حكايا الحصون والقلاع.. (1)..
قلعة الحصن “شبتون”
من حجارة كلسية رفعوها أهل شبتون فوق تلة نار لحصن شامخ بالعالي بيشهد عا عتق الزمان بهاﻷرض اللي جمعت فيها النعمة والحكمة والجمال وعفرت ترابها بعبق التاريخ…..
حكاية قلعة مر عليها عهود وعصور وأزمان وناس وغزاة ومحتلين ..كلن راحوا..وبقيت هي.. قلعة صامدة بوجه الزمن ..قلعة حصن شبتون أو قلعة الحصن..
تعتبر من أهم اﻷوابد التاريخية اﻷثرية والمعمارية بسوريا.. وهي من أكبر وأضخم القلاع وأشهرها بالعالم ﻷنها بقيت قائمة ومحافظة على بنائها بشكل كامل لحد وقتنا الحالي…
وبتتميز القلعة بهندستها العسكرية وقوة تحصيناتها الدفاعية وببنائها وزخارفها الرائعة وبجدرانها وشرفاتها وأبراجها العالية ودهاليزها ومقاذيفها وشقوق مرامي السهام و أبنيتها…يعني بتحمل مزيج رائع من حضارات الشرق والغرب بفن العمارة..
بالبداية رح احكيلكن حكاية اﻹسم الحقيقي للقلعة ومين بناها وايمتا.. والمارقين من صوبها .. وبعدين رح نعمل أنا وانتو زيارة سريعة للقلعة ونتعرف عليها وعلى أبنيتها..(يعني فيكن تهربوا وماتكفوا قراءة بعد ما تخلص الحكاية)…
بتقول الحكاية ..انو القلعة انعرفت بعدة أسماء على مر العصور :قلعة حصن شبتون _ حصن بيرجاس _حصن المرداسي _حصن السفح أو الصفح _حصن الكراك _حصن اﻷكراد _حصن اﻹسبتارية أو (فرسان المشفى) _ قلعة كراك دو شوفالييه (حصن الفرسان) _ وقلعة الحصن ..
طبعا قام مجموعة من الباحثين والمؤرخين اﻷوربيين بدراسة علمية للقلعة على اعتبارها من أضخم وأكبر وأهم القلاع الصليبية (بالعالم) بالقرون الوسطى وباﻷراضي المقدسة (حطوا شي ألف اشارة تعجب واستفهام..تحت هالعنوان)..
هﻷ المعروف والمؤكد انو القلعة ما انبنت دفعة وحدة..انما على مراحل و بعصور مختلفة ..
فذكروا المؤرخين انو اليونانيين بنوا معقل عسكري بهالمنطقة يعني مكان القلعة وسموه برجاس (من كلمة برج ) يعني الحصن او المعقل..والدليل انو على أحد جدران القلعة محفور كتابة باللاتينية القديمة هي عبارة عن حكمة (اذا زرتوا القلعة رح تشوفوها)..بتقول الحكمة :
“اذا منحت النعمة ومنحت الحكمة وفوقها الجمال ..فلا تدع التعجرف يقترن بها ﻷنه يذهب بها جميعا..”
والحقيقة انو اليونان بنوا حصن أو برج بالقلعة فوق أنقاض قلعة قديمة جدا اسمها قلعة شبتون..وهي كلمة آرامية على اسم الضيعة القريبة منها شبتون (عمار الحصن).. ومعنى شبتون باﻵرامية هو شمرة ..أخدت اسمها من نهر شبتي (يعني شمار) وهو نهر أو وادي سيلي مؤقت بيجري بالشتي وبيجف بالصيف .. بيجري من سفوح هضبتها البركانية من الشرق بين قرية الدغلة بالشمال والبقيعة بالجنوب بتطلع باﻷراضي مطرح مابيمر هالنهر نبتة الشمرا المعروفة (كل السيدات بيستخدموها جافة كبهارات طيبة وعطرية للحلويات وخاصة القراص)…. وهالنهر المؤقت بيعرفوه أهل ضيع وادي النضارة (عمار الحصن..القلاطية.. عين العجوز.. المزينة.. الحواش.. عناز.. التلة.. عش الشوحة..نبع الناصرية..)..وأهل ضيعة شبتون (عمار الحصن) اﻷوائل بيرجعوا بأصولهن لﻵرامية.. وعمر البلدة حوالي 3500 سنة يعني من 1800 ق.م.. معظم أسماء القرى والنباتات واﻷشجار وبعض أسماء العلم و كتير من المفردات بلهجة المنطقة مازالت آرامية..ومع هيك قالوا الباحثين اﻷوروبيين انو لسه مو متأكدين بانو اﻵراميين عاشوا بهالمنطقة وقال شو بحاجة للدراسة والبحث للتأكد من هالكلام!!!!!! ﻷنو اﻵرامين نزلوا من المريخ شربوا متة عنا بالمنطقة و بعدين رجعوا عاكوكبن..
