهذه الخطوة حتى أن الجريدة كانت تباع قبل أن تصدر، فكان القراءة يطلبوها قبل الطباعة وكنا نطبع 85 ألف نسخة كما كنا نستعين بطبعة مسائية لتلبية الطلب.
امنح الفرصة للتنفس، وأنقل اعمالي للمنازل من خلال صالة العرض
لماذا افتتاح صالة معرض الآن ؟
بعد توقف “الدومري ” عن الصدور، وإنجاز ما لا يقلّ عن مائة وخمسة أعداد، في عامين ونصف كان المعرض هو فكرة للتواصل مع النّاس، والاستمرار في مشروعي الإنساني الذي يشبههم ويتيح لهم التنفّس من خلاله، ولا أخفي عليكِ فقد فاجئني هذا العدد من الحضور في حفل الافتتاح بعد فترة غياب طويلة.
فرغبتي في الالتقاء مع الناس وفتح باب الحوار والاستفسارت وخلق تفاعل وتواصل يومي معهم هو هدفي المباشر من هذا المكان، أما الهدف الآخر والغير المباشر فهو انتقال جزء من أعمالي إلى منزل كل شخص لتحوّله إلى معرض أيضاً.
كم عدد اللوحات المعروضة ؟
ما يتجاوز السبعون لوحة كاريكاتيرية حيث ضم المعرض رسومات تآلف معها الناس منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وأسعى من خلال عرضها إلى تحرَيض الناس على التفكير بطريقة جديدة تعتمد على الاكتشاف والتحليل الذهني لا التلقي.
الإخلاص للوطن هو خطي الأحمر، وتختلف الألوان باختلاف المصالح الشخصية
ما هي الأفكار التي تسعى لانجازها من خلال المعرض ؟
أفكار كثيرة اسعى إلى إنجازها من خلال صالة العرض هذه، وإحدى هذه الأفكار إقامة معارض بالأعمال الفنية المعروضة بالصّالة في كافة المحافظات السّورية، وكسر حاجز الخوف الذي يكبّل الناس لأزيل ستار الوهم الذي يمنعهم من اختراق مواضيع كثيرة والحوار فيها، فعندما طرقت هذا الباب أوّل مرّة اكتشف أنّه ليس من المستحيل مناقشته وعرضه، ولكن يجب أن يكون ذلك بطرق محسوبة وذكية لا انتحاريّة.
ماهو الخط الأحمر لدي فنان الكاريكاتير فرزات ؟
الإخلاص للوطن،هو الخط الأحمر الوحيد الذي أؤمن به، في زمن سوّقت فيه مصطلحات ومقولات تدور حول “الخطوط الحمراء” والتي اعتبرها مجرّد أشكال صنعها الإنسان لنشر الرّعب وتحريم توجيه كلمات الانتقاد، على الرّغم أن كل الأمور معرّضة للنقد.
أحمر، أصفر، أخضر تلك الألوان الثلاثة حيّرتني فهي تتغيّر من يوم لآخر باختلاف المصالح الشخصيّة التي تدفع أصحابها إلى تلوين الخطّ الأحمر باللون الأخضر أو اللون الأصفر أو بالعكس، إنّني على ثقة بأنّ المواطن السوري ليس بحاجة لأن يوضع له خطوطاً حمراء أو خضراء، لأنّ كل شخص حتى الأمّي الجاهل على علم بأن الوطن خطّ أحمر، والجميع على استعداد للاستشهاد من أجله، لا الهروب إلى الصفوف الخلفيّة والسفر خارج البلاد للحصول على جنسيّات مختلفة، ثم يتحدّث باسم الوطن.
فهناك فئتان متصارعتان تعيشان في سوريّة، الفئة الأولى يدها على الوطن وتخاف عليه، والثانية يدها في جيب الوطن.