إلى مالك بن الريب الذي رثى نفسه ، وهو يموت في خراسان بعيداً عن أهله وأرضه بقصيدته المشهورة :
ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة
بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
عبد المعين
تمنيتَ يا بن الرَّيبِ لو بتَّ ليلـــــةً
( بجنب الغَضا تُزْجي القلاصَ النواجِيــا )(1)
وأمنيتي لو بتُّ في حمص ليلــــــةً
فأسبح في العاصي وألقى لداتيــــــا
كلانا تهاوى حلمه ، لم ترَ الغضــــا
ولا أنا في الميماس ألقي رحاليـــــا
أمانٍ أضلتنا طويلاً و أقلـعــــــت
وكانت أضاليل الرجال الأمانيــــــا
سَرابٌ يغرُّ الركب حران صاديـــــاً
ويغمر بالماءِ الغرور الصَّحَارِيــــــا
* * *
1
لماذا أرثي نفسي
إذا كان شِعري ، كل شِعري مراثيـــاً
فما لي بنفسي لا أعد رِثائِيــــــــا
ونفسي أولى أن تكون قصيــــــدةً
تسيل قوافيها نشاوى دَوامِيــــــــا
وأقسى المآسي أنني بت راثيــــــاً
حياتي ، وما زالت تمورُ دمائيــــــا
أقول لأصحابي : كفاكم ملامــــــة
( على نفسه فليبك من كان باكيـــــا )(2)
عكفت على شعري أرودُ فِجاجـــــه
فلم أرَ في الدِّيوان إلاّ المراثيـــــــا
وأشباحَ أفراح إذا رنَّ عودهــــــا
تقطعت الأوتار فارتد ناعيــــــــا
* * *
2
حياتي
آ – الشباب
رشفتُ شبابي قطرةً بعد قطــــــرةٍ
وشبت فلم يعتبْ عليّ شبابيــــــــا
وَردْتُ الثغور الظامئات مناهـــــلاً
وطفت الصّدور الناهدات مجانيــــــا
تهيم بهن الروح روحاً فإن طغــــتْ
وأَذكتْ دمي أطفأت في الجسم ناريــــا
إذا الحبُّ أرضى الرُّوح والقلـــبَ أوَّلاً
تسامى فأرضى الجسم والدَّم ثانيـــــا
وقد تذبل الأرواح يحرمن قبلــــــةً
كما تذبل الأزهار يحرمن ساقيــــــا
ولم يَرَني الإمساءُ أَرْقُدُ خاليــــــا
ولم يرني الإصباحُ أنهضُ صاحيـــــا
ولم ينسني لهوُ الحياةِ مشاغلــــــي
ولم يُنسني جِدُّ الحياة الملاهيـــــــا
ويعجَبُ منّي الليل تصحو نجومــــه
وتَغفو تراني دارساً ثم لاهيـــــــا
وخيرُ السَّجايا أن توزع منصفـــــاً
حياتك : شطريها حليماً و غاويــــــا
عَشِقت شبابي صُغت فيه مدائحــــي
فلما تولى صُغتُ فيه أهاجيــــــــا
تروقُ العناقيدُ الثعالبَ حلـــــــوةً
ويشتمنها إِن كنَّ عَنْها نوائِيــــــــا
* * *
ب – الكهولة
تولى شبابي مُشرقَ الوَجْه زاهيـــــاً
وأقبل شَيبي كالح الوجهِ كابيـــــــا
ركبتُ المعاصي موجةً ثم موجـــــةً
وأقعدني دائي فعِفتُ المعاصيـــــــا
سقيتُ الصّبايا ماء حبي وصبوتــــي
وجفَّ ، فهل يقبلن ماءَ حنانيـــــــا ؟
وطوَّفتُ في الآفاق أقبس نورهـــــا
فضاقت بي الآفاق كالنحل ساعيـــــا
ويَمَّمتُ أرض الصّين أشدو تُراثهـــا
ومن لغتي أهدي لها وتُراثيــــــــا
