Animation هو التعبير المتفق عليه عالمياً على تسميتها الآن بعدما كانت قد إشتهرت بالـ”كارتون” في القرن العشرين، والرسوم المتحركة تُعرف بأنها خلق متسلسلة من الصور المرسومة أو الملونة أو المنتجة بأي طريقة فنية أخرى والتي تتغير مع الزمن لخلق إحساس بصري بالحركة، لكن ذلك ليس قضيتنا في هذا المقال، بل قضيتنا استعراض تاريخ الرسوم المتحركة.
نبذة تاريخية
بعض الشواهد التاريخية المكتشفة توضح أن للإنسان منذ ظهوره على الأرض رغبة في توثيق بعض قصصه وإنجازاته واكتشافاته المختلفة عن طريق متسلسلة صور لو تم النظر إليها لوجدت أنها تمثل شكل ما من الرسوم المتحركة، مثل بعض الرسوم في الكهوف التي ترجع للعصر الحجري والتي تصور حيوانات يتغير مكانها أو موضع قدمها بتتابع الرسومات، أو قطعة فخارية تم اكتشافها في إيران تعود لـحوالي 5200 سنة مضت توضح في خمسة صور متتالية ماعزاً يحاول القفز عالياً ليأكل من شجرة، أو متتابعة صور في مقبرة مصرية قديمة تعود لحوالي 4000 سنة مضت تصور مباراة مصارعة، أو إلى ليوناردو دافنشي وبعض رسوماته لأعضاء الجسم البشري التي تشكل تتابعاً لصور متحركة، في النهاية كل هذه الشواهد لا يمكن اعتبارها رسوم متحركة ولكن بلا شك أنها تعتبر حجر أساس في تطور هذا الفن .
المحاولات الأولى
كخطوة تعتبر تطوراً نسبياً في فن الرسوم المتحركة تم ابتكار أجهزة متنوعة في الفترة الزمنية التي سبقت فكرة “فيلم الكارتون”، أجهزة تعرض متتابعة لصور بطريقة أو بأخرى لتصنع صورة متحركة، أجهزة صنعت للترفيه والامتاع أو لإخافة الناس أحياناً، وكان أغلبها للاستخدام الفردي مما يجعلها أقرب لأن تكون “ألعاباً” من أن تعتبر آلات لعرض الصور المتحركة كما سيظهر لاحقاً في هذه الصناعة، ومعظم هذه الأجهزة لا يزال يصنع منها حتى الآن ليتعرف من خلالها الطلبة على أساسيات فن الرسوم المتحركة، وفيما يلي أمثلة لبعض الأجهزة التي ظهرت:
1- الفانوس السحري (The magic lantern) عام 1650: جهاز يعتبر النواة الأولية لجهاز البروجيكتور (Projector) الذي يُستخدم حالياً، وكان عبارة عن لوحة شفافة وشمعة أو أي مصدر ضوء زيتي وعدسة وغرفة مظلمة ويقوم الجهاز بعرض متتالية الصور على أي جدار مستوي.
2- تامتروب (Thaumatrope) عام 1824: لعبة شهيرة في القرن التاسع عشر للأطفال، عبارة عن قرص بوجهبن على كل وجه صورة مختلفة، وجه تعلوه صورة أحد الحيوانات، ووجه تعلوه صورة لقفص فارغ، ومع تحريك خيط مربوط بالقرص يدور القرص حول محوره ليصنع صورة متحركة لدخول الحيوان قفصه والخروج منه مرة أخرى، كما في الصورة التالية.
3- فيناكيستوسكوب (Phenakistoscope) عام 1831: يعتبر جهاز أولي لعرض الرسوم المتحركة تم اختراعه في عام 1831 بواسطة البلجيكي جوسيف بلاتو والنمساوي سيمون فون ستامفر، وهو يحتوي على قرص مرسوم عليه متسلسلة من الصور حول مركزه وعند دوران القرص تظهر حركة الصور فتحدث إحساساً بصرياً بصورة متحركة.
4- زويتروب (Zoetrope) عام 1834: جهاز وضع فكرته ويليام جورج هورنر، ويعمل بنفس مبادىء الـفيناكيستوسكوب (Phenakistoscope)، فكان عبارة عن جهاز أسطواني يدور ليعرض صور متسلسلة مرسومة حول محيطه الداخلي لتصنع عند رؤيتها من أحد فتحاته الخارجية صورة متحركة.
5- الكتاب المتقلب (Flip book) عام 1868: لعلك رأيته يوماً في عصرنا الحالي برفقة أحد رفاقك المهتمين بالرسم أو قمت بعمله شخصياً، الكتاب ذو الصفحات المتقلبة السريعة التي تصنع إحساس الرسوم المتحركة يملك براءة إختراعه جون بارنس لينيت، وهو عبارة عن كتاب كل صفحة فيه ترسم فيها طور مختلف لحركة ما وعند تقليبه سريعاً يظهر الرسم المتحرك.