بس في شي مؤكد عالميا وما بيقدروا ينكروه هو وثائق ونصوص تل العمارنة اللي بتذكر انو قلعة شبتون بيرجع بنائها لﻷلف التاني قبل الميلاد من حكاية فرعون مصر تحوتمس التالت لما هاجم سوريا ﻹحتلالها من طريق فلسطين ..دمشق.. وعجز عن التقدم للداخل بسبب تصدي قلعة شبتون لجيشه.. فرجع وحاول يدخل سوريا من البحر من جبيل بلبنان وعمل حيلة (مصاهرة ) بانو زوج ابنه من بنت أمير جبيل منشان يساعده للوصول لمنطقة شبتون..
وكانوا الحثيين محتلين للمنطقة بوقتها ..فكانوا متمركزين على تلة بطرف سهل البقيعة الشرقي.. فقام أهل شبتون نصحوهن وطلبوا منهن انو يسمحولن يبنوا حصن فوق الهضبة مكان القلعة الحالي..لمراقبة تمركز جيش المصريين .. وهيك صار..وكان هاد أول عمل لبناء القلعة .. يعني فكرة أهل شبتون (عمار الحصن) وتصميمهن وتنفيذ ايديهن وبحجارتهن كمان…
وبالقرن ال15 ق.م (1500 ق.م) بعهد رعمسيس التاني لمن اجا على سوريا لمحاربة الحثيين (معروفة المعارك اللي صارت بينهن. قادش اﻷولى والتانية) .. كانت قلعة شبتون مبنية وقائمة كحصن منيع وقوي ..طبعا استغل الجهة الجنوبية نقطة الضعف وقدر يسيطر عالقلعة فطور وزاد بالبناء والعمران فأمر ببناء بعض اﻷبراج والسور الداخلي عاﻷغلب.. واكتشف بوقتها أهمية هالموقع كمفتاح للداخل السوري.. وسموا قلعة شبتون باسم حصن السفح..وقبيل الميلاد اجوا اليونانيين وسموا الحصن ب برجاس…… هالحكي كله قبل الميلاد..
هﻷ في جزء من التاريخ غير معروف عن القلعة أو لسه ماتمت دراسته وهو من بداية الميلاد لسنة 1031م ..من هالتاريخ بيرجع اسم القلعة للظهور على مسرح الأحداث ..بهالسنة شيد المرداسيين (من قبيلة هوازن القيسية هاجروا من نجد واستقروا على شواطئ الفرات الشامية بسنة 1024م)..بعهد أمير حمص شبل الدولة نصر بن صالح المرداسي..شيد برج صغير بالقلعة لحماية القوافل التجارية القادمة من سواحل بلاد الشام لداخل البلاد..وبعد كم سنة بعت اﻷمير نصر المرداسي حامية من اﻷكراد ليسكنوا بالحصن لحمايته..وصار اسم القلعة حصن اﻷكراد…
بسنة 1099م وصلت أولى الحملات الصليبية للمنطقة واستولوا عالحصن بقيادة ريموند صنجيل وطبعا دمروا وقتلوا ونهبوا القرى والمزارع المحيطة ..وسموا الحصن بقلعة الكراك الصليبية..أيووه ..هﻷ الصليبيين اﻷوربيين اللي اجوا بالحملة الصليبية اﻷولى كانوا عبارة عن مجموعات من المرتزقة الرعاع لا حاملين ثقافة ولا حضارة اجوا كغزاة ومحتلين لبلادنا..ما اجوا يعمروا ويبنوا وينشروا ثقافة..
