كلماته البسيطة الشفافة سطعت في سماء الأغنية العربية منذ مطلع ستينيات القرن الماضي ممهورة بحب سورية التي لم تفارق أشعاره حتى آخر لحظة من حياته فترك بصمة جميلة في نفوس الملايين سيظل صداها يتجدد كلما ذكر اسمه أنه الشاعر عيسى أيوب.
عن تجربته الشعرية المميزة وحياته وأهم ما تميز به الشاعر الراحل عيسى أيوب أوضحت زوجته السيدة ابتسام الدهما في حديث مع نشرة سانا الثقافية إن ” أيوب قرض الشعر منذ نعومة اظافره فكان جزءاً من ذاته لا يمكنه مفارقته في أي مكان ارتاده وخاصة في احياء دمشق القديمة التي عاش فيها وعبقت اشعاره بالتاريخ وبالياسمين الدمشقي الذي كان عشقه له مقدساً ليمتد هذا الحب إلى قريته الحواش فرأى فيها متنفساً لاشعاره منحته الطاقة الايجابية وهواؤها العليل منحه شحنة جديدة للعطاء”.
وأضافت “أحب أهل الحواش الراحل كثيراً فكانت له عندهم رمزية مميزة وخاصة انه كان يقيم فيها حفلات وفقرات مسرحية قام شخصياً بكتابتها وتمثيلها وكان يستضيف فيها كبار الفنانين أمثال الراحل وديع الصافي وسميرة توفيق وغيرهما”.
وتروي زوجة الراحل كيف ترك أيوب دراسة الرياضيات في الجامعة إرضاء لوالده إلى الأدب العربي عندما فاز بمسابقة لأفضل مسرحية أعلن عنها التلفزيون العربي السوري حينها.
وتروي الدهما حكاية أول الأغنيات التي كتبها أيوب عندما كان يتنزه في بستان للحمضيات امتلكه في الحواش ويغني من أشعاره فسمعها الراحل وديع الصافي وكان بصحبته الموسيقي الفنان الراحل فلمون وهبي فاخذ الصافي منه حينها كلمات أغنيته المشهورة هات الدربكة والعود ثم تتالى المطربون الذين أخذوا أغنياته ومنهم المطربة صباح والفنان ملحم بركات الذي كان يغار من الصافي ويقول لشاعرنا إذا بتبطل تعطي لوديع راح أخذ منك كل أشعارك وألحنها.
وتتحدث زوجة الشاعر الراحل عن حضور الوطن الدائم في قصائد أيوب في كل الظروف حتى انه كتب مرة قصيدة وهي في المخاض تلد ابنهما البكر شادي والتي غدت أغنية يا بلادي يا بلادي خدي شادي بكر ولادي لحنها الموسيقار الكبير سهيل عرفة وغناها المطرب اللبناني سمير يزبك.
وتمتع أيوب بصداقات عديدة مع كبار الشعراء والأدباء كما توضح الدهما ومنهم الشاعر الراحل نزار قباني الذي كان له دور في انتقال أيوب للعمل إلى مجال الكتابة للأطفال الذي أبدع فيه ليترأس مكتب الموسيقا ومسرح الأطفال في منظمة طلائع البعث كتب خلال ذلك كثيراً من الأغاني والمسرحيات للأطفال.
ولفتت الدهما إلى أن أيوب كان يشارك سنوياً خلال ثمانينيات القرن الماضي في مهرجان معرض دمشق الدولي حيث كان يكتب أغنية لكل مطرب سيشارك فيه ومن هذه الأغنيات قالوا الأرض مدورة للمطرب التونسي أحمد حمزة كما كان يشارك في مهرجان المحبة والسلام الذي كانت تستضيفه مدينة اللاذقية سنوياً.
وتبين زوجة أيوب عددا من محطات عمله ومنها البرنامج الزجلي كرم وعناقيد الذي كان يقدمه على أثير إذاعة دمشق وعمله كمسؤول عن دائرة النصوص في التلفزيون العربي السوري وتقول: “كان يشعر بسعادة غامرة عندما يقدم له نص غنائي يفصح عن ولادة شاعر جميل”.