6- براكزينسكوب (Praxinoscope) عام 1877: وبالوصول للبراكزينسكوب نكون قد وصلنا لأول جهاز يعرض الرسوم المتحركة على شاشة، وتم ابتكاره في فرنسا بواسطة مدرس العلوم تشارلز إيملي رينود، وفي عام 1892 قام بعرض أول فيلم رسوم متحركة للعامة Pauvre Pierrot (اضغط هنا لمشاهدته)، وكان يتكون من 500 إطار من صور مرسومة بما يعادل 15 دقيقة، وفي عام 1900 بلغ عدد من حضروا هذه العروض 500 ألف شخص.
البداية الحقيقية
بعد كل هذه المحاولات السابقة على مر العصور لصناعة رسوم متحركة تم تسجيل أول محاولة لفيلم رسوم متحركة، وهو الرسم المسحور عام 1900، وأخرجه ج. ستيوارت بلاكتون، ثم أتبعه بأول فيلم كارتون كامل أطوار فكاهية لوجوه طريفة عام 1906، وبسببه يعتبر الأب المؤسس للرسوم المتحركة الأمريكية، أما عن أوروبا فقام الفرنسي إميل كول بعمل أول فيلم كارتون هناك والذي عُرف بـFantasmagorie عام 1908، وكان هذا النوع من الأفلام الأولية يظهر بخلفية سوداء نتيجة رسم كل إطار ثم وضعه على شريط النيجاتيف السينمائي.
بعد ذلك بنى رسام الكاريكاتير والصحفي وينسور مكاي على من سبقوه، وقام بتجميع فريق من الرسامين لعمل رسومات أكثر حيوية تتمتع بخلفيات وتفاصيل أكثر من تجارب السابقين، ونجح في إخراج ثلاثة أفلام كارتون ناجحة وهم نيمو الصغير عام 1911، والديناصور جريتي عام 1914، وغرق وستيانا عام 1918 .
وخلال الأعوام العشرة الأولى من القرن العشرين وفي تطور سريع أصبحت صناعة أفلام الرسوم المتحركة والتي عرفت وقتها بالـ”كارتون” صناعة في حد ذاتها، وكثر إنتاج الأفلام القصيرة منها وعرضها في صالات السينما وكان أكثر المنتجين نجاحاً في هذه الفترة هو جون راندولف براي والذي بالتعاون مع الرسام إيرل هرد تُنسب إليهم صناعة أفلام الكارتون الكلاسيكية.
وفي عام 1920 ابتكر أوتو ميسمر من استديوهات بات سوليفان شخصية القط فيلكس وتم توزيع أفلامها بشكل ضخم، وجذبت الكثير من الجمهور وكان فيلكس أول كارتون يتم توزيعه تجارياً، وفي ألمانيا أيضاً ظهرت محاولة لعمل رسوم متحركة بواسطة والتر رتمان ولكن الرقابة النازية أوقفت تطور هذا الفن بعد 1933.
العصر الذهبي
في عام 1923 قام والت ديزني بعد إفلاس استديو Laugh-O-Grams خاصته بقتح استديو جديد في لوس أنجيلوس، أول المشاريع لديزني كانت سلسلة كارتون كوميديا أليس، وتتمحور حول فتاة حقيقية تتفاعل مع شخصيات رسوم متحركة، ولكن انطلاقة ديزني الحقيقية كانت بإنتاج أول فيلم كارتون يحتوي على صوت ليؤسس بذلك عصر جديد من أفلام الكارتون وكان هذا الفيلم باسم Steamboat Willie عام 1928 وهو الفيلم الثالث لشخصية ميكي ماوس الشهيرة.
وفي عام 1930 تأسست ورنر بروذرز (Warner Brothers Animation) وتعاملت ورنر بذكاء مع منافسها والت ديزني ففي الوقت الذي عرف فيه الجميع أن أفلام ديزني تخضع لتدقيق شديد من والت ديزني شخصياً في رسمها أتاحت ورنر بروذرز سقف أكبر من الحرية لفريق الرسامين لديها في إبداع الشخصيات الكارتونية وأخرجت للعالم سلسلة لوني تونز.