ومع هيك أصر المؤرخين يسموا قلعة الحصن كأهم القلاع الصليبية ..!!!!!
ورجع أمير حمص استعاد القلعة بسنة 1102م ..وبعدو استولى عالقلعة أمير أنطاكيا بسنة 1110م.. وبعدا استولى عليها أمير طرابلس وضمها لولاية طرابلس فزاد عالقلعة بعض المنشآت الدفاعية وبعض المرافق الحيوية.. وسلمها بسنة 1144م لفرسان القديس يوحنا المعروفين باسم اﻹسبتارية (فرسان المشفى) فبنوا فيها قاعات ودفاعات جديدة وسموها قلعة فرسان المشفى (اﻹسبتارية).. وبسنة 1157م ضربها زلزال ..فقاموا بترميم اﻷقسام المدمرة ومن وقتها صار اسمها حصن الفرسان أو كراك دو شوفالييه…وبعدين من ال 1163…لل 1285م تناوب على احتلال وحصار ودمار واستعادة سيطرة واعادة ترميم وزيادة تحصينات القلعة : الزلازل والمماليك واﻷيوبيين وبقايا الصليبين وغيرهن وغيرهن…وأهملت القلعة بفترة اﻹحتلال العثماني لفترة اﻹحتلال الفرنسي لبلدنا ..بسنة 1926م أجبرت حكومة اﻹحتلال الفرنسي العتيدة الحكومة السورية بوقتها على بيع قلعة الحصن لتصير ملك الحكومة الفرنسية المحتلة (كانوا مدرجين عادة البيع اﻹجباري والمتاجرة باﻷراضي واﻷملاك والمناطق والمدن السورية لفرنسا وتركيا وغيرهن) .. وضلت القلعة تحت سيطرتهن لوقت استقلال سوريا.. وطبعا نقبوا وبحثوا وأخفوا المعلومات واللقى والتاريخ اللي وجدوه بالقلعة بعد ما طلعوا السكان (الجهلة والرعاع حسب رأيهن) من القلعة وسكنوهن بالقرى المجاوة بحجة انو بدهن ينضفوا ويرمموا القلعة …
طبعا الحكاية ما خلصت بس هون رح نوقفها .. منشان نلحق نزور القلعة ونتعرف عليها :..
_بتشغل القلعة موقع مميز لمراقبة طرق التجارة قديما ومراقبة تحركات الجيوش وصد هجماتهن..ولمراقبة طريق الحج للقدس بعصور لاحقة.. وكان الهدف من بنائها هو التحكم بفتحة حمص اللي تعتبر منفذ أو مدخل لسوريا من الساحل و صلة الوصل بدول البحر المتوسط..فالقلعة بتشرف عل محور حمص _ طرابلس اللي هو من أهم المحاور بين الساحل والداخل … منشان هيك تم بناء القلعة فوق هضبة بركانية (هي نهاية سلسلة الجبال الساحلية السورية بوادي النضارة بوسط سوريا) وبترتفع حوالي 650 م فوق سطح البحر.. وبحكم اﻹنحدار الشديد للهضبة من جهاتها التلاتة ..خلا اقتحام القلعة صعب جدا.. فكانت القلعة وموقعها مركز استراتيجي وعسكري هام جدا .. ومن أفضل نماذج التحصينات بمشرقنا..
فمن أبراجها العالية ممكن نشوف القصر اﻷبيض (برج صافيتا) والبحر من جهة الغرب..وجبال عكار ولبنان من جهة الجنوب .. وممكن نشوف بحيرة قادش (قطينة) وأطراف مدينة حمص من جهة الشرق..وطبيعي نشوف كل وادي النضارة من جهة الشمال..
