أوسكار دي لا رونتا.. المصمم الشجاع الذي أهدى المرأة تصاميم تحترم أنوثتها
لندن: «الشرق الأوسط»
لم يكن نبأ وفاة مصمم الأزياء العالمي أوسكار دي لارونتا، أحد أبرز صناع الموضة خلال الخمسين عاما الماضية، مفاجأة لمن يعرفه، فالمصمم الشهير أمضى السنوات الأخيرة من عمره في صراع مع مرض السرطان هزمه في الأخير. لكن هذا لا يعني أن عدم المفاجأة لم تترك وقعا حزينا على عشاقه. فعبارات الرثاء توالت من كل صوب يوم أمس لتدل على المكانة التي حفرها في عالم الأزياء وفي حياة أصدقائه وكل من تابعوا مسيرته على مدى 50 عاما، أعطى فيها للمرأة إبداعات تحترمها وتبرز جمالياتها بذوق راق.
توفي المصمم يوم الاثنين عن 82 عاما، وذكرت شبكة تلفزيون «يونيفجن»، الناطقة بالإسبانية، أن دي لا رونتا توفي بعد صراع استمر 10 سنوات مع مرض السرطان. المصمم المفضل لسيدات البيت الأبيض من لورا بوش وهيلاري كلينتون وغيرهما، فضلا عن نجمات السينما، صمم أخيرا فستان زفاف محامية حقوق الإنسان أمل علم الدين التي تزوجت الممثل والمخرج جورج كلوني في حفل أقيم بمدينة البندقية الشهر الماضي. وظهر في الصورة التي كانت تجري فيها بروفة وهو يبتسم بسعادة، كأن مرضه الذي تداولته الصحف كان مجرد إشاعة لا صحة لها.
ولد دي لا رونتا في جمهورية الدومنيكان عام 1932 ودرس الفن في إسبانيا. وحسب ما ذكر المصمم في أحد أحاديثه، كانت رغبة والده في أن يعمل في مجال التأمين مثل بقية أفراد أسرته، «لكني لم أستطع أن أرى نفسي أبيع وثائق التأمين»، ولذلك غادر إلى مدريد وعمره 18 عاما «لدراسة الفن أساسا».
ورغم أن معاناته مع مرض السرطان استمرت فترة طويلة فإن المصمم لم يستسلم له؛ فخلال تلك الفترة زادت معدلات مبيعات العلامة الخاصة به ووصلت إلى 150 مليون دولار. وهو رقم معقول لمصمم اشتهرت أزياؤه عبر نجمات السينما على البساط الأحمر لحفلات الأوسكار والـ«غولدن غلوب»، وارتبط اسمه بنجمات من مثيلات آيمي آدمز وجيسيكا تشاستين وبينيلوبي كروز وسارة جيسيكا باركر. بقيت تصميماته في دائرة الضوء بفضل النجمات، وأيضا لأن اسمه ارتبط بسيدات البيت الأبيض مثل جاكلين كيندي ولورا بوش وهيلاري كلينتون التي تعتبره صديقا شخصيا لعائلتها. قد تكون ميشيل أوباما الاستثناء الوحيد، الأمر الذي جعله ينتقدها منذ 3 أعوام، خصوصا بعد ظهورها في عدة مناسبات بتصاميم مصممين أجانب بدل أن تدعم المصممين الأميركيين. فقط في الشهر الماضي، ظهرت ميشيل بفستان من تصميمه.
بعد إعلان نبأ وفاة المصمم، توالت عبارات العزاء والرثاء من زملائه في المهنة من مصممين وعارضات، حيث كتبت العارضة ناعومي كامبل على موقع «تويتر»: «دي لا رونتا كان (جنتلمان) عالم الأزياء»، وكتب المصمم مارك جاكوبس: «لقد فقدنا أيقونة الموضة.. سنفتقدك أوسكار»، وكتبت المصممة دايان فون فورستنورغ: «أوسكار دي لارونتا كان مصمما رائعا، سيظل صوته يغني في قلوبنا».
أما ألكسندرا شولمان رئيسة تحرير مجلة «فوغ» البريطانية، فقالت: «من بين كل مصممي الأزياء في العالم، كان أوسكار دي لارونتا أكثر مصمم يمكن الاعتماد عليه في تصميم ملابس تجعلك المرأة تشعر بأنها جميلة».
أما هيلاري كلينتون التي ظهرت في عدد من القطع، أهمها فستانها الذهبي الذي ارتدته في حفل تنصيب زوجها الرئيس الأسبق بل كلينتون في عام 1997 والفستان الأحمر القاني الذي ارتدته في زفاف ابنتها تشيلسي، فأصدرت بيانا رثت فيه المصمم، واصفة إياه بأنه «موهبة فريدة»، وأضاف البيان أن «عين أوسكار اللاقطة لا يعادلها سوى قلبه الكريم، فسيرته في الأعمال الخيرية امتدت من رعايته الأطفال في موطنه الأصلي الذين أصبحوا الآن يتمتعون بالرعاية الصحية والتعليم، إلى عدد من أفضل فناني نيويورك الذين تألقوا بسبب دعمه».
كما لا ننسى أنه في العام الماضي، كان أول من منح المصمم المغضوب عليه جون غاليانو فرصة العودة إلى عالم التصميم، بدعوته لتقديم تشكيلة خاصة به. كانت فكرته داعمة للمصمم وفي الوقت ذاته تجس النبض وتذكر عالم الموضة بموهبته الفذة وعبقريته، وهو ما كان خطوة جريئة وشجاعة في وقت كان الكل يتخوف من أن يرتبط اسمه بالمصمم الذي تفوه بعبارات مضادة للسامية. وهذا يدل على شجاعة وأيضا على قلب كبير، الأمر الذي تفتقده ساحة الموضة في ظل المنافسة الشرسة على تحقيق الأرباح من خلال الأرقام وليس المشاعر. لكن أوسكار دي لارونتا كان، بحسب كل من يعرفه، إنسانا قبل أن يكون رجل أعمال، يعشق الفن والجمال ويحترم المرأة بدليل تصاميمه الراقية التي تضج بالأناقة والفخامة وستبقى عقودا تلهم مصممين شبابا.