التشكيلي حسان أبو عياش: رحلة طويلة مع الديكور الفني وإنجازات باقية | ||
اختار الفنان حسان أبو عياش بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1965 العمل في التلفزيون العربي السوري كمهندس ديكور تلفزيوني بعد أن افتتن بهذا الجهاز الجديد ككل السوريين حينها رافضا فرصة عمل مغرية في الخارج أو أن يكون أحد معيدي كلية الفنون كونه أحد المتفوقين فيها. وبدأت رحلة التشكيلي أبو عياش مع الديكور التلفزيوني من عام 1966 وحتى اليوم وبالرغم من تقاعده عن العمل كموظف حكومي منذ عام 2003 ما زالت شركات القطاع الخاص تستعين بخبرته الكبيرة في الديكور الفني مسجلا بصمته في العديد من الأعمال السورية مثل مسلسلات زقاق المايلة والعبابيد وأيام شامية و باب الحارة وفيلم الأم ومسرحيات كاسك يا وطن وأبو الطيب المتنبي وغيرها. وعن عمله في الديكور الفني وحصيلة خبرته الطويلة في هذا المجال قال أبو عياش في حديث لـ سانا: ” أحاول بناء ديكورات الأعمال الدرامية بما يتناسب مع النص ورؤية المخرج وحجم الميزانية الإنتاجية المرصودة للعمل معتمدا على خبرتي في فن العمارة وقدرتي على نقل أفكاري عن طريق رسم المخططات والمناظير والرسوم التوضيحية التي أتقنها وذلك لتوضيح الأفكار مسبقا ولإبعاد العمل عن الارتجال”. وأضاف عضو اتحاد الفنانين التشكيليين ” فضلا عن ذلك أقوم بالبحث التوثيقي في الأعمال التي أكلف بتصميم ديكوراتها مستعينا بالمراجع و الكتب والموسوعات والصور التوثيقية للأماكن والطرز المعمارية لمختلف الأماكن والعصور إضافة لتبويب المعلومات والأحداث التاريخية”. وتابع أبو عياش: “الديكور التلفزيوني عمل مكلف إنتاجيا وخاصة بالنسبة للأعمال التاريخية والبيئية ويحتاج إلى زمن لإتقان تنفيذه وإلى كادر فني ومهني ذي خبرة ما يتطلب أن تكون نظرة الجهة الإنتاجية للديكور على أنه أحد عناصر العمل الأساسية التي تؤدي لنجاحه وتأمين قاعدة لوجستية تتضمن الاستديوهات المناسبة والمدن التلفزيونية المتكاملة والمزودة بالورشات والمستودعات المتخصصة للمفروشات والاكسسوارات وغيرها”. ويوضح مهندس ديكور مسلسل حمام القيشاني أن التلفزيون العربي السوري كان وحده يمتلك عناصر لوجستية لتنفيذ الأعمال الفنية مع محاولات لتطويرها وإنشاء مدينة للإنتاج التلفزيوني كما بدأت مؤسسة السينما التحضير لبناء مدينة سينمائية إلا أنها بقيت أفكارا لم تصل لمرحلة التنفيذ مشيرا إلى قيام بعض الجهات المنتجة الخاصة في سورية بإنشاء مدن تلفزيونية مصغرة غير مكتملة إلا أن أغلبها اندثر. وحول هذه النقطة بين أبو عياش أنه” لا يوجد اليوم في سورية استديو مناسب لتنفيذ الأعمال الكبيرة بمساحة 1000 إلى 3000 متر مربع كما في البلاد العربية المنتجة للأعمال التلفزيونية التي تصور فيها المهرجانات الغنائية الضخمة ولم يبن لدينا استديو بحجم استديو التلفزيون رقم 2 الذي نفذ في ستينيات القرن الماضي ومساحته 400 متر وكان يعد حينها الأكبر من نوعه بالشرق الأوسط”. وأضاف شيخ كار الديكور الفني في سورية: لقد أثرت الأزمة في سورية على هذه المهنة بسبب انخفاض الميزانيات المخصصة للديكور وغلاء أسعار المواد الأولية ومغادرة عدد من فنيي الديكور ذوي الخبرة للعمل في الخارج إضافة لارتفاع أجور النجوم على حساب ميزانية الجهات الفنية الأخرى وندرة أماكن التصوير الخارجي بسبب الظروف الراهنة كما أن أغلب البيوت الدمشقية التي كان يتم التصوير فيها تحولت إلى فنادق أو مطاعم. وأشار أبو عياش إلى أن لكل عمل قام بتصميم الديكور له ذكرى وأهمية خاصة لديه حسب زمن تنفيذه ولكن تبقى مسلسلات “أيام شامية والعبابيد وليالي الصالحية وباب الحارة وعنترة ودليلة والزيبق” من الأعمال المفضلة لديه حيث نالت إعجاب المشاهدين إضافة لمسرحية المتنبي ومهرجان الأغنية السورية بنسخه المتعددة. وأقام أبو عياش معرضا لأعماله بعد تقاعده عام 2003 ضم صورا للأعمال التي صممها ونفذها خلال سنوات