فلم تسع الأرضُ الرَّحيبةُ هِمَّتـــــي
فكانت أفانينُ السقام جزائيــــــــا
وقد زودتني في رحيلي هـــــراوة
كأن لست ألقي في دمشق هراويــــــا(3)
وعُدتُ إلى داري أجرُّ على الـــعصى
تواليَ أشلائي وأحمل دائِيــــــــا
كذلك حظي ، إن طلبتُ سعـــــادةً
بأرضٍ سعى قبلي إليها شقائيـــــــا
إذا لم يقِ الله الفتى بحنانــــــــهِ
ورحمته لم يلقَ في الناس واقيــــــا
* * *
جـ – الشيخوخة
وقالوا : ” سئمت العيش ” قلت : أحبــه
ولو كنت في كوخ من القش ثاويـــــا
أصوغ أحاسيسي وأشدو قصائــــدي
وأقرأ في ضوء النجوم كتابيـــــــا
وأرسل صوتي في الفلاة مدوّيـــــاً
وأضحك وحدي في دجى الليل هاذيــــا
أحب حياتي ، وهي كالصاب مــــرةً
وأكره موتي ، وهو كالشهد حاليــــا
جنوني أصيل لا أريد فراقـــــــه
وعقلي أصيل لا يريد فراقيـــــــا
صحبتها دهراً معاً فتعايشــــــــا
وكنت بهذين النقيضين راضيـــــــا
جنوني أراني المبكيات مهــــــازلاً
وعقلي أراني المضحكات مآسيــــــا
وما زلت في السبعين طفلاً تشابكـــت
رؤاي ، تساوى واقعي و خياليــــــا
أسرُّ بأحفادي أزاهير غضـــــــةً
ويرثي لي الأحفاد أعجف باليــــــا
غصونٌ تسامت فوق جذع محطــــم
إذا زاد يبساً زدن هن تساميــــــا
أداعبهم حيناً فأقصر لاهثـــــــاً
وتشغلهم ألعابهم عن عنائيــــــــا
إذا ركبوا ظهري حصاناً تململــــوا
يريدون مهراً ثابت الظهر عاديـــــا
ويفرح أحفادي إذا كنت لاهيــــــا
ويسخر أحفادي إذا كنت واهيــــــا
إذا رحت أحكي عن شبابي تغامـــزوا
ولاح لهم وجهي فألغوا شبابيـــــــا
تراءى زمانٌ سوف يدعى زمانهــــم
وولىّ زمانٌ كان يُدعى زمانيـــــــا
وأسرع في سيري وأنسى مواجعــــي
فيوقظني من عنف سيري لهاثيــــــا
فأقعد إعياء كأني صخــــــــرة
يكر عليها السيل غضبان طاميــــــا
وأبحث عن ركن قصي لعلنــــــي
ألملم جسماً ذابل العود ذاويـــــــا
* * *
3
ماذا بعدي ؟
سلوتُ عن الدُّنيا اضطراراً وعنــــوة
وأصعبُ شيءٍ أن ترى الجمر خابيــــا
يحور رماداً قاتم اللون كامــــــداً
وكان لهيباً يدفئ الناس واريــــــــا
وما اخترت في ماضي الزمان ولادتي
ولا اخترت في باقي الزمان وفاتيــــا
ومن أنا ؟ شيءٌ كالهشيم ممـــــزقٌ
تُخطِّط لي هوجُ الرياح مساريـــــــا
تلاعبُ بي خفضاً ورفعاً وتنتهـــــي
من العبث المحموم يوم انتهائيــــــا
رويدكِ يا هوجَ الرِّياح غــــــداً إذا
تبلج نورُ الفجر أرحل غاديــــــــا
* * *
رويدكِ يا هوجَ الرِّياح تريثــــــي
سأرحل ، والدُّنيا ستبقى كما هيــــــا
ستطلع بعدي الشمس حمراء تزدهـــي
ويبزغ بعدي البدر أصفر وانيــــــا
وبعدي تدور الأرض لم تدر من أنـــا
وتشدو السواقي في المروج الأغانيــــا
