موكب الألوان
سعد القاسم
19 شباط/فبراير 2019
في المركز الوطني للفنون البصرية افتتح مساء الأحد الماضي المعرض الفردي الأحدث للفنانة هالة المهايني الذي قال عنه الفنان غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز إنه يجسد إبداع فنانة حقيقية مع نفسها وإحساسها باللون، فعملها لا يشبه أحداً، وقد تم انتقاء عدد من اللوحات من ضمن أعمالها الكثيرة بما يمثلها، ولا سيما أنها تمثل جزءاً من الحركة التشكيلية السورية الجادة والحقيقية.
حين يحضر اسم الفنانة التشكيلية السورية هالة مهايني، لا بد أن يحضر معه عالم من الألوان الثرية، فهو أكثر ما يميز تجربتها في فن التصوير، والمائي منه خاصة، منذ أن اكتشفت عشقها لهذا الفن المجاور لاختصاصها الأكاديمي في العمارة الداخلية، حيث نالت شهادتها فيها من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1970 لتبدأ رحلة من العطاء الإبداعي متعددة الأوجه، يتوازى فيها التدريس مع العمل في التصميم الداخلي، مع الإبحار في محيط لا ضفاف له من اللون والضوء والنور..
الضوء والنور..ما الفرق؟
لوهلة يجده المتلقي واحداً لكن فنانتنا تراه مختلفاً: الضوء يأتي من الشمس. والنور يأتي من الإنسان، من الأشياء، من الراحة النفسية التي يكون فيها الإنسان، الضوء هو الذي يلون الأشياء، لكن النور هو الذي يخترق هذه الأشياء لتبدو بلون آخر أكثر صدقاً وبهاءً. وعلى هذه الرؤية فإن هالة مهايني لا تقوم بتصوير الأشياء، والمَشَاهد كما تراها، بل كما تُحسٌ بها، مستعيدة من ذاكرة بصرية خصبة صوراً محفوظة بأمانة شاهدتها وتأملتها، منذ كانت طفلة، في مدينتها الساحرة دمشق، لتوثق على السطح الأبيض، بطريقتها وقبل أن ننسى، ما أدهشها من جمال بات ينسحب لتحلّ محلّه مدينة جديدة تحاصر الضوء، وتحجب النور عن أشجار الليمون والكينا والياسمين، وتستبدل بالضجيج الهدوء الساحر الموشى بأصوات الطيور وهديلها.
ينطلق أسلوب هالة مهايني من الواقع نحو التجريد، فيمنحها إمكانية التخلي عن وفرةٍ من تفاصيل لا حاجة تشكيلية لها، وقدرةً على خلق عالم لوني مترفٌ في غناه وجماله، يشغل الضوء حيزاً استثنائياً فيه، ما يمنح المشاهد عبر اللوحة، إحساساً يجمع في الآن ذاته بين الفرح والبهجة والتأمل العميق، وهو حالٌ ُأمكن تحققه بفضل رهافة الفنانة في التعامل مع اللون والضوء (والنور)، وخبرتها المتنامية في الحوار مع سطح اللوحة، واستخلاص التأثيرات البصرية التي تريد منه، وهذه التأثيرات تحديداً هي ما يدعوها إلى اللجوء لأكثر من تقنية، نجد منها في معرضنا هذا الألوان المائية والألوان الزيتية والكولاج. فيما ترى أن العمل الفني ليس حلماً ولا أسطورة ولا حقيقة وإنما هو لحظة إنسانية معينة يهديها الفنان للآخرين.
في السيرة الإبداعية لهالة المهايني جائزتان من الصين ومهرجان المحبة في اللاذقية، ومشاركات وفيرة في المعارض الجماعية ومنها معرض (أربع تجارب فنية) عام 1999 الذي ضم إلى أعمالها أعمال: أسماء فيومي ولجينة الأصيل وضحى قدسي ، ومعارض فردية من أهمها معرض (ذاكرة مدينة) الذي ُأقيم بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإسيسكو) عام 2006.
وإلى ما سبق تحفل سيرتها الإبداعية بالتقدير الواسع الذي تلقاه، وتجربتها، من الوسط الثقافي التشكيلي، والذي سيكرسه هذا المعرض المهم الذي يستضيفه، مشكوراً، المركز الوطني للفنون البصرية، ومديره الفنان الرائد غياث الأخرس.