يقول الفنان الاميركي سول لوويت:
“أرغب بخلق فن يكون ثنائيّ الأبعاد إلى حدّ كبير: يبدو لي من الطبيعيّ والمفيد معالجة الجدار بدل اللجوء إلى قطع غيار أو ملاحق، والعمل عليها وتعليقها على هذا الجدار. في الفن المفهومي تكون الفكرة أو المفهوم هو الأساس. كل المشاريع وكل القرارات تسبق التنفيذ الذي يبقى شيئاً سطحيّاً. تتحوّل الفكرة إلى آلة تنتج الفن”.
افتتح المعرض الشخصي الخامس للفنان التشكيلي العراقي محمود شبر الذي حمل عنوان “إلى الامام” في العاصمة اللبنانية بيروت بتاريخ 26 اكتوبر/تشرين الأول 2015 على قاعة “ارت سبيس” الذي حمل زخم الذاكرة العراقية القريبة المشبعة بالعبثية لفترة اتسمت بكم من الصور التي لها حيز من الذاكرة المشوشة.
محمود شبر، وفي هذا المعرض، هو الاكثر تطرفاً في لوحة ربما يندرج في سياق سياسي بذاته ونقد لدولة تدعي أنها حامية لحقوق الانسان، الفن هنا يوثق تاريخ ومرحلة بين الصدمة والرعب ومسميات الحرب النظيفة والديموقراطية تلك اللحظات التي أتت بعد دخول الجيش الأميركي إلى العراق في العام 2003، عبر العمل على إشارات السير وودلالات الطرق التي كانت تشير الى مدن الحرب، وحرب المدن.
العراق وجهة واحدة، أسماء لأماكن دالة على وطن ما اسماً ومعنى والتي كانت تشير إلى حياة مدينة حالمة بالحرية لتجد مصيرها المحتوم من القتل والدمار لتبقى الدلالات ولغة الاشارة الشاخص السيميائي الدال لمعنى المعاجم اللغوية.
إن السومة والسيمة والسيمي والسيمياء تعني العلامة، ويعرف “المعجم الوسيط” علم السيمياء بأنه علم يبحث دلالة الإشارات في الحياة الاجتماعية وأَنظمتها، اهتمم بالأفكار ومخيلة الفرد والمجتمع.
يقول د. عاصم عبدالامير في تقديمه للمعرض “في المعرض نجد تأهيل إشارات المرور وترويضها بما يخدم بعدها التهكمي مع تعديل وظائفها باقتراح نقائض مفاهيمية”.
لعل التوثيق هو الرسالة التي أراد أن يوثقها الفننان من خلال الإدلاء بشهادته لذاكرة جيل عاصر فظائع الحرب التي شوهت المدينة وغيرت معالمها، أضحت المعلم الجديد تعطي سمة خاصة لمدينة وسمتها الحروب وحفرت جراحا غائرة لم تزل شاخصة على الجدران والمنازل كآثار الرصاص والقذائف والانفجارات.
“محمود شبر” الذي أكمل دراسة للفنون في كليّة الفنون الجميلة في جامعة بابل وهو نجل الفنان الراحل شاكر نعمة، كانت البيئة الفنية العائلية هي الدافع والمحفز الفنية للنشأة الأثر الكبير في صياغة وبلورة الشخصيه للفنان، حيث تربى وسط عائلة فنية كان لها الأثر الكبير في التوجه والاهتمام بالفن التشكيلي. حيث كان والده الفنان الراحل شاكر نعمة الذي درس الفن في إيطاليا 1972. وكان له دور فاعل في الحركه التشكيليه في العراق، وكذلك عمه الفنان الراحل د. زيدان نعمه الذي الهم الفنان في الدفع به نحو معترك الفن، وعمه الفنان عامر نعمه، ومن ثم اخيه د. علي النعمه.
لم يكن معرض الفنان شبر مشابهاً لما سبق من منجزه التشكيلي الذي كان يقترب من روح الطفولة في رسم تتجلى في جرأة الرسام في سبر غور أحلام الطفولة وعفويتها.
في المعرض الأخير “الى الامام” الذي يعد انتقالة في منجزه من حيث الاستعارات والتكنيك واللون والفكرة والمضمون والاخراج. استخدم شبر شكل ونمط “اللوحات الارشادية المرورية” الشواخص الحديدية التي استخدم فيه الوانا محددة وتكنكيكا خاصا، واستخدام خطوط خاصة ونش اللون بطريقة التشويه المتعمد المرشد الدلالي وتوظيف الدلة لتعرض الكم الذي نالته تلك الشواخص الحديدية من الرصاص، وحدة الموضوع نحو الدلالة التي تدل على اتجاهات الطرق وأماكن المدن ومعالم المدينة “البنك المركزي” و”المتحف العراقي” في اشارة واعية الى ما استهدفه المحتل من تدمير للبنية الاقتصادية وتدمير الارث الانساني الذي يمتد الى آلاف السنين.
ولعل الرمزية الى اتجاه الطريق الذي لاخيار فيه خصوصاً الطرق السريعة، فيه دلالة على القدر المحتوم الذي واجهه العراق في بداية دخول قوات الاحتلال.
وفي هذا المعرض “الى الامام” تكون السيمائية والاشارة والفن المفاهيمي، البعد الذي عمل عليه الفنان في توصيل بنية الخطاب الجمالي من خلال التزاحم الصوري للمدينة المحطمة من خلال المعطى البصري الذي أريد منه أن يضع التصوير المكاني الذي يوحي بمكان معين ويرتبط بزمان معين. التصوير الفوتوغرافي الافتراضي للمكان أعطى للوحة مصداقية وعاطفة.
يقول الفنان سيروان باران عن المعرض: “يقدم الفنان تجربته في بيروت محمله بآلام بلده، ذاكرة مرسخة بجيل كامل، إنها الشواهد على أكبر جريمة بالتاريخ الحديث. برأيي الشخصي اليوم هي بداية الدخول الموثوق ببصمة لهذا العالم المزدحم”.