ويكسو الجبال الثلجُ أبيض ناصعــــاً
ويكسو الحقولَ القمحُ أخضر زاهيــــا
وتهدر بالموج البحارَ غواضبــــــاً
وتمرح في الروض الطيورُ رواضيـــا
ويسعى إلى الصف الصغارُ عنــــادلاً
ويزحف في السوق الكبارُ أفاعيـــــا
وتخطر في الدرب الصبايا أقاحيــــاً
وترقص في المرج الأقاحي غوانيــــا
وأبقى أنا وحدي أصارع في الدُّجـــى
كتائب دودٍ رائحات غواديــــــــا
تمزق أشلائي وتفقأ أعينــــــــي
وتنثر في جوف التراب رفاتيــــــا
* * *
غداً سوف ينسى الأهل والصَّحبُ حُفرتي
كما أنا في الماضي نسيتُ رِفاقيـــــا
إذا مرَّت الثكلى بقبري توجَّعـــــتْ
فأهدت له غُصناً من الآس ضاويـــــا
ويعبرُ مفجوعٌ فيلقي بزهـــــــرةٍ
تُعَطِّرُ أحجار الضريح لياليـــــــا
على قبري المهجور تبكي غريبــــةٌ
إذا لم تجدْ مِ الأهل والصحب باكيــــا
لقد رضيَ الأحياء كدح حياتهـــــم
فكنْ بسكونٍ الموتٍ يا ميت راضيـــــا
* * *
4
أنا والشعوب
رويدك يا ديدان لن تلعقي دمــــــاً
تفجر في شعري ونثري سواقيـــــــا
ولن تطمسي فكراً جريئاً رعيتـــــهُ
وعلمته حتى عصتني لهاتيــــــــا
وكنت من الأحرار إن قيل : من فتــى ؟
برزت ودوَّى كالرعود جوابيـــــــا
وعشت اشتراكياً إذا جاع جائـــــع
أحسُّ لهيبَ الجوع يفري فؤاديــــــا
وإن ثار في الأرض العبيدُ وجدتنـــي
نصيراً لزحف الثائرين مُواليـــــــا
وإن أرهق الشعبَ الطغاةُ رأيتنــــي
على كل طاغ فيه أنقضّ بازيـــــــا
وهبت عيوني للشعوب بصيـــــرةً
ويُعمي عيونَ الغاصبين رماديــــــا
وعلقت في جيد العروبة شعرهـــــا
وآدابها عقداً تلألأ غاليــــــــــا
وأُترعُ سِفرَ الثائرين مآثــــــــراً
وأملأ أسفارَ الغزاة مخازيــــــــا
إذا كللتْ بالنصر ثورةُ أمـــــــةٍ
رأيتُ بها – رغم الضَّحايا – عزائيـــا
لقد كتبتْ نصرَ الحياة دماؤُنــــــا
فبالك نصراً طيب العطر زاكيــــــا
أمانيَّ للدنيا وللناس كلِّهــــــــم
إذا ما تمنى المترفون الأمانيـــــــا
غداً يطلع الإنسان في الأرض كوكبـــاً
تباهي به الأرضُ النجومَ الدراريـــــا
ولست أبالي أن أكون فـــــــداءه
أما كانت الأحرار قبلي فدائيـــــــا ؟
إذا لم أجدْ في عالم اليوم مطمعــــي
ففي العالم الآتي السعيد رجائيــــــا
يقولون لي : لن تشهد الفجر ساطعـــاً
بلى ، كنت قبل الفجر للفجر هاديـــــا
وكنت شعاعاً من أشعة نــــــوره
يشق ستار الليل أسود داجيــــــــا
إذا ما طواني الموت قبل انبلاجــــه
فحسبي أني كنت للركب حاديـــــــا
* * *
رفعتُ لواءَ الفكر ستين حِجَّــــــةً
فما ضمَّ إلاّ الكادحين لوائيــــــــا
همُ عُدَّتي في النائبات وأسرتــــــي
أقود بهم جيشاً على البغي ضاريـــــا
يَسُرُّ المعالي أن نخوضَ غِمارهــــا
ونُبدعَ إنسانَ الحضارة راقيـــــــا