عمله في التلفزيون السوري وهو تواق اليوم لإقامة معرض ثان عن مجمل أعماله وخاصة تلك التي تلت عام 2003 ولإصدار كتاب عن مجمل تلك الأعمال الفنية. وعن مزاولته لمهنة التدريس ونقل خبرته للأجيال قال ” أرغب بمزاولة مهنة التدريس لأنقل تجربتي في الديكور التلفزيوني التي تجاوزت الخمسين سنة ووضع كتاب يساعد في نقل تجربتي لمن يرغب الاستفادة منها”. ويؤكد أبو عياش أن بناء سورية الحديثة بعد انتهاء الأزمة الحالية لا بد أن يحافظ على الأصالة في أبنيتها ومنشآتها والمزج بين الحداثة والتراث وإشراك فنانين تشكيليين من مصورين ونحاتين ومهندسي ديكور وعمارة لإيجاد أساليب فنية مبتكرة تجمع بين المنفعة والجمال والأصالة والتميز. ورغم عمله الطويل في الديكور فإنه لم يأخذه بعيدا عن عالم الرسم واللوحة فقال “منذ نشأتي كنت هاويا للرسم وكنت أتأمل وأنا طفل صغير تلك اللوحات الطبيعية التي كانت والدتي الراحلة سعدى الغريب تزين بها بيتنا وخلال دراستي في عدة محافظات نظرا لطبيعة عمل والدي بسلك القضاء وتنقله المستمر لمست دائما تشجيع المدرسين فشاركت بلوحة وعمري لا يتجاوز 18 سنة بمعرض الخريف ثم انتسبت لكلية الفنون الجميلة بدمشق بفرع الديكور الذي كان يسمى فنونا زخرفية”. وأشار أبو عياش إلى أنه كان من مؤسسي نقابة الفنون الجميلة وعضو مجلس إدارتها لثلاث دورات وما زال مواظبا على الاشتراك في معرض الخريف السنوي وبعض المعارض الخاصة رغم إنتاجه الفني القليل نسبيا. أما عن تجربته التشكيلية فيبين أنها مرت بعدة مراحل ومدارس من الواقعية إلى السريالية إلى التجريدية بأساليب منوعة متأثرا بالمدارس الأوروبية الحديثة حيث ساعدته الكتب والموسوعات الفنية الأجنبية التي كان مواظبا على اقتنائها لزيادة اطلاعه على التيارات الفنية الحديثة في محاولة منه لإيجاد نمط فني خاص به معتمدا على التراث العربي الزخرفي والحداثة المعاصرة ليصل إلى أسلوب يقوم على الحوار بين الزخرفة والخط العربيوالحجوم المجسمة. ورغم العدد الكبير من الفنانين التشكيليين الذين تثير أعمالهم الإعجاب نتيجة العدد الكبير الذي تخرجه كلية الفنون الجميلة سنويا إلا أن أبو عياش يرى أن ما ينقص الحركة الفنية لدينا هي القاعدة الاهلية الحاضنة وعدم وجود متاحف للفن الحديث ما زاد الهوة بين الجمهور والفن التشكيلي. ويؤكد أبو عياش أن وجود المتاحف الفنية أمر مهم لإيصال الفن التشكيلي بمختلف أنواعه للجمهور وخاصة الشباب والأطفال من تلاميذ المدارس أسوة بكل البلاد المتقدمة ما يشجع المواطنين والمؤسسات على اقتناء هذه الأعمال وإيجاد حالة انتعاش في السوق الفنية السورية التي انتقل زخمها للبلاد العربية المجاورة. ويختم أبو عياش حديثه بالتعبير عن تفاؤله بمستقبل الفن التشكيلي السوري ويقول “الإنسان السوري نشيط ومحب للتطور والثقافة والإبداع وهو يواجه الأزمة ليعمل وينتج بجهد فردي ولكن الأزمات الاقتصادية تعوقه وتحد من طموحه” متوقعا زوال العقبات في المستقبل القريب وبناء أسس وطنية لحياة كريمة. التشكيلي حسان أبو عياش من مواليد السويداء عام 1943 من والدين لبنانيين تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1965 باختصاص ديكور وبعدها عمل في التلفزيون العربي السوري كمهندس ديكور حتى عام 2003 ليستمر بعدها في العمل مع القطاع الخاص وقام بتدريس الرسم لطلاب الهندسة المعمارية في جامعة دمشق لمدة خمسة وعشرين عاما كما درس في قسم السينوغرافيا بمعهد الفنون المسرحية وحاليا يدرس في دبلوم العلوم السينمائية التابع للمؤسسة العامة للسينما وهو عضو مؤسس في اتحاد التشكيليين السوريين ومشارك دائم في معارض وزارة الثقافة السنوية منذ عام 1961 وعمل في مجالات فنية متعددة منها تصميم الطوابع البريدية ورسوم الأطفال والإعلانات وصمم ديكور العديد من المطاعم والبيوت والحدائق وغيرها. |
||
سانا | ||
الأربعاء 2016-01-13 |
تمت مشاركة منشور من قبل Fareed Zaffour.