عرض: محسن صالح
يسجل الفن في تفاصيله الدقيقة و في عمومياته تفاعلات المبدع أو المبدعة مع الواقع المحيط فنجد لوحات تضعنا أمام مانحس به و نلمسه و كأن الفنان عاش داخلنا و اتخذ له مكانا بالقرب من قلوبنا ينصت لكل مايدور ويخرج أسرار إحساساتنا للجميع في براءة الطفل وعفويته. في لوحات الفنانة المعمارية المبدعة “إبتسام الجيزاوي” نرى هذا النموذج ونحس به ، فنري تفاعل الفنانة المبدعة مع الواقع الذي يعيشه إنسان هذا العصر و نتوقف أمام زخم اللوحة من الخطوط و التفاعلات بين أجزائها لننصت في هدوء لهذه الترانيم التي نسمعها وكأننا في محراب مقدس حيث ترديدات أصوات الكهنة ورائحة البخور وجمال اللحظات النورانية.
في لوحات الفنانة المبدعة دكتورة ” إبتسام الجيزاوي” نلمح مايلي من جوانب تؤثر فينا و تجعلنا نعيد تأمل اللوحات ثانية لأننا ببساطة نجد أنفسنا في كل معني من معانيها بل نلمح أنفسنا في ضربات الفرشات و تداخل الألوان وتشابكها في معمار فني خالص .
نلمح في لوحات الفنانة انسحاق الإنسان أمام مايحيط به من معالم الحياة و لعلي أسمع في اللوحات صوت أبي العلاء المعري و هو يردد كلمة ” تعب كلها الحياة ” نلمح حالة من تفاعل الإنسان مع الواقع وفي اللوحات المرفقة لهذه المقالة القصيرة لانري ملامح محدده لوجوه أبطالها بل وجود لكتلة بشرية نعرفها وهي تواجه واقعا مأزوما أو ضاغطا .تتوالي اللوحات و نحن نصغي لهذه الحالة ونظل نفكر فيما يعانيه إنسان اليوم في تفرد من الفنانة لرسم صورة إنسان هذا العصر ، في لوحة ” قوة الضوء” نجد هذه الحالة من صغر جرم الإنسان أمام عالم قاسي مسيطر لايرحم ، فننكمش علي أنفسنا و كأننا ذلك الشخص.
ولاتنسي الفنانة الشابة أن تذكرنا في خطوطها بتأثير فن العمارة عليها ، حيث نري أشكال الهرم والمثلثات والمربعات والمستطيلات تطل علينا في بعض اللوحات تتجاور معها لوحات أخري للعمارة الإسلامية وغيرها ممثلة في تنوع من الأشكال تنقل حالة من الوجد للمحيط الذي نعايشه وكأني بفنانتنا تريد أن تؤكد علي الهوية و الخصوصية لواقعنا الذي نعيشه فنلمس رائحة الماضي وتنوع عناصر المكان من أفراد ومن أشكال في بوتقة تصهر كل هذا أما أعيننا فتمسك به و نجد أنفسنا فيه وهذه هي معالم الصدق الفني والإجادة في الوقت نفسه.
نجد في بعض اللوحات التي تحمل عنوان “صمت” ، ” فترة راحة لاحتساء فنجان القهوة” ” جزء منها” ” آدم وحواء” نري باليتة الألوان في هذه اللوحات تمتاز بتنوع بين الأخضر والأزرق والبرتقالي و الرمادي مع تنويعات أخري تضعنا أمام حالات من الصفاء والتأمل ، و تتعالي ذرات الوجد في لوحة آدم و حواء حيث الخيوط تشير و تعبر في تفاعل عنصري الحياة آدم و حواء في تناغم هو سر الوجود ذاته . لغة التعبير في هذه اللوحات شفيفة حالمة و هادئة فلا نري أي صراخ بل كل ضربة من ضربات الفرشاة تحمل نبضا لقلب كل لوحة فنحس بها كائنا حيا أمامنا نكاد نلمسه.
لايتركنا التاريخ في لوحات الفنانة “إبتسام الجيزاوي” حيث نري لوحة “تاريخ عظيم” حيث الهرم الأكبر سر الأسرار ومنبع الحكمة وأحد عجائب الدنيا السبعة ، نري الجميل في هذه اللوحة الإتكاء علي التاريخ الفرعوني في لوحة تتجدد معانيها مع روعة الألوان المبهجة التي نراها فيها وكأننا أمام احتفاء خاص بهذا الأثر التاريخي العظيم وتعبير عن حزمة من المشاعر والأحاسيس التي تحيط بهذا العمل الهندسي التاريخي التالد و الذي لايزال معجزة كل العصور. نري الهرم في هذه اللوحة ليس هرما بل قلبا نابضا بمعاني شكلتها ألوان مبهجة و خطوط من الضوء أنارت اللوحة وأنارت قلوبنا في الوقت ذاته.تتجاور مع هذه اللوحة ، لوحة أخري تحت مسمي حاكم آكادي نسبة إلي الآكاديين في العراق القديم لنري انصهار التاريخ من العراق القديم أو الحضارة الفرعونية في لوحات الفنانة مما يدل علي التوظيف للتاريخ ورموزه بشكل جديد يجعلنا نفكر فيه و في أحداثه و معالمه و نعيد النظر لآثاره في أنفسنا وعقولنا.
تنتهي جولتي السريعة في استعراض بعض جنبات لوحات الفنانة الدكتورة “إبتسام الجيزاوي” التي تقف أمام لوحاتها ،عزيزي القاريء ،و لاتريد أن تتحرك بعيدا عنها لأنها لوحات تعبر عن حالات خاصة نعايشها في واقعنا، حالات أرادت الفنانة أن تضعها أمامنا فنحلق معها في عالمها المتفرد المتميز فرحين بهذه الحالة الثرية والغنية بالمعاني والتأثيرات. كما أنه في ذات الوقت تتشابك عناصر عدة في لوحات الفنانة المبدعة من استلهام التاريخ ومن باليتة لونية معبرة وموحية ومتفاعلة مع عناصر كل لوحة و موضوعها ،فلا ندري بأي جنبات لوحاتها نعجب ، فنمر بأعيينا ثانية علي كل لوحة نسجلها في ذاكرتنا و لانريدها أن تتركنا أو نريد أن نتركها. فلمبدعة هذه الأعمال كل الشكر و التقدير لتميز إبداعها في عالم الفن التشكيلي.