مضى عهدُ وحشٍ أفسد الأرض جـاهلاً
وأقبل عهدٌ يُصلحُ الأرضَ واعيــــــا
صبونا إلى الآتي تَبَلَّجَ حانيـــــــاً
وثرنا على الماضي تصرم داميــــــا
* * *
5
وصيتي
وداعاً بني الدنيا وداعَ مســـــافـر
إذا ما شجا الأحرارَ يوماً فراقيــــــا
أمامي غدٌ كالليل أسود كالـــــــحٌ
وخلفي أمسٌ كان أحمر قانيــــــــا
تشابهتِ الألوانُ حياً وميتــــــــاً
فما لي أشكو فرقة الرّوح ما ليــــــا ؟
ألا فاجعلوا الأكفانَ أوراقَ دفتــــري
ونعشي يراعي ، والحنوطَ مِداديــــــا
ضعوا تحت رأسي ما كتبت وســـادةً
ولا تجعلوا الصخر الأصمَّ وساديـــــا
لعليَ في قبري أطالعُ صفحــــــةً
فألمحُ في تلك الصحائف ذاتيـــــــا
( تذكرت من يبكي عليَّ فلم أجــــد )(4)
سوى قلمي والطرس والحبر باكيــــا
ومكتبةٍ أودعت روحي رفوفهــــــا
تكاد إذا ما مت تسعى أماميـــــــا
ومنضدةٍ سوداءَ كاد حديدهـــــــا
يذوبُ إذا الإلهام أعرض نائيــــــا
وأفكارِ صدقً قد تلألأن ثــــــورةً
أنرنَ لعميان الحياة المعاليـــــــا
وعاطفةٍ لو هبَّ معشارُ خِصبهـــــا
على القفر أمسى القفر بالزهر كاسيــــا
وخلَّفتُ عمري ، رغم أنفي ، ستَّــــة
وستين عاماً راعفاتٍ دواميــــــــا
ولو غمروني بالمناصب والغنـــــى
لقلت لهم : خلوا حياتي كما هيــــــا
تصعلكت أعواماً وكافحت دائمـــــاً
وأرخيتُ في دربِ الحياة عنانيــــــا
كفرتُ بربي أربعين فمذ بـــــــدا
لي الشيبَ خلَّفتُ الشكوكَ ورائيـــــا
وقال رفاق الأمس : ضلّ طريقــــه
معاذ إلهي ، بل تركت ضلاليــــــا
قصرت على ربي وشعبي مودتــــي
فيا ليتهم يبدو لهم ما بدا ليــــــــا
وما خنت عهدي للشعوب و إنمـــــا
دعاني ، فلبيت الهدى إذ دعانيــــــا
و آمنت بالإنسان يبني حضـــــارة
ويهدم في الإنسان ما كان باليــــــا
* * *
6
العطاء والحياة
وأعرضُ ألحاني على الناس حلــــوةً
ويغمرهم بالدفء فيض وفائيـــــــا
ويلمس فيها الناس قلبي نابضــــــاً
ويبصر فيها الناس دمعي جاريــــــا
تعوَّدتُ أن أعطي وأسقيهم دمـــــي
وحسبك جوداً أن ترى الدم ساقيـــــا
ولم أترقب حين – أعطي – عطاءهــم
كفاني أني ما حجبت عطائيــــــــا
إذا كنت أبغي من عطائي عــــلاوة
فلست إذن في الخير إلا مرابيــــــا
أصالة نفس لا تضن بنفسهـــــــا
تَدَفَّقَ مثل النبع أزرق صافيـــــــا
وليس يطيب الجود إلا إذا سمـــــا
عن المن ، بل أُمسي من الشكر خاليـــا
ولست بإنسان تسامى ضميــــــره
إذا أنا لم أعط الحياة حياتيــــــــا
دفنت سروري في مصائب أُمَّتــــي
فكانت حياتي الروض لم يلق راويــــا
بقايا من الأطلال تندب أهلهـــــــا
وصار حديثاً يوجع القلب شاكيــــــا
وأزرع آمالي فأحصد خيـبــــــة