حظيت أشعار أيوب باهتمام كثير من الدارسين والشعراء الذين رأوا فيها منبتاً للأغنية الشعبية الأصيلة القريبة من القلب والمشاعر وهو ما عبر عنه الدكتور جودت ابراهيم الأستاذ في كلية الآداب بجامعة البعث بان عيسى أيوب كان واحداً من أعلام الأدب الشعبي وأحد منتجي الشعر الشعبي الذين ذاع صيتهم من سورية إلى العالم عبر مشاركاتهم في المهرجانات والأمسيات الشعرية والمراكز الثقافية والجامعات.
وقال ابراهيم: “كان أيوب من شعراء الزجل السوريين ظل طوال عمره يحمل الضيعة في وعيه ووجدانه فقصائده تحفل بكرومها وخضرتها وبعرق الفلاح وتعبه كما تميزت بحب الوطن وهموم أبنائه والبساطة المتينة في مفرداته وتعابيره التي تقترب كثيراً من الفصحى”.
من جهته اعتبر الشاعر شلاش الضاهر أن رائحة الأرض والطيون والزعتر البري فاحت من أشعار ايوب فاستطاع من خلالها رسم لوحات فنية تتربع فيها السهولة والبساطة والرقة عرش اللحظة التي تمنحها هوية تضج برائحة الحب والملاحة والجمال.
وأضاف: “نقلت مجموعات أيوب الشعرية مفردات البيئة الريفية متمثلة بقريته الحواش إلى اقصى بقاع الارض عبر حروفه التي مازالت تسيل عبر حناجر المطربين فهو يمثل قامة ادبية عظيمة من قامات الفن والإبداع الملتزم”.
بدوره رأى الأديب والقاص والروائي نبيه الحسن أن الشاعر أيوب قدم جانباً من تراث سورية العظيم الذي نفتخر به والذي يعشعش في ذاكرتنا ومنه ما يسمى بـ القراديات معتبرا أن ايوب كان مدرسة يحتذى بها في مجال الشعر المحكي لامست قصائده وجدان كل من قرأها ورددها عبر جيل كامل عدا عن نتاجه الثقافي المتميز في المسرح والتأليف والتقديم وغيرها من الفنون.
الشاعرة لمى الريس وصفت أيوب بانه مدرسة في شعر الزجل والشعر العمودي وبأنه ملحمة من ملاحم الوطن الفكرية التي أغنت المنبر الثقافي في سورية بالفكر النير والمفردات والافكار كما أنه حمل رسالة سامية لاجيال من خلال اشعاره التي حفظتها الذاكرة وتغنى بالوطن والحب والشهيد كما تميز بالشعر الوجداني الذي امتزج في خلايا روحه وتناغم بين قلبه وفكره.
من جانبها شاعرة الشعر المحكي شيراز ابراهيم عبرت عن إعجابها بالأسلوب الشعري الذي يمتلكه الشاعر عيسى أيوب إضافة إلى ما تكتنزه قصائده سواء المحكية أو العمودية من مفردات قوية تشد القارئ إليها وعبارات رنانة لها وقعها اختار معظمها كبار المطربين العرب لتكون كلمات لأغنياتهم.
تجدر الإشارة إلى أن الشاعر الراحل عيسى أيوب هو من مواليد عام 1946 حصل على اجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق وكان عضوا في اتحادي الكتاب والصحفيين العرب وفي جمعية المؤلفين والملحنين الدولية كتب اكثر من الفي اغنية لكبار المطربين العرب وألف اثني عشر ديواناً شعريا بالفصحى والعامية وترجمت دواوينه إلى الايطالية كما له دراسات تربوية وتراثية ومقالات في الاغنية القديمة والحديثة وعمل رئيسا لتحرير مجلة الطليعي وحاز الكثير من الجوائز المحلية والدولية ومنها الجائزة العالمية لأغنية الطفل في مهرجان النقود الذهبية في إيطاليا.
حنان سويد_ لارا أحمد