“شكرا لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكرا للأسماك التي تتقاسم لحمي ولا تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي”، هذا المقطع المؤثر هو جزء من رسالة وُجدت في جيب أحد اللاجئين السوريين بعد انتشال جثته إثر غرق مركبهم قرب السواحل الإيطالية الذي كان يحمل المئات من المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط، خلال رحلتهم من أجل الوصول إلى أوروبا عام 2015.
ووصلت الرسالة بعد العثور عليها بين مقتنيات الشاب الغريق إلى الصحف الرسمية عبر خفر السواحل، ومنها انتشرت إلى مختلف وسائل الإعلام والصحافة العالمية، علماً أن اللاجئين السوريين اعتادوا وضع وثائقهم وأوراقهم وأموالهم في كيس نايلون لحفظها من التلف أو البلل، واقتبس المخرج والفنان السوري “عروة الأحمد” من هذه القصة فكرة فيلمه الدرامي الجديد “رسالة أخيرة” الذي حصد بعد شهر من إنجازه جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان للأفلام القصيرة وجائزتين هما “التميز” و”أفضل مخرج” لعام 2018، في مهرجان (Global Shorts) في “لوس انجلوس”، وهي جائزة مقدمة بالشراكة مع موقع “IMDb” العالميّ.
وروى “الأحمد” لـ”زمان الوصل” أن فكرة الفيلم أتته عندما كان يقيم في دبي، ولكن سفره وانشغاله بمشروع “ذاكرة مالحة” أجّل إطلاقه.
وأضاف المخرج القادم من حمص أنه مع فريق الفيلم تقدموا للمشاركة به إلى مهرجان كان للأفلام القصيرة لعام 2018، مضيفاً أن ما يزيد على 300 فيلم من مختلف دول العالم تقدمت للمهرجان المذكور، ولكن لم يتأهل للمنافسة منها سوى 56 فيلماً، وكانت هذه الدورة بإدارة من نائب مدير مهرجان كان للأفلام الطويلة الناقد السينمائي “باتريس أودوير”.
ولفت محدثنا إلى أن المنافسة في هذا المهرجان كانت صعبة، وشاهد -كما يقول- العديد من الأفلام التي تأثر بها حتى أنه بكى أثناء عرض أحدها، وصفق له بحرارة.
وأوضح “الأحمد” أن عنوان فيلمه مستوحى من الواقع، إذ كانت تلك الرسالة المؤثرة هي الأخيرة لكاتبها، ووجد نفسه أمام مسؤولية توثيق هذا النصّ الذي كان ثمنه حياة إنسان بكلّ ما لديه من طموحات وأحلام.
ويحكي الفيلم قصة صحافي سوري يُدعى “جاد” يقيم في مصر وينتظر قاربه للمضي نحو أوروبا بعدما انتهت صلاحية جوازه، وكان عاجزاً عن تجديد إقامته هناك، فاضطر لاقتراض أموالٍ من أصدقائه كي يتمكن من السفر بحراً من مصر إلى إيطاليا، لكنه مات غرقاً قرب السواحل الإيطالية بعد أن كتب رسالته المؤثرة.
وكشف مخرج الفيلم الذي تقمص دور اللاجئ الغريق أنها المرة الأولى التي يقف فيها أمام الكاميرا كممثل سينمائي وفي دورٍ رئيسيّ كهذا، رغم أنه عمل ممثلاً مسرحيّاً، ومقدّماً للبرامج على التلفزيون.
وأردف أن التحدي لم يكن سهلاً بلا شك ولكن الغاية لم تكن التحدّي، بل كانت الغاية إيصال هذه الرسالة بشكلٍ حقيقي.
وأضاف أن شخصيّة جاد (بطل الفيلم) عاشت معه وقتاً طويلاً حتى اختمرت المعالجة الدرامية في ذهنه.
ويعكف “الأحمد”، الذي يعيش في فرنسا حاليا على تحويل إحدى روايات أدب السجون السوريّة إلى فيلم سينمائي طويل سيتم تصويره في أوروبا العام المقبل، مضيفاً أنه تلقى ما يفوق 150 طلباً للكاستينغ الخاصّ بالمشروع، وسيتم التواصل مع الفنانين المرشحين للعب الأدوار أوّل انتهائه من كتابة السيناريو.
أما إدارة الإنتاج فستكون لصديقه رجل الأعمال السوري “بسام معلوف” لصالح الشركة الأميركية (Virtue Ventures)، كما تلقى دعوة للمشاركة في الدورة السابعة من مهرجان (SOUQ) في ميلانو- إيطاليا كمرشح لجائزة أفضل فيلم، وترشح “رسالة أخيرة” أيضاً لجائزة “الفارس الذهبي” في مهرجان مالطا الدولي لعامه الـ56، ومهرجان “الدانوب” الأزرق في فيينا– النمسا، ومن المرتقب أن يكون للفيلم عرض خاص ضمن الرواق في روتردام- هولندا في الرابع من نوفمبر- تشرين الثاني القادم.
و”عروة الأحمد” فنان ومخرج شاب من مدينة “حمص”، وهو خرّيج المعهد العالي للفنون المسرحية في بيروت في العام 2009، نال الكثير من الجوائز عن أفلامه السينمائية منذ خروجه من سوريا، ومنها “ذاكرة مالحة” الحاصل على الجائزة الذهبية لأفضل صانع أفلام مستقل من مهرجان “فيرجن سبرينغ” السينمائي في الهند والجائزة الأوروبية للتصوير السينمائي في بولندا مطلع العام الحالي.