وأغرس أحلامي فأجني عواديــــــا
إذا ما وردت النبع كالشهد مـــــاؤه
صدرت طريداً ظامئ النفس صاديـــــا
وأعجب أني ما فقدت تفاؤلــــــي
وأني أبني في الرمال المبانيـــــــا
وعشت عفيفاً راضي النفس قانعــــاً
يراني صحابي ناعم العيش ضافيـــــا
خرجت من الدنيا شذى فاح فتــــرةً
وطيراً على سكِّيِنه ظلَّ شاديـــــــا
* * *
7
تمنيات متواضعة
يقولون لي : كانت حياتُك خصبــــةً
وأعطيتَ ما أعيا السحابَ الهواميـــــا
فقلت لهم : خلوا الثناء فإننـــــــي
أحبُّ صديقي صادقاً لا محابيـــــــا
أضعت حياتي ، لم أصغها كما اشتهــى
ضميري فطارت في الرياح سوافيــــا
دراريَّ أعطتها الحياة كريمــــــةً
فبعثرت في الصحراء تلك الدَّراريــــا
أضيئي حياتي يا شموس سويعـــــةً
فلم ألق قبل اليوم إلا المآسيــــــــا
( فإن لم تكن شمسٌ توقدَ نـــــورُها
فهل شمعةٌ عجفاءُ تؤنس ساريـــــــا(5)
تبدد شيئاً من ظلام يلفُّنــــــــي
وتدفئ في شح عظاماً بواليــــــــا
وإن لم تكن أنهار شهدٍ وخمـــــرةٍ
فهل فضلة في الكأس تروي عظاميـــا ؟
وتنعش إنساناً تمزَّق واهيــــــــاً
وقد كان صلداً كالحجارة قاسيـــــــا
عَرضتُ على كل الوجود عواطفـــي
فلم أر في سوق النخاسة شاريـــــــا
وأجنح أحياناً إلى الشَّـــــرِ والأذى
فإن كدتُ أغشاه ذكرتُ حيائيـــــــا
وأصبر أحياناً وأغضي على القـــذى
فيعصف بي عصفَ الرّياح إبائيــــــا
وما أنا من يبكي على الناس حاقـــداً
ولكنني أبكي على الناس حانيــــــا
صبرت على حلو الزمان ومـــــرِّه
فلأياً تساوى جورُه و اصطباريــــــا
ولم ترني النعماءُ أشمخُ جاسيـــــاً
ولم ترني البأساءُ أخشع جاثيـــــــا
* * *
8
خاتمة المطاف
همومٌ شخصية
سلامٌ على الدنيا سلامَ مـــــــودِّع
فقد حان عن هذي الدِّيار ارتحاليـــــا
وفي الشعر لي مأوى ألوذ بظلِّـــــه
وفيه إذا عزّ الدواءُ دوائيـــــــــا
هو الشعر مثلُ الجمر في القلب وقُــده
يطوّف في الأضلاع حرّان كاويـــــا
إذا صُغته أُشعِرتُ روحاً وراحــــة
وإن لم أصغه ظلَّ يلهث واريـــــــا
تجفُّ ينابيعُ المناصب والغنــــــى
ويبقى عطاءُ الشعر كالنهر جاريـــــا
ومن يهوَ موجَ البحرِ يهوَ هديـــــرَه
ومن يهوَ موج الشعر يهوَ القوافيـــــا
* * *
غرست غراساً وانتظرت ثمارهــــا
فلم تعط إلا الشوك صلداً غراسيــــــا
إلى الله أشكو من رعيت عُهودهــــم
فلم أرَ منهم في الملمَّات راعيـــــــا
تلاميذُ عقُّوني مريضاً فليت لـــــي
بأفضلهم كلباً يبصبص وافيــــــــا
غداً سوف يبكون ( المعلمّ ) جُثّـــــةً
وقد صار عظماً في المقابر عافيـــــا
تناسوا حقوقي في الحياة فإن أمــــتْ
تباكوا على القبر الوفيِّ تباكيـــــــا
وما ألأم الأشجار إما تكلمـــــــت
