صفحة من كتاب (صبحي العمري – الأوراق المجهولة ) للمحقق “سعد فنصة”، دونت وثائقها قبل مئة عام، في حقيقة “السلطان عبد الحميد” نقل بعضها عن والده الشيخ “أحمد العمري” الذي قابل السلطان “عبد الحميد الثاني” في قصر يلدز ، حين أقره قاضيا ومنحه راتبا باسم (شرافت معاشي) وخصصت له والدة السلطان راتبا شهريا باسم (دعاء كو) نظرا لإتصال نسبه بالخليفة الراشدي “عمر بن الخطاب” لذلك تُعَد شهادة والده ذات قيمة توثيقة عالية بما عرفه وشهده عن السلطان العثماني … يقول “صبحي العمري” :
ان السلطان عبد الحميد الذي حمل لقب خليفة المسلمين لمدة 33 عاما يرسل له الإتحاديون يهوديا وأرمنيا ليبلغوه خلعه من الخلافة الإسلامية والسلطنة … في 27 نيسان 1909 لينصب بدلا عنه أخوه “محمد رشاد” الخامس، في الليلة التي أعقبت خلعه بدون أن تعطى له الفرصة لاستدراك حوائجه وملابسه الضرورية، وتم نقله مع زوجاته الأربع وإثنين من أولاده وبناته وعدد من الخدم والمعية بلغ مجموعهم ثلاثون شخصا، أركبوهم قطارا الى سالونيك حيث وضع في قصر لأحد اثرياء الطليان، وبقي فيه تحت الإقامة الجبرية ممنوعا من الاتصال بأحد، وعندما أصبحت سالونيك تحت خطر الوقوع بيد الأعداء في حرب البلقان، نقل الى استانبول ووضع في سراي بيلربي بتاريخ 1 تشرين الثاني 1912 حيث بقي فيه الى أن توفاه الله في 10 شباط 1918. وقد جرى له تشييع جنازة رسمية، بكته استانبول بأسرها بعد أن زالت عنه الدعاية التي نشرتها الصحافة الأوربية مدعومين بأموال الصهيونية الدافقة بغزارة.
كانت الوف الناس في وداعه تنادي على جانبي الطريق ( الى من تتركنا ) لقد شعرت الأمة التركية فيما بعد بأن السلطان “عبد الحميد” كان عكس ما أشيع، عنه ليس أدل على اهتمامه بشؤونهم ،وإحساسه العال بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عهده من قيامه في الأيام الأولى من ارتقائه العرش، بدراسة أحوال البلاد المالية وتلقيه دروسا بالقواعد المالية، وقع اختياره على شخص من كبار رؤساء المصارف المالية في الاستانة يدعى (جورج ظريف) ليعلمه أصول القواعد العلمية لإدارة الاقتصاد، وسمح لمعلمه هذا بالدخول عليه بدون استئذان، أما فيما يخص سفكه للدماء فتبين أن الإعدام القانوني في عهده كان بحكم المعطل، وأنه لم يصادق في خلال حكمه من أحكام الإعدام، سوى حكم واحد صدر بحق رجل قتل والديه، وبعد تصديقه للحكم كسر القلم الذي وقع به التصديق، وأمر موظفيه أن يكسروا الأقلام التي حكموا بها في هذه القضية، بينما الدعاية التي ملئت الدنيا عنه بأنه ملأ البوسفور بمن أغرقهم فيه، لقد كان في حقيقته متدينا لا ينقطع، ولا يأت ما يتنافى والوجائب الدينية، يأمر بالخير وينهى عن الشر والظلم.
لقد كان عبد الحميد عفيف اليد والنفس ولم يعرف عنه أنه مد يده للخزينة أو لمال أحد أو غنم مغنما لنفسه، بل كان لا يقصر بالعطاء لمن يستحقه، كان حريصا على الإنفاق مقتصدا فيه، ورث عن عمه السلطان عبد العزيز عبئا ثقيلا من الديون تقدر بأكثر من مئتين وخمسين مليون من الليرات الذهبية، وكان له عدة هوايات تدلل على نفسيته واستعداده لهواية العلم والمطالعة بحيث تجمعت في مكتبات قصره واحدة من أهم مخازن الكتب من مختلف اللغات، يقضي في مكتبته كل يوم زهاء ساعتين أو ثلاث يقرأ لفرط ولعه بمكتبته، كان يستقبل فيها كبار الضيوف والوزراء والشخصيات الرسمية، وكان له في قصر يلدز معامل صغيرة حديثة وكاملة لممارسة هواياته منها معمل للخزف ومرسم لممارسة الرسم وآخر لولعه الشديد بالساعات، ومشغلٌ فيه كامل الأدوات لإصلاحها وآخر لإجراء التجارب الكيميائية، وآخر للحدادة وللنجارة، وكانت حديقة قصره تعج بأنواع نادرة من الطيور مرتبة في أقفاص منتظمة حرص على العناية بها بنفسه، كل ذلك يدل على أن هذا الرجل كان متفتحا متعلما فيه الكثير من المزايا التي تؤهله للقيام بأعباء الواجب العظيم الذي وضع على كاهله، ولا يمكن إغفال أن عبد الحميد إرتقى عرش السلطنة بأحرج الأوقات وأسوأ الظروف التي يمكن ان تمر بها السلطنة في أمورها الداخلية والخارجية….
( الصورة تمثل السلطان عبد الحميد مع باشواته ويجثو أمامه شقيقه الأصغر محمد وحيد الدين – السادس- آخر سلطان عثماني، بعد إلغاء السلطنة ونفي أفراد الاسرة، عملت زوجته السلطانة “شفيقة” -85 عاما – وابنتها الأميرة “عائشة” -60 عاما- غاسلات للصحون بأجر زهيد في أحد المصانع الفرنسية، حتى نهاية حياتهما، حين زارهما رئيس وزراء تركيا “عدنان مندريس” بكى بحرقة عندما شاهدهما في حالة من البؤس الشديد .. )