وفي عام 1932 تم إنتاج أول فيلم رسوم متحركة ملون، وكان من إنتاج ديزني أيضاً، وهو فيلم أزهار وأشجار والذي فاز بالأوسكار، ومن ثم أصبحت في وقت قصير صناعة الأفلام الملونة هي الأساس، ولحقت ورنر بروذر بمنافستها في عام 1934 بأول فيلم ملون لها وهو فندق شهر العسل، على الجانب الأخر أدرك والت ديزني أنه آن الأوان أن يتم فصل الرساميين عن كتابة قصص الأفلام للتركيز على القصة أكثر وجعلها تحتوي على جرعة قيمة من المشاعر المختلفة والشخصيات المركبة أكثر، فقام بفصل الرسامين عن الكتاب بعمل قسم خاص للقصة، ونجح في ذلك بإنتاج أول فيلم كارتون بشخصيات مركبة ومتطورة عمن سبقوه وهو ثلاثة خنازير صغار، وتميزت ديزني في هذه الفترة على أنها أقرب للأطفال بمضمونها الذي يداعبهم عن منافسيها ورنر بروذرز التي اكتسبت جانب أكثر عُنفاً.
واستمر ديزني في تفرده بإنتاجه فيلم سنووايت والأقزام السبعة عام 1937، والذي يعتبر أول فيلم كارتون طويل باللغة الإنجليزية، وبرغم أنه قد سبقه سبعة أفلام طويلة أخرى من دول مختلفة، ولكن تميز فيلم سنووايت برسومات كارتونية يدوية على عكس الآخرين الذين استخدموا تقنيات أخرى، ومنذ نجاح سنووايت بدأ ديزني في إنتاج الأفلام الطويلة.
عصر التليفزيون
اقتحم التليفزيون الملون الحياة الأميركية في عام 1951، وفي عام 1958 أطلقت شركة هانا بربرا أول برنامج كارتون تليفزيوني بمدة نصف ساعة للحلقة، وفي عام 1960 أطلقت نفس الشركة مسلسل عائلة فلينتستونز الشهير ليكون أول مسلسل كارتون يُعرض في وقت الذروة، وهكذا استطاع التليفزيون أن يجذب اهتمام الجمهور بعيداً عن الكارتون المعروض في صالات السينما.
عصر الكمبيوتر
استمرت أفلام الرسوم المتحركة في التطور والازدهار وظهور شركات مختلفة ومنوعة تتنافس فيما بينها في القصة والأسلوب والرغبة في كسب رضاء أكبر عدد من الجماهير، حتى طرق الكمبيوتر أبواب هذه الصناعة كما فعل مع كل المجالات، لتدخل به حقبة جديدة وهي الأفلام المصنوعة بطريقة CGI أو رسومات الكمبيوتر (Computer-generated imagery)، وأخرجت استديوهات شركة بيكسار أول فيلم كارتون طويل مصنوع بأكمله بالكمبيوتر وهو حكاية لعبة عام 1995، لتمتد هذه الحقبة حتى الآن وبتطور مستمر في الافكار والرسوم والقصص جعل أفلام الكارتون تنافس كأي فيلم سينمائي على اهتمام الجمهور ومن ثم شباك التذاكر وتحقيق إيرادات وأرباح تجارية كبيرة .
نماذج عالمية
قد تكون أفلام الرسوم المتحركة الأميركية هي الأشهر عالمياً في القرن العشرين لتنوعها الكبير وقدرتها الكبيرة والناجحة للغاية في التوزيع عالمياً، ولكن ذلك لا ينفي محاولات دول أخرى في دخول هذه الصناعة، ومن أهمها الدول الأوروبية بما فيها دول أوروبا الشرقية والصين والهند وإيران والأرجنتين والبرازيل والمكسيك، ولكن أبرزهم وأكثرهم شراسة في منافسة الرسوم المتحركة الأميركية هي اليابان بكارتونها المميز الذي اشتهر بإسم الأنمي.
أول الرسوم المتحركة اليابانية تعود إلى عام 1917، ومن ثم استمرت الصناعة وازدهرت في الستينات على أعمال أوسامو تيزوكا، والذي قام بتحويل مجلات القصص المصورة اليابانية (المانجا) لأفلام كارتون بتقنياته وأسلوبه، والذي جعله يحصل على لقب “الأسطورة” أو “سيد الأنمي” .
صناعة الرسوم المتحركة العربية: إلى متى الإنتظار ؟!
تتطور صناعة أفلام الكارتون بسرعة هائلة حول العالم، وأصبحت لها ثقلها بين التراث الثقافي البشري، إلا أننا حتى الآن في العالم العربي إسهاماتنا ضئيلة للغاية في هذا المجال، رغم بعض بوادر أمل في مواكبة عصر الرسوم المتحركة من بعض النماذج القليلة هنا وهناك، والتي تحتاج لدعم كبير مادي ودعائي حتى تستطيع تقديم منتج قوي ينافس عالمياً، خاصة وأن تراثنا العربي يحوي الكثير من الأفكار والقصص الملهمة القادرة على منافسة القصص العالمية.
نماذج لقنوات يتويوبية للرسوم المتحركة العربية: Lumink – Egyptoon – فريج – فلكزيون – خرابيش – على راسي – تونس 2050 – نادي الكرتون السعودي.