تسب وتهجو غارساً ثم ساقيـــــــا(6)
* * *
9
هموم قومية
أموتُ وفي قلبي على ( مصر ) حسـرةٌ
تباعدُ إخواناً وتدني ضواريــــــــا
وأخرى على (الجولان) يعـول ( شيخُه )
وأقتل شيءٍ أن ترى ( الشيخ ) باكيــــا
وثالثة في ( القدس ) ترثي لمؤمــــنٍ
إذا ما تلا القرآن يُذْعَرُ تاليــــــــا
وأخرى على ( بيروت ) سالت دماؤهـا
إلى البحر حتى أصبح البحر قانيـــــا
وخامسة هبت بـ (بغداد ) نسمــــةً
على ( دجلةٍ ) تبغي إلى الحق هاديـــا
تشن على الأصحاب حرباً ذميمــــة
وتترك في ( يافا ) و ( حيفا ) الأفاعيـــا
وعددت خمساً من كوارث أمتــــي
وأمسكت أخشى أن تزيد تماديــــــا
وأنذر قومي إن تمادوا تمزُّقــــــاً
هزائم لا تبقي من العرب باقيـــــــا
* * *
ولو أننا عشنا كراماً بأرضنــــــا
ظفرنا ، ولكننا نعيش جواريـــــــا
إذا هان شعب واستكان لحاكــــــم
فهيهات يوماً أن يصد الأعاديـــــــا
وهيهات يوماً أن يحرر غيــــــره
إذا كان في الأصفاد يرسف عانيـــــا
يدمِّر جيش المستبدين شعبـــــــه
زماناً ، ولكن لا يدمّر غازيــــــــا
وأومأت إيماءً لمحنة أمَّتـــــــي
عسى يتقصَّى الأذكياءُ المغازيــــــا
( أقول- وقد شدوا لساني بنسعـــة )
أ معشر قومي أطلقوا من لسانيـــــا )(7)
* * *
10
خاتمة المطاف
ذرفتُ رثائي دمعةً بعد دمعــــــةٍ
إذا رحل الأحبابُ طال وداعيـــــــا
وداع امرئٍ ميتٍ أحبّ رفاقــــــه
وأيقن بعد اليوم أن لا تلاقيــــــــا
دعوني أطرح بعد موتي متاعبـــــي
كفانيَ ما لاقيت حياً كفانيـــــــــا
لقد عشت بّحاراً قضى العمر تائهــــاً
ولاح له شطٌ فألقى المراسيــــــــا
* * *
ويا واديَ العاصي وقد كنتَ دوحـــةً
أناغي بها الأحبابَ حُيِّيت واديــــــا
لئن مزّقَتْ أيدي السياسة شملَنـــــا
فمازال قلبي صادق الودِّ صافيــــــا
سأودع في أحجارك السود أعظمـــي
فلا يك ـ مثل الناس ـ صخرُك َ قاسيــا
( فإن أستطِعْ في الحشرِ آتــكَ زائراً )(8)
ولوْ خَطَرَتْ حُورُ الجنانِ أماميــــــا
ولو خيَّروني لثم ثغر حبيبتــــــي
ولثم ثَرى حمصي لثمتُ تُرابيـــــــا
– 1978 –
الهوامش :
(1) الشطر من قصيدة مالك بن الريب في رثاء نفسه .
(2) الشطر لشاعر عربي قديم .
(3) أصبت في الصين بجلطة دماغية وشلل في الشق الأيسر ألزمني العكاز.
(4) الشطر الأول لمالك بن الريب .
(5) بيت للشاعر الباكستاني ( رزمي ) نقلته للعربية .
(6) البيت للشاعر العربي عبد يفوت بن صلاءة يرثي نفسه قبل قتله وفيه تحوير قليل .
(7) نظم كلمة رائعة لمصطفى صادق الرافعي قال فيها :
ما ألأم الشجرة التي إن نطقت شتمت ساقيها .
(8) الشطر الأول لأبي العلاء المعري و تمامه :
وهيهات لي يوم القيامة أشغال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