وبتمتد القلعة مع خندقها مسافة 240 م من الشمال للجنوب.. و170 م من الشرق للغرب..ومساحتها حوالي 3 هكتار.. شكلها مضلع غير منتظم قطره الكبير 200م وقطره الصغير 140م .. بتتسع لحامية تعدادها فوق 3000 محارب مع عتادهن وخيولهن ومؤونتهن فمخازنها ممكن تستوعب مؤونة تكفي ل ه سنوات .. لهيك تعتبر نموذج كامل للقلاع العسكرية المحصنة..
بنية القلعة ممتازة وقوية ﻷنها مبنية من الحجار الكلسية اللي كانوا يأمنوها من بلدة شبتون عمار الحصن القريبة منها مسافة 4كم..وميزة الحجر الكلسي انو خفيف الوزن وطييع أثناء النحت….
وبتتألف القلعة من حصنين .. داخلي وخارجي بيفصل بينهن خندق مائي عريض طوله حوالي 70م بيعزل القلعة الداخلية (الحصن القديم) عن السور الخارجي ..محفور بالصخر ومكسو بنوع من الحجر المتين المصقولة سطوحه (حجر من كربونات الكالسيوم المتبلورة الموجودة بالمنطقة) .. وحول الحصن الخارجي في خندق أو قناة (مازالت بعض آثاره باقية) بيعزل القلعة عن الجرف المنحدر …فخطوط الدفاع كانت : الخندق المائي الخارجي والحصن الخارجي.. والخندق المائي الداخلي والحصن الداخلي.. وهنن عبارة عن حلقتين من التحصينات الهن مركز واحد..موصولين بمدخل طويل منحدر..
الحصن الخارجي هو سور القلعة الخارجي بيتألف من عدة طوابق واﻹصطبلات والمستودعات وغرف الجلوس والشرفات..ومزود ب 13 برج بأشكال مختلفة دائرية و مربعة أو مستطيلة.. بالواجهة الشمالية في بوابة صغيرة ثانوية اسمها
بوابة (باشور نيقولاس لورين) وهي بوابة منزلقة بتودي لدهليز مستقيم بيوصل لقاعة صغيرة ومنها لباحة بين السورين.. والمدخل الرئيسي موجود بالواجهة الشرقية عبارة عن بوابة ضخمة مرتفعة عن سطح اﻷرض كانوا يدخلولها بواسطة جسر متحرك..موجودة ضمن برج مربع مفتوحة على ردهة مربعة ومسقوفة ومزينة جوانب البوابة من الخارج بأسدين …
أما الحصن الداخلي أو القلعة القديمة فمبني فوق قاعدة صخرية مرتفعة ..محاطة بخندق مائي بيفصلها عن الحصن الخارجي ومسلطة عليه 5 أقنية لجر مياه اﻷمطار باتجاه الخندق ..الها بوابة رئيسية بتتصل بباب القلعة الخارجي بواسطة دهليز طويل ومنحدر .. وبيتميز الحصن الداخلي ب 5 أبراج عالية ومرتفعة ومؤلف من طابقين .. اﻷرضي بيضم فسحة سماوية حواليها موجود أقبية وعنابر وقاعة اﻹجتماعات وقاعة الفرسان والحرس الملوكي والكنيسة ( اللي صارت مسجد بالعهد اﻹسلامي ) والقصر والمسرح الدائري والمطعم والغرف والمعاصر ومخازن المؤنة والفرن الدائري لصنع الخبز.. والعلوي موجود فيه مهاجع نوم الجنود وأسطح مكشوفة واﻷبراج متل (برج قائد القلعة_ برج قائد الفرسان..برج بنت الملك..).. وبالقلعة 21 بئر لتجميع مياه اﻷمطار (تم تصميم كل السطوح وقنوات التصريف بشكل شبه مائل بهدف تحديد سير المياه باتجاه اﻵبار..)..وطبعا لسه فيها كتير من التفاصيل الجميلة بس متل ماقلتلكن كانت هيدي زيارة سريعة للقلعة…
فعلا قلعة شبتون من أجمل القلاع اللي انبنت من آلاف السنين بسوريا وبإيدين السوريين…وحييتوا يا سوريين… وتحيا سوريا…